الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيرهم الآن لانقراض أتباعهم (1)، وهو صحيح" (2).
•
سادسًا: العنونة بـ (فائدة)
(3):
وقد سبق أمثلتها فلا حاجة لتكرارها. (4)
•
المجموعة الثالثة: صيغ أسباب الاستدراك، وفيها أربع صيغ
.
•
أولاً: التعبير بـ (النسيان والسهو والذهول والهفوة):
وقد سبق ذكر أمثلة للنسيان والسهو فلا داعي للتكرار (5)، ونذكر أمثلة للتعبير بالذهول والهفوة.
• أمثلة التعبير بـ (الذهول):
• المثال الأول:
قال الجويني في مسألة (التقليد في الفروع) بعد أن ذكر أقوال الأصوليين في المسألة: "ونحن نقدم على الخوض في الحجاج فصلاً ذهل عنه معظم المتكلمين في هذا الباب فنقول: لو رددنا إلى جائزات العقول؛ لكان أخذ العالم بقول عالم آخر من الجائزات -لو قامت به حجة سمعية-؛ وليس من المستحيلات، فكان يجوز أن يقول الرب تعالى: لكل عالم أن يأخذ بقول عالم مثله ويترك الاجتهاد. ثم لو ثبت ذلك لم يكن ذلك تقليدًا؛ بل يصير قول العالم المفتي علماً وأمارة في حق العالم المستفتى، ويكون متمسكاً بما نصبه الله تعالى حجة له.
(1) وبانقراض الأتباع تعذر ثبوت نقل حقيقة مذاهبهم. يُنظر: تيسير التحرير (4/ 256).
(2)
التحرير (ص: 552).
(3)
وأكثر من يعنون بفائدة من الأصوليين: القرافي في " نفائس الأصول " والزركشي في " البحر المحيط".
(4)
يُنظر: (ص: 212 - 214).
(5)
يُنظر: (ص: 152 - 161).
ومعظم من خاض في هذا الفن بنى الأدلة بناء يدل على منع التقليد عقلاً" (1).
• المثال الثاني:
استدرك التفتازاني على صدر الشريعة المحبوبي قوله في بيان (الشرعية):
" (فيدخل في حد الفقه حُسن كل فعل وقبحه عند نفاة كونهما عقليين): "اعلم أن عندنا وعند جمهور المعتزلة: حُسْنُ بعض الأفعال وقبحها يدركان عقلاً، وبعضها لا؛ بل يتوقف على خطاب الشارع. فالأول لا يكون من الفقه؛ بل هو علم الأخلاق، والثاني هو الفقه" (2).
فقال التفتازاني: "قوله: (فيدخل) يريد أن تعريف الفقه على رأي الأشاعرة شامل للعلم عن دليل بحسن الجود والتواضع (أي وجوبهما أو ندبهما)، وقبح البخل والتكبر (أي حرمتهما أو كراهتهما)، وما أشبه ذلك؛ لأنها أحكام لا تدرك لولا خطاب الشرع على رأيهم، مع أن العلم بها من علم الأخلاق؛ لا من علم الفقه. وأقول: إنما يلزم ذلك لو كانت هذه الأحكام عملية بالمعنى المذكور وهو ممنوع، كيف والأمور المذكورة أخلاق ملكات نفسانية جعل المصنف العلم بحسنها وقبحها من علم الأخلاق، وقد صرح فيما سبق بأنه يزاد عملاً على معرفة النفس ما لها وما عليها ليخرج علم الأخلاق، وبأن معرفة ما لها وما عليها من الوجدانيات- أي الأخلاق الباطنية والملكات النفسانية - علم الأخلاق، ومن العمليات علم الفقه، فكأنه نسي ما ذكره ثمة أو ذهل عن قيد العملية هاهنا"(3).
• بيان الاستدراك:
استدرك التفتازاني على المحبوبي قوله: إن تعريف الفقه على مذهب
(1) يُنظر: التلخيص (3/ 435 - 436).
(2)
التوضيح شرح التنقيح للمحبوبي (1/ 43).
(3)
التلويح إلى كشف حقائق التنقيح (1/ 43).
الأشاعرة القائلين بأن العقل لا مدخل له في الأحكام يستلزم منه دخول علم الأخلاق في حد الفقه، لأنها أحكام لا تدرك بالعقل عندهم؛ بل بخطاب الشرع.
فاستدرك عليه التفتازاني: بأن هذا اللازم إنما يصح لو كان علم الأخلاق من الأحكام العملية، وليس كذلك. كما استدرك على المحبوبي نسيانه ما ذكره سابقًا في تعريف الفقه: معرفة النفس ما لها وما عليها (1). بزيادة قيد: ويزداد عملاً؛ ليخرج علم الأخلاق؛ حيث قال: "ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقادات؛ كوجوب الإيمان ونحوه، والوجدانيات (أي: الأخلاق الباطنة، والملكات النفسانية)، والعمليات؛ كالصلاة والصوم والبيع ونحوها، فمعرفة ما لها وما عليها من الاعتقاديات هي علم الكلام، ومعرفة مالها وما عليها من الوجدانيات هي علم الأخلاق والتصوف؛ كالزهد والصبر والرضا وحضور القلب في الصلاة ونحو ذلك، ومعرفة ما لها وما عليها من العمليات هي الفقه المصطلح. فإن أردت بالفقه هذا المصطلح زدت: (عملاٌ) على قوله: (مالها وما عليها)، وإن أردت ما يشمل الأقسام الثلاثة لم تزد"(2).
فالتفتازاني يقرر نسيان المحبوبي إما لقيد: "عملاً" في تعريف الفقه سابقًا، أو قيد "العملية" في هذه الأحكام - الجود والتواضع والبخل والتكبر -.
• المثال الثالث:
قال أمير حاج في مسألة (البيان يكون بالفعل كالقول): "فلو تعاقبا -أي القول والفعل الصالح كل منهما أن يكون بيانًا- وعلم المتقدم؛ فهو -أي المتقدم- البيان قولاً كان أو فعلاً؛ لحصوله به، والثاني تأكيد؛ وإلا إذا لم يعلم المتقدم فأحدهما من غير تعيين هو البيان .... فإن تعارضا، قالوا: كما لو طاف بعد آية الحج طوافين، وأمر بطواف واحد، وقد ورد كلاهما، فعن علي رضي الله عنه: «أَنَّه جَمَعَ بينَ الْحجِّ والْعُمْرَةِ؛ فَطَافَ طوَافَيْنِ،
(1) وهو تعريف أبي حنيفة رحمه الله. يُنظر: التوضيح شرح التنقيح للمحبوبي (1/ 31)؛ كشف الأسرار للبخاري (1/ 25).
(2)
التوضيح شرح التنقيح للمحبوبي (1/ 34).
وسَعَى سعْيَيْنِ»، وحدَّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، رواه النسائي (1) بإسناد رواته موثقون. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أَحرَمَ بالْحَجِّ وَالْعمْرَةِ أَجزَأَهُ طوَافٌ وَاحدٌ وَسَعيٌ وَاحدٌ عنهما حتى يَحلَّ مِنْهمَا جميعًا» رواه الترمذي، وقال:"حسن صحيح غريب (2) ".
فالمختار وفاقا للإمام الرازي (3) وأتباعه (4) وابن الحاجب (5): أن البيان هو
(1) لم أقف عليه عند النسائي؛ وإنما عند الدراقطني برواية علي رضي الله عنه من عدة طرق، حكم على رواته، بالضعف والوهم والترك. يُنظر: سنن الدارقطني (2/ 236).
وأخرجه كذلك الدارقطني برواية عن ابن عمر من طريق الحكم عن مجاهد عن ابن عمر، (2/ 258/ح: 99)، وقال:"لم يروه عن الحكم غير الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث".
ومن رواية عبدالله بن مسعود من طريق أبي برة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله بن مسعود، وقال الدراقطني:"أبو بردة هذا هو عمرو بن يزيد ضعيف، ومن دونه في الإسناد ضعفاء". يُنظر: سنن الدارقطني (2/ 264/ح: 132).
ورواية عن عمران بن حصين من طريق محمد بن يحيى الأزدي عن عبدالله بن داود عن شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف عن عمران بن الحصين، وقال الدارقطني:"يقال: إن محمد بن يحيى الأزدي حدث بهذا من حفظه فوهم". يُنظر: سنن الدارقطني (2/ 264/ح: 133). ويُنظر: نصب الراية (3/ 109).
والنسائي هو: أبو عبدالرحمن، أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني، الحافظ، القاضي، كان كثير التهجد والعبادة، يصوم يومًا ويفطر يومًا، من مصنفاته:" السنن"، " الخصائص " في فضل علي رضي الله عنه، " فضائل الصحابة"، (ت: 303 هـ).
تُنظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ (2/ 698)؛ طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (3/ 14)؛ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 88).
(2)
يُنظر: سنن الترمذي، ك: الحج، ب: ما جاء أن الْقارِنَ يطُوفُ طوافًا واحدًا، (3/ 284/ح: 948).
وأصله في مسلم، ك: الحج، ب: بيان جواز التّحلُّل بالإحصار وجواز القِرَانِ، (2/ 409/ح: 1230).
(3)
يُنظر: المحصول (3/ 183).
(4)
يُنظر: الحاصل (2/ 399)؛ التحصيل (1/ 419).
(5)
يُنظر: مختصر ابن الحاجب (2/ 887 - 888).
القول؛ لأنه يدل بنفسه والفعل لا يدل إلا بأحد أمور ثلاثة: أن يعلم ذلك بالضرورة من قصده، أو أن يقول: هذا الفعل بيان للمجمل، أو بالدليل العقلي؛ وهو: أن يذكر المجمل وقت الحاجة إلى العمل به، ثم يفعل فعلاً صالحًا أن يكون بيانًا له، ولا يفعل شيئًا آخر، وما هو مستقل بنفسه في الدلالة أولى مما يحتاج فيها إلى غيره .... وقول أبي الحسين: البيان هو المتقدم منهما قولاً كان أو فعلاً (1) يستلزم لزوم النسخ للقول بلا ملزم لو كان المتقدم الفعل، فإن كان الفعل إذا كان طوافين فقد وجبا علينا، فإذا أمر بطواف واحد؛ فقد نسخ أحد الطوافين عنا، وهو باطل، وإنما استلزم النسخ بلا ملزم لإمكان الجمع بأن يكون القول هو البيان، بخلاف ما إذا كان المتقدم القول فإن حكم الفعل كما سبق (2).
قلت: وقد ذهل الإسنوي (3) فجعل هذا بعينه تفريعًا على قول الإمام وموافقيه فتنبه له" (4).
• بيان الاستدراك:
ذكر أمير حاج في هذه المسألة البيان بالفعل فقال: لو ورد بعد المجمل القول والفعل، وكان كلاهما صالحًا أن يكون بيانًا لذلك المجمل؛ فأيهما يرجح فيقدم؟
اجتماع الفعل مع القول في بيان المجمل له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يتوافقا في الدلالة على الحكم، ونعلم السابق منهما، ففي هذه الحالة المُبَيِّن هو السابق منهما؛ سواء كان القول أو الفعل؛ وذلك لأن البيان حصل به، ويكون الثاني منهما تأكيدًا للأول.
الحالة الثانية: أن يتوافقا في الدلالة على الحكم، ونجهل السابق منهما، ففي هذه
(1) يُنظر: المعتمد (1/ 313).
(2)
أي يكون الفعل الثاني: تأكيدًا له، فيُستحب الطواف الثاني.
(3)
يُنظر: نهاية السول (1/ 568).
(4)
يُنظر: التقرير والتحبير (3/ 50 - 52).
الحالة نحكم على السابق من حيث الجملة أنه هو البيان، والثاني يكون تأكيدًا.
الحالة الثالثة: أن يختلف القول والفعل في الدلالة على الحكم، وضرب له مثال آية الحج مجملة، فأيهما يكون البيان: قوله: «من أَحرَمَ بالْحَجِّ وَالْعمْرَةِ أَجزَأَهُ طوَافٌ وَاحدٌ وَسَعيٌ وَاحدٌ عنهما حتى يَحلَّ مِنْهمَا جميعا» ، أو فعله صلى الله عليه وسلم أنَّه قرن فطاف طوافين، وسعى سعيين؟
اختلف الأصوليون: فاختار الرازي وأتباعه وابن الحاجب: أن الراجح هو القول؛ سواء كان المتقدم أو المتأخر أو لم يعلم تاريخهما. وسبب ترجيحه للقول: أن القول يدل بنفسه، في حين أن الفعل لا يدل إلا بواسطة أحد أمور ثلاثة؛ وهي:
1 -
أن يعلم ذلك بالضرورة من قصده صلى الله عليه وسلم.
2 -
أن يقول صلى الله عليه وسلم: هذا الفعل بيان للمُجمل.
3 -
بالدليل العقلي؛ بأن يذكر المُجمل وقت الحاجة إلى العمل به، فيفعل فعلاً يصلح أن يكون بيانًا للمُجمل.
واختار أبو الحسين البصري: أن المتقدم هو المُبيِّن دائمًا؛ سواء كان المتقدم القول أو الفعل؛ وذلك لأن خطاب المجمل إذا تعقبه ما يجوز أن يكون بيانًا له كان بيانًا له؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان.
فعلى قول أبي الحسين: إن تقدم الفعل على القول بعد المجمل، فكان فعله صلى الله عليه وسلم الطوافين بعد آية الحج، ثم أمر بطواف واحد، فالطواف الثاني واجب، وهذا يستلزم أن القول نسخ بالفعل، فاستلزم وجود نسخ بلا ملزم له؛ لأنه بالإمكان الجمع بين القول والفعل؛ بأن يكون القول هو البيان، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
أما إذا كان القول المتقدم؛ فيحمل طواف النبي صلى الله عليه وسلم الثاني على كونه مندوبًا.
وبعد أن ذكر أمير حاج ذلك استدرك على الإسنوي؛ حيث ذهل وجعل التفريع على قول أبي الحسين تفريعًا على قول الإمام وموافقيه، وهذا خطأ منه بسبب الذهول.
وعبارة الإسنوي: "فالأصح عند الإمام وأتباعه وابن الحاجب: أن المأخوذ به هو القول؛ سواء تقدم، أو تأخر، أو لم يعلم شيء منهما؛ لأنه يدل بنفسه، والفعل لا يدل بنفسه إلا بواسطة أحد الأمور الثلاثة المتقدمة.
فعلى هذا إن تأخر الفعل فيكون دالاًّ على استحباب الطواف الثاني، وإن تأخر القول كان ناسخًا لإيجاب الطواف الثاني المستفاد من الفعل" (1).
• وأما أمثلة التعبير بـ (الهفوة):
• المثال الأول:
ذكر الجويني في فصل (أدلة نفاة القياس): "وقد ذكر الطبري في خلل الاستدلال بحديث معاذ في إثبات القياس، ثم وجه على نفسه سؤالاً فقال: فلو قالوا: هذا من أخبار الآحاد؛ لقلت في جوابهم: يجوز الاستدلال بأخبار الآحاد في إثبات القياس؛ كما يجوز الاستدلال بها في إثبات الأحكام.
وهذه هفوة عظيمة، وسنذكر في كتاب الاجتهاد أن أصول أدلة الشريعة لا تثبت إلا بما يقتضي العلم من الأدلة القاطعة، ومن قال غير ذلك فقد زل زلة عظيمة" (2).
• المثال الثاني:
قال الجويني في مسألة (مقتضى التكليف): "
…
فأما الإباحة فلا ينطوي عليها معنى التكليف. وقد قال الأستاذ (3) رحمه الله: إنها من التكليف. وهي هفوة ظاهرة" (4).
(1) يُنظر: نهاية السول (1/ 568).
(2)
يُنظر: التلخيص (3/ 213).
(3)
المراد به: أبو إسحاق الإسفرائيني. وذكر علماء الأصول تأويلاً لقوله هذا: بأنه أراد وجوب اعتقاد الإباحة - أي وجوب اعتقاد كون الإباحة من الشرع-، والوجوب حكمٌ شرعي، وبهذا فالخلاف معه لفظي. يُنظر: المستصفى (1/ 243 - 244)؛ رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (2/ 9)؛ شرح العضد للأيجي (2/ 223).
(4)
يُنظر: البرهان (1/ 102).