الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الكتاب
المبحث الأول تعريف النجاسة
تعريف النجاسة اصطلاحًا
(1)
:
قدَّم الفقهاء عدة تعريفات للنجاسة، وهم في ذلك يعرفون النجاسة تارة، ويعرفون حكم النجاسة تارة أخرى بقولهم: النجاسة وصف يمنع من كذا وكذا، وهناك فرق بين تعريف عينها، وبين تعريف حكمها، وقد اخترت من كل مذهب تعريفًا وقمت بشرحه وبيان محترزاته، والله الموفق.
تعريف الحنفية للنجاسة:
قالوا: النجاسة: عين مستقذرة شرعًا
(2)
.
(1)
ذكر في المصباح المنير (ص: 594): نَجِسَ ينجَس فَهُوَ نَجِسٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا كَانَ قَذِرًا غَيْرَ نَظِيفٍ.
وَنَجَسَ يَنْجُسُ مِنْ بَابِ قَتَلَ لُغَةٌ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: وَنَجُسَ من باب شَرُف خِلافُ طَهُرَ، وَمَشَاهِيرُ الْكُتُبِ لا تذكر ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَذَرَ قَدْ يَكُونُ نَجَاسَةً فَهُوَ مُوَافِقٌ لِهَذَا.
وَالاسْمُ النَّجَاسَةُ. وَثَوْبٌ نَجِسٌ بِالْكَسْرِ اسْمُ فَاعِلٍ وَبِالْفَتْحِ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ، وَقَوْمٌ أَنْجَاسٌ، وَتَنَجَّسَ الشَّيْءُ، وَنَجَّسْتُهُ. وَالنَّجَاسَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ: قَذَرٌ مَخْصُوصٌ، وَهُوَ مَا يَمْنَعُ جِنْسُهُ الصَّلاةَ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ.
(2)
البحر الرائق (1/ 8)، حاشية ابن عابدين (1/ 58).
فقولهم: (عين) خرج به الوصف، فإنه معنى من المعاني.
وقولهم: (مُستقذرة شرعًا) خرج به ما استقذر طبعًا، كالمخاط والبصاق، فإنهما مستقذران في عرف الناس وطبيعتهم، وإن كانا طاهرين شرعًا؛ وذلك لأن استقذارهم بالطبع والعرف، وليس بالشرع.
تعريف المالكية للنجاسة:
قالوا: صفة حكمية توجب لموصوفها منع جواز استباحة الصلاة به أو فيه
(1)
.
وهذا تعريف النجاسة بتعريف حكمها، وما سبق تعريف لذات النجاسة، وبعض الأصوليين يمنعون تعريف الشيء بحكمه، فكونها تمنع استباحة الصلاة به، إن كانت محمولة، أو فيه إن كانت في المكان، هذا حكم النجاسة، وليس تعريفًا لماهية النجاسة. وقد قال بعضهم:
وعندهم من جملة المردودِ
…
أن تدخل الأحكام في الحدودِ
ثم قد يعترض عليه باعتراض آخر: وهو الصلاة في الدار المغصوبة وكذلك الثوب المغصوب، فإنه قد قام به وصف يمنع من استباحة الصلاة فيه إن كان بالمكان، أو به، إن كان بالثوب، ولا يقال بنجاستهما، والله أعلم.
تعريف الشافعية:
قال المتولي: «حدها: كل عين حرم تناولها على الإطلاق مع إمكان التناول لا
(1)
حدود ابن عرفة (ص: 27)، مواهب الجليل (1/ 43)، الشرح الكبير بحاشية الدسوقي (1/ 32).
وقال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (1/ 24): تعريف النجاسة: صفة حكمية يمتنع بها ما استبيح بطهارة الخبث. والطاهر: الموصوف بصفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حكم الخبث. اهـ
والتعريف قريب مما قدمناه في صلب الكتاب.
لحرمتها، زاد النووي: أو استقذارها أو ضررها في بدن أو عقل، والله أعلم»
(1)
.
قال: وقولنا: (على الإطلاق) احتراز من السموم التي هي نبات، فإنها لا يحرم تناولها على الإطلاق، بل يباح القليل منها، وإنما يحرم الكثير الذي فيه ضرر.
قال: وقولنا: (مع إمكان التناول) احتراز من الأشياء الصلبة؛ لأنه لا يمكن تناولها، وقولنا:(لا لحرمتها) احتراز من الآدمي.
وما دفع النووي إلى هذه الزيادة قوله: وهذا الذي حدد به المتولي ليس محققًا فإنه يدخل فيه التراب والحشيش المسكر والمخاط والمني وكلها طاهرة مع أنها محرمة. وفي المني وجه أنه يحل أكله، فينبغي أن يضم إليها «لا لحرمتها أو استقذارها أو ضررها في بدن أو عقل والله أعلم» .
وقال الزركشي في المنثور: واعلم أن ذا حد للنجس لا للنجاسة؛ فإن النجاسة حكم شرعي فكيف تفسر بالأعيان، وقال صاحب الإقليد: رسموها بحكمها الذي لا يعرف إلا بعد معرفتها لكل عين حرمت لا لمضرتها ولا تعلق حق الغير بها أو كل ما يبطل بملاقاته الصلاة
(2)
.
وعرف النجاسة بعض الشافعية بأنها: مستقذر يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخص
(3)
.
تعريف الحنابلة:
قال المرداوي: «حد النجاسة كل عين حرم تناولها مع إمكانه، لا لحرمتها، ولا لاستقذارها، ولا لضرر بها في بدن أو عقل» قاله في المطلع
(4)
.
(1)
المجموع (2/ 565)، وانظر أسنى المطالب (1/ 9)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 78)، تحفة المحتاج (1/ 287).
(2)
المنثور في القواعد الفقهية (3/ 248).
(3)
مغني المحتاج (1/ 77).
(4)
الإنصاف (1/ 25).
قلت: هذا التعريف متفق مع التعريف الذي ارتضاه النووي من الشافعية.
هذه بعض التعريفات التي قدمها الفقهاء، والمتأمل لها يجد أن الفقهاء جعلوا علة النجاسة:
إما راجعًا إلى الاستقذار شرعًا، كالتعريف المختار عند الحنفية، وهو أرجحها.
أو راجعًا إلى تحريم التناول، كالتعريف المختار عند الشافعية والحنابلة.
والحق أن الحكم للشيء بأنه نجس هو حكم متلقى من الشارع، لا مكان للاجتهاد في عين هل هي نجسة أو طاهرة، وذلك أن النجاسة على الصحيح معدودة لا محدودة.
• العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:
هناك وجه شبه بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للنجس.
فالنجس في لغة العرب: ضد النظافة والطهارة، فكل شيء يستقذر فهو نجس، وفي الشرع النجاسة: مستقذر مخصوص كالبول ونحوه.
فالمخاط والبصاق مثلًا قذر لغة، وليس قذرًا شرعًا، والبول قذر لغةً وشرعًا.
* * *