الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه الاستدلال:
أباح الله سبحانه وتعالى الأكل مما أمسكت الكلاب، ولم يأمرنا بغسل المكان الذي أمسكته معه، مع أنه لا يخلو من التلوث بريق الكلب، ولو كان نجسًا لأمرنا بغسله، ولنقل عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم غسله.
الدليل الثاني:
(1178 - 149) ما رواه البخاري في صحيحه: قال: وقال أحمد بن شبيب، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني حمزة بن عبد الله،
عن أبيه قال كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك
(1)
.
وقد أجبنا عن هذه الأدلة في ذكر الخلاف في عين الكلب، هل عينه طاهرة أم نجسة، فارجع إليه إن شئت.
• الجواب عن حديث الولوغ.
فيمكن أن يجاب بأحد جوابين.
الجواب الأول: أن زيادة «فليرقه» زيادة شاذة
(2)
.
ومع الحكم بشذوذ «فليرقه» ، فإن المعنى يقتضي تنجس الماء ولو لم يتغير، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء، وجعل ذلك طهارة للإناء.
فقوله صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب.
(1)
صحيح البخاري (174)، قال الحافظ في الفتح: زاد أبو نعيم والبيهقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب المذكور موصولًا بصريح التحديث.
(2)
بحثت هذا الحديث وجمعت طرقه في أحكام المياه، وبينت أن علي بن مسهر قد خالف أكثر من خمسة عشر حافظًا رووا الحديث بدون هذه الزيادة، انظر المجلد الأول مسألة: الماء الراكد إذا لاقته نجاسة فلم تغيره.
ومعلوم أن نجاسة الإناء إنما جاءت من نجاسة الماء؛ لأن الولوغ إنما وقع على الماء، فتنجس الإناء لنجاسة الماء؛ ولأن النجاسة لو كانت للإناء وحده لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغسل من الإناء جهة الولوغ فقط، فلما أمر بغسل الإناء كله، علم أن النجاسة إنما سرت عن طريق الماء المتنجس. فإن قال قائل: إذًا كيف حكمتم على الأمر بالإراقة بالشذوذ؟
فالجواب: لا يلزم من الحكم بنجاسة الماء الحكم بوجوب إراقته؛ لأن الماء إذا تنجس لا يكون نجس العين، إذ يمكن تطهيره، وإذا أمكن تطهيره أمكن الانتفاع به بخلاف ما إذا أوجبنا إراقته.
الجواب الثاني:
لا يعني ذلك إذا حكمنا بنجاسة الماء أن نقول بنجاسة كل ماء قليل حلت فيه نجاسة ولو لم يتغير؛ لأن الكلاب خصت ببعض الأحكام من دون سائر النجاسات، فمنها التسبيع، ومنها التتريب، فلا يقاس الأخف على الأغلظ.
على أنه قد يقال: لا نسلم عدم التغير؛ لأن لعاب الكلب له لزوجة قد لا تتحلل في الماء فتظهر على شيء منه، فيكون هذا نوعًا من تغير الماء عن طبيعته بالنجاسة، فينجس والله أعلم.
فالراجح أن سؤر الكلب نجس، خاصة إذا وقع الولوغ في الآنية؛ لأن الحديث إنما جاء نصًّا في الآنية: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، وأما إذا ولغ في البرك والمستنقعات الكبيرة فإن ذلك لا يضر الماء؛ لأن الماء في هذه الحال كثير، وقد كانت مياه المسلمين في الفلاة يردها السباع والكلاب، ولم ينقل أنهم كانوا يجتنبون ذلك، والله أعلم.
* * *