الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
السبب الخامس: أن يجعل كلام العالم خاصًّا أو مقيدًا وليس كذلك
.
ومن أمثلة ذلك: ما ذكره الزَّركشي في مسألة (هل يجب العمل بالعام قبل البحث عن المخصص؟ ): "الأمر الثاني: أن إمام الحرمين صوَّر محلَّ الخلاف في صورة خاصة فقال: إذا وردت الصيغة الظاهرة في اقتضاء العموم، ولم يدخل وقت العمل بموجبها؛ فقد قال أبو بكر الصَّيْرَفِيُّ: يجب على المتعبدين اعتقاد عمومها على جزم، ثم إن كان الأمر على ما اعتقدوه فذاك، وإن تبين أن الخصوص تغير العقد (1). انتهى.
والصواب في النقل عنه: إطلاق العموم؛ سواء قبل حضور وقت العمل به أو بعده؛ بل هو مصرح بالعمل به قبل البحث عن المخصص، ونقل ذلك أيضًا في كتابه البيان في أصول الفقه (2)، وكذلك نقله عنه الجمهور - كما سبق التصريح به في كلامهم -، ولم يقيد أحدٌ منهم النقل عنه بهذه الحالة" (3).
•
السبب السادس: أن يكون عن العالم في المسألة اختلاف فيتمسك بالقول المرجوح
.
قد يكون للإمام أكثر من قول في المسألة، وهذا دليل على علو شأنه في العلم؛ حيث كان طول عمره مشتغلاً بالطلب والبحث؛ إلا أن بعض أتباعه قد يخفى عليه القول المتأخر له فيرجح المرجوح، وهذا سبب للاستدراك عليه، وأقرره بالأمثلة التالية:
• المثال الأول:
ما ذكره أبو الوليد الباجي في مسألة (دلالة الأمر المجرد): "فصل: وذهب
(1) يُنظر: البرهان (1/ 406).
(2)
لم أقف عليه.
(3)
البحر المحيط (3/ 45).
أبو الحسن المُنتاب المالكي (1) إلى أن الأمر يحمل على الندب بمجرده، وإليه ذهب أبو الفرج (2)، وحكاه القاضي أبو محمد (3) عن الشيخ أبي بكر الأبهري (4) أن أوامر الباري تعالى على الوجوب، وأوامر النبي صلى الله عليه وسلم على الندب دون تفصيل. والمشهور عنه ما قدمناه من أن ظاهره الوجوب، وقد تقدمت أدلتنا في ذلك" (5).
• المثال الثاني:
ما نقل عن القاضي العنبري (6) في تصويبه لكل المجتهدين في الأصول؛
(1) هو: أبو الحسن، عبيد الله بن المنتاب بن الفضل بن أيوب البغدادي، ويعرف بالكرابيس أيضًا، وقيل في اسمه غير هذا، قاضي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه ولي قضاء مكة، وقيل: ولي القضاء بالشام أيضًا، من شيوخ المالكيين، وفهماء أصحاب مالك، وحذاقهم ونظارهم وحفاظهم، وأئمة مذهبهم، وعدده في البغداديين من أصحاب القاضي إسماعيل، وبه تفقه. من مصنفاته:"مسائل الخلاف والحجة لمالك "نحو مائتي جزء، و"فضائل مالك ومناقبه"، لم تذكر سنة وفاته.
تُنظر ترجمته في: الديباج المهذب (ص: 145)؛ ترتيب المدارك (1/ 9)(2/ 5).
(2)
هو: أبو الفرج، عمرو بن محمد بن عبدالله البغدادي، الإمام الفقيه، كان فصيحًا لغويًّا، تفقه بالقاضي إسماعيل. وتتلمذ على أبي الفرج أبو بكر الأبهري وغيره. من مصنفاته:"الحاوي في مذهب مالك"، و" اللمع في أصول الفقه"، (ت: 330 هـ).
تُنظر ترجمته في: الدبياج المذهب (ص: 309)؛ شجرة النور الزكية (ص: 79)؛ الفهرست (ص: 283).
(3)
المراد به القاضي عبدالوهاب البغدادي، وسبقت ترجمته (ص: 172).
(4)
هو: أبو بكر، محمد بن عبدالله بن صالح بن عمر بن حفص الأبهري، كان إمام أصحابه في وقته، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب مالك. تفقه على القاضي أبي الفرج وابن الجهم وغيرهما. من مصنفاته:"شرح المختصر الكبير لعبدالله بن عبدالحكم"، و" كتاب الأصول"، و" كتاب إجماع أهل المدينة"، (ت: 375 هـ).
تُنظر ترجمته في: تاريخ بغداد (5/ 462)؛ الديباج المذهب (ص: 351)؛ شجرة النور الزكية (ص: 91).
(5)
إحكام الفصول في أحكام الأصول (1/ 204).
(6)
هو: عبيدالله بن الحسن بن حصين العنبري، قاضي البصرة، محدث فقيه، أخرج له مسلم حديثًا واحدًا في صحيحه، توفي سنة (168 هـ).
يُنظر ترجمته في: حلية الأولياء (9/ 6)؛ تقريب التهذيب (1/ 531)؛ تهذيب التهذيب (7/ 8).
والحق أنه رجع عن هذه الرواية. (1)
قال الجويني في مسألة (هل كل مجتهد مصيب؟ ): "فإذا عرفت ما هو الأصل؛ فلا تقل فيما هذا سبيله إن كل مجتهد مصيب؛ بل المصيب واحد ومن عداه جاهل مخطئ. وهذا ما سار إليه كافة الأصوليين؛ إلا عبيدالله بن الحسن العنبري؛ فإنه ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب في الأصول؛ كما أن كل مجتهد مصيب في الفروع.
ثم اختلفت الرواية عنه، فقال في أشهر الروايتين: أنا أصوب كل مجتهد في الدين تجمعهم الملة، وأما الكفرة فلا يُصَوَّبون.
وغلا بعض الرواة عنه: نصوِّب الكفافة من المجتهدين دون الراكنين إلى البدعة، والمعرضين عن أمر الاجتهاد " (2).
وقال السمعاني: "فأما أصول الدين؛ فالحق في قول واحد منها، والثاني باطل قطعًا.
وحُكِى عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه قال: كل مجتهد في الأصول مصيب، وكان يقول مثبتي القدر: هؤلاء عظموا الله، ويقول في نافي القدر: هولاء نزهوا الله.
وقد قيل: إن هذا القول منه في أصول الديانات التي يختلف فيها أهل القبلة، ويرجع المخالفون فيها إلى آيات وآثار محتملة للتأويل؛ كالرؤية وخلق الأفعال، وما أشبه ذلك. فأما ما اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل كاليهود والنصارى والمجوس؛ فإن في هذا الموضع نقطع بأن الحق فيما يقوله أهل الإسلام.
(1) وكان رجوعه بناء على كلام إمام أهل الحديث في المشرق عبد الرحمن بن مهدي. تُنظر: المراجع السابقة.
(2)
يُنظر: التلخيص (3/ 335).