الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وأجيب:
بأن بوله لن يكون أطهر من ريقه، وقد حكمنا على ريقه بالنجاسة كما في الحديث المتفق على صحته في غسل الإناء من ولوغ الكلب، ولكن عدم تطهير المكان من بول الكلب إما لكون الشمس حارة في بلاد الحجاز، فكانت تطهر الأرض بالاستحالة، فإذا أذهبت الشمس النجاسة لونًا وطعمًا وريحًا فقد طهر المكان، وربما كان مرور الكلاب ليس في موضع مصلى المسلمين، بل في مؤخرة المسجد، فكان الأمر لا يتطلب المبادرة إلى تطهيره بالماء، بل يترك حتى تطهره الشمس.
وقد يقال: إن هذا الأمر كان في أول الإسلام، خاصة أن في بعض ألفاظه أن ابن عمر كان شابًّا عزبًا، وكان ينام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تزوج ابن عمر في حياته صلى الله عليه وسلم كما في قصة طلاق ابن عمر للمرأة الحائض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في الصحيحين.
الدليل الثالث:
(1124 - 95) روى البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، قال البخاري: صلى
أبو موسى في دار البريد والسرقين والبرية إلى جنبه فقال هاهنا وثم سواءً
(1)
.
(1)
رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، في كتاب الوضوء، في باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها.
قال الحافظ في الفتح (1/ 336): وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له، قال: حدثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث هو السلمي الكوفي، عن أبيه، قال: صلى بنا
أبو موسى في دار البريد، وهناك سرقين الدواب والبرية على الباب، فقالوا: لو صليت على الباب فذكره. اهـ
وقال في تغليق التعليق (2/ 141): ذكره البخاري في تاريخه عن أبي نعيم، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع، عن الأعمش نحوه.
وقال أيضا: حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبيه قال: كنا مع
أبي موسى بعين التمر في دار البريد، فأذن وأقام، فقلنا له: لو خرجت إلى البرية، فقال: ذاك وذا سواءً.
ومالك بن الحارث هو السلمي روى له مسلم من حديث الأعمش عنه، ووثقه يحيى بن معين، وأبوه ذكره ابن حبان في الثقات.
قلت روايتا ابن أبي شيبة التي أشار إليها الحافظ رحمه الله تعالى هي في المصنف، فروايته عن محمد بن عبيد فهي في (1/ 198) ح 2268، وقد ذكر الحافظ لفظها.
وأما رواية ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن الأعمش به، فذكرها ابن أبي شيبة في (2/ 169) بلفظ: كنا مع أبي موسى في دار البريد، فحضرت الصلاة، فصلى بنا على روث ونتن، فقلنا: تصلي بنا هنا، والبرية إلى جنبك، فقال: البرية وهاهنا سواءً. اهـ
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (1606) عن الثوري، عن الأعمش به.
ورواه ابن المنذر في الأوسط (2/ 196) من طريق شريك، عن الأعمش به.
وجه الاستدلال:
أن أبا موسى صلى على السرقين في دار البريد، وكانت تربط فيها الدواب ذوات الحوافر من خيل وبغال وحمير، ولو كان نجسًا لما صلى عليه.
• وأجيب:
أولًا: أن هذه الدواب التي ترد إلى البريد طاهرة، لأنها إما خيل وإبل فأكلها حلال، فكذلك بولها، وإما بغال وحمر فهي طاهرة لمشقة التحرز منها كما قدمنا بحثه في مسألة مستقلة.
ثانيًا: قد يكون أبو موسى صلى بحائل.
وهذا الاحتمال الأصل عدمه، ثم ظاهر اللفظ يأباه بقوله: صَلَّى على سرقين، ظاهره أنه مباشر له.
ثالثًا: على فرض أن يكون صلى على سرجين نجس، فهو فعل صاحبي قد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره فلا يكون حجة، وقد قدمنا أدلة مرفوعة على نجاسة هذه الأبوال، وإنما يصار إلى الاستدلال برأي الصحابي بشرطين:
الأول: ألا يخالف نصًا من كتاب أو سنة مرفوعة.
الثاني: ألا يخالفه غيره من الصحابة، فإن خالفه غيره ذهبنا إلى الترجيح بينهما بحسب ما تقتضيه الأدلة والقواعد الشرعية.
رابعًا: قال بعضهم: لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة من النجاسة شرطًا أو واجبًا في صحة الصلاة، وهو قول في مذهب المالكية.
• الترجيح:
الراجح والله أعلم بالصواب، مذهب القائلين بنجاسة أبوال البهائم الحية غير المأكولة، ألا أن يشق التحرز منها، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من الاعتراضات القادحة.
* * *