الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يقال: إنه نجس، وكذلك الأنصاب والأزلام، والجواب الأول أقوى؛ لأن الغالب في إطلاق لفظة «رجس» على الحيوان إنما يراد بها أنه نجس، وإن كانت تطلق على غير المأكول والمشروب ويراد بها الحرام أحيانًا، والله أعلم.
الدليل الثاني:
قالوا: إنه حيوان حرم أكله لا لحرمته، مع إمكان التحرز منه غالبًا أشبه الكلب في النجاسة.
• وأجيب:
بأن الكلب ورد فيه نص على نجاسة سؤره، ووجوب غسل الإناء من ولوغه سبعًا، وحرم اقتناؤه إلا لحاجة، بخلاف الحمار فإنه يجوز اقتناؤه للزينة، ولم يرد نص في غسل الإناء من ولوغه، ولم نؤمر بغسل ما أصاب ثيابنا من عرقه ولعابه، فأين وجه الشبه بين المقيس والمقيس عليه.
وأما القول بأنه يمكن التحرز منه في الغالب ففيه نظر، إذ لا يمكن لراكبه التحرز من عرقه فبدنه يلامس بدن الراكب، فيعرق بدن الحمار خاصة في البلاد الحارة، فيصيب ثياب الراكب وبدنه، ولا بد.
• ذكر ما أوجب للحنفية التوقف في البغل والحمار:
حيث كان التوقف في المسألة لا يعتبر حكمًا، لم أقدم ذكر أدلة الحنفية كالعادة حين ذكر الأدلة؛ فالتوقف ليس من أحكام الشرع، والمتوقف هو ملتبس عليه الأمر، فلم يحرر في المسألة قولًا فضلًا أن يحرر دليلًا، وما أوجب لهم التوقف هو تعارض الأدلة عندهم في طهارة سؤره، وفي حكم لحمه، فجاء عندهم ما يقتضي نجاسة سؤره، وما يقتضي طهارته، وجاء عندهم ما يقتضي تحريم لحمه، وما يقتضي إباحة أكلها، فلما تعارضت الأدلة توقفوا، وجعلوا سؤرهما مشكوكًا فيه:
يقول السرخسي: «أما سؤر الحمار فطاهر عند الشافعي رحمه الله تعالى، وهو قول
ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه كان يقول: الحمار يعلف القت والتبن، فسؤره طاهر. وعندنا مشكوك فيه غير متيقن بطهارته، ولا بنجاسته؛ فإن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: إنه رجس، فيتعارض قوله وقول ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك الأخبار تعارضت في أكل لحمه فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.
وروي أن أبجر بن غالب رضي الله عنه قال: لم يبق لي من مالي إلا حميرات فقال عليه الصلاة والسلام كل من سمين مالك
(1)
، وكذلك اعتبار سؤره بعرقه يدل على طهارته، واعتباره بلبنه يدل على نجاسته؛ ولأن الأصل الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهرة موجود في الحمار؛ لأنه يخالط الناس لكنه دون ما في الهرة فإنه لا يدخل المضايق فلوجود أصل البلوى لا نقول بنجاسته، ولكون البلوى فيه متقاعدًا لا نقول بطهارته فيبقى مشكوكًا فيه، وأدلة الشرع أمارات لا يجوز أن تتعارض، والحكم فيها الوقف
(2)
.
وهذه الأدلة التي ساقها السرخسي ليست متكافئة، حتى يقال: بالتعارض، فأثر ابن عباس لم يعارض الحديث المرفوع في النهي عن لحوم الحمر الأهلية، فإننا نقول بطهارة سؤرها، وتحريم لحمها، ولا تعارض.
وأما الأحاديث التي ساقها، فيقال: الحديث الضعيف لا يعارض به الحديث المتفق على صحته، فالنهي عن لحوم الحمر الأهلية ثابت في حديث متفق على صحته، كما خرجته في أدلة القول الأول.
وحديث (كل من سمين مالك) حديث مضطرب، لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1062 - 33) فقد رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا شعبة، عن عبيد بن الحسن، قال: سمعت عبد الله بن معقل يحدث عن عبد الله بن بسر،
(1)
سيأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله تعالى.
(2)
المبسوط (1/ 49).
عن ناس من مزينة الظاهرة، أن أبجر -أو ابن أبجر- سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا رسول الله لم يبق لي مال إلا حمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطعم أهلك من سمين مالك، فإنما كرهت لهم جوال
(1)
القرية
(2)
.
[الحديث فيه اضطراب كثير]
(3)
.
(1)
الجوال: جمع جالة، والجلالة من الحيوان هي التي تأكل العذرة.
(2)
مسند أبي داود الطيالسي (1305).
(3)
في إسناده اختلاف كثير:
فرواه شعبة، اختلف عليه فيه:
فرواه أبو داود الطيالسي في مسنده كما في إسناد الباب، ومن طريقه رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1134)، والطبراني في المعجم الكبير (18/ 266) ح 667، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1103)، عن شعبة، عن عبيد بن الحسن، عن عبد الله بن معقل، عن عبد الله بن بسر، عن ناس من مزينة أن أبجر أو ابن أبجر سأل النبي صلى الله عليه وسلم
…
وذكر الحديث.
وقد تفرد بروايته عن أبي داود الطيالسي يونس بن حبيب فقال في مسند أبي داود الطيالسي: وفي المعجم الكبير للطبراني (18/ 266) ح 667، وفي معرفة الصحابة (عبد الله بن بسر).
وأشار محقق المسند ط هجر (1401) أن في بعض النسخ (عبد الله بن بشر).
ورواه يونس بن حبيب عن أبي داود كما في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم فقال: (عبد الله بن بشر).
وخالف إبراهيم بن مرزوق يونس بن حبيب، فرواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 203) من طريقه، قال: حدثنا أبو داود (يعني الطيالسي) غير أنه قال: عبد الرحمن بن معقل بدلًا من عبد الله بن معقل. وهما أخوان، وقال: عبد الرحمن بن بشر، بدلًا من عبد الله.
وفي رواية أبي دواد الطيالسي قوله (ناس من مزينة) مبهمون لا يعرف من هم، ولم يقل: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه روح بن عبادة، كما في شرح معاني الآثار للطحاوي في (4/ 203).
وأبو نعيم الفضل بن دكين كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (4/ 203)، كلاهما روياه عن شعبة، عن عبيد بن الحسن، عن عبد الرحمن بن معقل، عن عبد الرحمن بن بشر، أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من مزينة حدثوا عن سيد مزينة الأبجر أو ابن الأبجر.
فروياه عن عبد الرحمن بن معقل بدلًا من أخيه عبد الله، وعن عبد الرحمن بن بشر بدلًا من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عبد الله بن بشر وقيل: بسر، ووصفا المبهمين من مزينة بأنهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان محفوظًا فإبهامهم لا يضر إذا ثبتت صحبتهم.
وفي شرح معاني الآثار للعيني المسمى نخب الأفكار (21/ 268)، قال في إسناد الطحاوي (عبد الله بن معقل) بدلًا من عبد الرحمن بن معقل فلينظر ما هو الصحيح في نسخة شرح معاني الآثار.
ورواه محمد بن جعفر، عن شعبة، واختلف على محمد:
فرواه الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (ص: 159) من طريق محمد بن المثنى، عن محمد بن جعفر، عن شعبة به كرواية روح والفضل بن دكين.
ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1104) من طريق أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن جعفر، عن عبيد أبي الحسن، سمعت عبد الله بن معقل، عن عبد الرحمن بن بشر، أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثوا أن سيد مزينة ابن الأبجر أو الأبجر
…
فذكر عبد الله بن معقل بدلًا من عبد الرحمن بن معقل.
فتبين أن أبا دواد الطيالسي رواه بقوله: عبد الله بن معقل، وقوله:(عبد الله بن بشر، أو عبد الله بن بسر).
وخالفه روح بن عبادة، والفضل بن دكين، فقالا: عبد الرحمن بن معقل، وعبد الرحمن بن بشر. كرواية إبراهيم بن مرزوق عن أبي داود الطيالسي، والله أعلم.
ورواه محمد بن جعفر بالوجهين، مرة بذكر عبد الله بن معقل، ومرة بذكر عبد الرحمن بن معقل، إلا أنه لم يقل أحد: عبد الله بن بشر إلا أبا داود الطيالسي.
ورواه وكيع كما في مصنف ابن أبي شيبة (24340)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1131) وإبراهيم بن طهمان كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم (1104) فروياه عن شعبة، عن عبيد بن الحسن، قال وكيع: عن ابن معقل. وقال إبراهيم: عن عبد الرحمن بن معقل، عن أناس من مزينة، قال إبراهيم: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبجر أو ابن أبجر. وأسقطا من إسناده عبد الرحمن بن بشر.
ولم يصف وكيع المبهمين أنهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا هو الاختلاف على شعبة، والذي يمكن الترجيح فيه أن عبد الله بن بسر تفرد به أبو داود الطيالسي مخالفًا كل من رواه عن شعبة، فقد ذكروه باسم (عبد الرحمن بن بشر).
وأما الترجيح بين عبد الله بن معقل أو عبد الرحمن بن معقل فلا أستطيع الترجيح، لورودها من غير طريق أبي داود الطيالسي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وعبد الرحمن بن بشر أخرج له مسلم حديثًا واحدًا متابعة، ولم يوثقه إلا ابن حبان، وقال ابن حزم: هذا الحديث بطرقه باطل؛ لأنها كلها من طريق عبد الرحمن بن بشر، وهو مجهول».
وقال فيه ابن حجر: مقبول: أي حيث يتابع، وإلا فلين، وهذا أقرب ما يقال في مثله، والله أعلم، كيف وقد اختلف في إسناده، وعارض ما هو أصح منه مما هو في الصحيح. ورواه غير شعبة.
رواه مسعر بن كدام، واختلف عليه فيه أيضًا:
فرواه عبد الرزاق كما في المصنف (8728)، عن ابن عيينة، عن مسعر، عن عبيد بن الحسن، عن عبد الله بن معقل، أن رجلين من مزينة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم
…
وذكر الحديث، ولم يذكر أبجر أو ابن أبجر، وجعل عبد الله بن معقل يرويه مباشرة عن رجلين من مزينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا منقطع، فإن ابن معقل إنما رواه عن عبد الرحمن بن بشر، عن أناس من مزينة.
ورواه ابن أبي عمر العدني، واختلف عليه:
فرواه ابن أبي عاصم كما في الآحاد والمثاني (1133) عن ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن مسعر به كرواية عبد الرزاق.
ورواه أحمد بن عمرو الخلال المكي كما في المعجم الكبير للطبراني (18/ 266) ح 668، حدثنا محمد بن أبي عمر العدني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن مسعر، عن عبيد بن الحسن، عن رجل، عن رجلين من مزينة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: إن السنة أصابتنا
…
وذكر الحديث. فإذا حمل المبهم في قوله (عن رجل) أنه ابن معقل، تصبح الرواية موافقة لرواية عبد الرزاق، وابن أبي عاصم عن ابن عيينة، ولم يذكر في الإسناد أبجر أو ابن أبجر.
ويكون هذا الإسناد كما قلت منقطعًا فإن ابن معقل يرويه عن عبد الرحمن بن بشر كما في رواية شعبة، وليس يرويه عن رجلين من مزينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وخالف ابن عيينة كل من:
محمد بن سليمان كما في سنن أبي داود (3810).
وفهد بن سليمان، كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (4/ 203)،
وفضيل بن محمد الملطي كما في المعجم الكبير للطبراني (18/ 266) رقم 666، ثلاثتهم رووه عن أبي نعيم (الفضل بن دكين)، حدثنا مسعر، عن عبيد بن حسن، عن ابن معقل، عن رجلين من مزينة، أحدهما عن الآخر: أحدهما عبد الله بن عمرو بن عويم، والآخر غالب بن الأبجر. قال مسعر: أرى غالبًا الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث.
وابن معقل هنا يرويه مباشرة عن رجلين من مزينة، على خلاف رواية شعبة.
وعبد الله بن عمرو بن عويم مختلف في صحبته، انظر الإصابة (4/ 167). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه وكيع كما في المعجم الكبير للطبراني (18/ 266) عن مسعر، عن عبيد بن الحسن، عن ابن معقل، عن أناس من مزينة الظاهرة، عن غالب بن الأبجر، فزاد في إسناده على ابن عيينة غالب بن أبجر.
هذا هو وجه الاختلاف على مسعر، ورواه منصور، واختلف عليه:
فرواه أبو داود (3809) وابن سعد في الطبقات الكبرى (6/ 48) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 332) من طريق إسرائيل، عن منصور، عن عبيد أبي الحسن، عن عبد الرحمن، عن غالب بن أبجر.
وهذا مخالف لإسناد شعبة، حيث يرويه عبيد بن الحسن عن عبد الرحمن معقل، عن عبد الرحمن ابن بشر، عن أناس من مزينة، عن أبجر أو ابن أبجر.
وأخرجه ابن أبي شيبة (24338)، وابن أبي عاصم (1132)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 203)، والطبراني في الكبير (18/ 267) رقم 670، من طريق شريك، عن منصور، عن عبيد بن الحسن، عن غالب بن ذيخ، هكذا في مصنف ابن أبي شيبة، وقال في رواية ابن أبي عاصم والطبراني:(ذريح)، وفي رواية الطحاوي عن غالب بن أبجر.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة غالب بن أبجر، ويقال: غالب بن ذيخ، ولعله جده.
فأسقط عبد الرحمن بن معقل، وصار يرويه عبيد بن الحسن عن غالب دون واسطة، وشريك سيء الحفظ.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 265) ح 664 من طريق حفص بن غياث، عن أبي عميس، عن عبيد بن الحسن، عن عبد الله بن معقل، عن غالب بن أبجر.
فجعله من رواية عبد الله بن معقل بدلًا من عبد الرحمن، ورواه عن غالب بلا واسطة على خلاف رواية شعبة.
قال أبو زرعة: الصحيح حديث شعبة، انظر العلل (2/ 7).
قال الزيلعي في نصب الراية (4/ 197): وفي إسناده اختلاف كثير: فمنهم من يقول: عن عبيد أبي الحسن. ومنهم من يقول: عبيد بن الحسن. ومنهم من يقول: عن عبد الله بن معقل. ومنهم من يقول: عبد الرحمن بن معقل. ومنهم من يقول: عن ابن معقل وغالب بن أبجر ويقال أبجر بن غالب. ومنهم من يقول: غالب بن ذريح. ومنهم من يقول: غالب بن ذيخ ومنهم من يقول: عن أناس من مزينة عن غالب بن أبجر. ومنهم من يقول: عن أناس من مزينة أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من يقول: إن رجلين سألا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الاختلافات بعضها في معجم الطبراني، وبعضها في مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، وبعضها في مسند البزار وقال البزار: ولا يعلم =
وذكر الطحاوي عن بعضهم جوابًا عن هذا الحديث، فقال:
قد يجوز أن يكون الحمر التي أباح النبي صلى الله عليه وسلم أكلها في هذا الحديث كانت وحشية، ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: فإنما كرهت لكم جوال القرية على الأهلية
(1)
.
وجوابًا آخر: أنه جاء في الحديث قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد أصابتنا سنة، وإن سمين مالنا في الحمير، فقال: كلوا من سمين مالكم، فأخبر أن ما كان أباح لهم من ذلك كان في عام سنة فيكون إنما أباحه لهم في حال الضرورة وقد تحل في حال الضرورة الميتة، فليس في هذا الحديث دليل على حكم لحوم الحمر الأهلية في غير حال الضرورة، وقد جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيئا متواترا في نهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية
(2)
.
= لغالب بن أبجر إلا هذا الحديث وقد اختلف فيه، ثم ذكر الاختلاف على ما تقدم. ثم قال: قال البيهقي في المعرفة: حديث غالب بن أبجر إسناده مضطرب وإن صح فإنما رخص له ثم الضرورة حيث تباح الميتة كما في لفظه انتهى.
وذكر ابن حزم هذا الحديث وقال: «هذا كله باطل؛ لأنها من طريق عبد الرحمن بن بشر وهو مجهول، والآخر من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن لويم، وهو مجهول، أو من طريق شريك وهو ضعيف، عن أبي الحسن ولا يدرى من هو، عن غالب بن ذيخ ولا يدرى من هو، ومن طريق سلمى بنت النضر الخضرية ولا يدرى من هي» .اهـ
وفي كثير مما قاله ابن حزم نظر.
وقال الخطابي في معالم السنن (4/ 250): «حديث ابن أبجر قد اختلف في إسناده» .
انظر تحفة الأشراف (11018)، إتحاف المهرة (4، 16241)، وقد نسبه الحافظ فيه إلى المسند، وقد قال محققه: ولم أجده في مسند أحمد مع شدة تتبعي له، وفحصي فيه خاصة، ولا في ترتيبه (الفتح الرباني) ولم يذكره المصنف في أطراف المسند، لا في أبجر بن غالب، ولا غالب بن أبجر، ولا ابن أبجر، ولا عزاه إلى المسند في ترجمته لأبجر في الإصابة أو التهذيب وعزاه ابن كثير في جامع السنن والمسانيد إلى المسند، فالله أعلم.
(1)
وهذا جواب ضعيف، حيث إن ذكر الحمر جاء في الحديث المذكور مطلقًا، فينصرف غالبًا إلى الحمر الأهلية المعتادة، ولو أراد الوحشية لقيده، كما هو المعروف عن الشارع أنه متى أراد غير المعهود قيده بوصفه، والله أعلم.
(2)
شرح معاني الآثار (4/ 203) بتصرف يسير جدًّا.
وهذا جواب قوي لو كان حديث ابن أبجر صحيحًا، أما إذا كان ضعفه بيِّنًا فلا حاجة لتلمس الجواب عن دليل لا يقوم بنفسه لضعفه، والله أعلم.
والقول بأن هناك شيئًا من أحكام الشريعة مشكوكًا فيه غير صحيح، ولا يجوز القول به ولا اعتقاده؛ لأن الشك إنما هو أمر عارض يعتري المجتهد عند تعارض الأدلة، وما يكون مشكوكًا فيه عند مجتهد لا يكون مشكوكًا فيه عند آخر؛ لأن الشك في الشيء هو عجز عن الوصول إلى الحكم الشرعي، قطعيًا كان أو ظنيًا، والتوقف وإن صح أن يكون من آحاد المجتهدين لقصور أو تقصير، لكن لا يصح كونه مذهبًا يدعى إليه وإلى تبنيه من أتباع المذهب الحنفي، بل يجب على غيرهم من علماء المذهب الحنفي الاجتهاد في الوصول إلى الحكم الشرعي، واختلاف الصحابة في شيء لا يوجب الشك في طهارة الشيء، فليس كل ما اختلف فيه الصحابة يكون حكمه مشكوكًا فيه، وإلا أدى الأمر إلى الشك في كثير من الأحكام الشرعية؛ لأن الأمور التي اختلف فيها الصحابة أكثر من الأمور التي اتفقوا عليها، بل يجب النظر في خلافهم، والأخذ بما هو أقرب إلى الكتاب والسنة وقواعد الشرع.
ثم إن الأحكام الشرعية جميعها قد بينها الله سبحانه وتعالى بيانًا واضحًا، كما قال تعالى:(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ)[النحل: 89]، ولكن هذا البيان لم يعلمه كل أحد، والخلاف إنما هو ناشئ عن اختلاف الأفهام، فالقصور والتقصير إنما هو من قبل البشر، لا من قبل التشريع قطعًا.
* * *