الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني في تطهير المائعات سوى الماء
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• حكم الشيء يدور مع أثره وجودًا وعدمًا، فينزل وجود أثر الشيء منزلة وجوده، وعدمه منزلة عدمه، استدلالًا بوجود الأثر على وجود المؤثر، وبانتفائه على انتفائه.
• انتقال المائع من الطهورية إلى النجاسة حسي، وليس تعبديًا، كانتقال النجس إلى عين طاهرة بالاستحالة على الصحيح
(1)
.
وقيل:
• كل مائع سوى الماء لا يدفع النجاسة عن غيره، فلا يدفعها عن نفسه.
• المخالط إذا استهلك هل يكون معدومًا، أو يبقى حكمه ويعد موجودًا، وإنما
(1)
إذا كانت الأعيان النجسة إذا استحالت إلى طاهرة صار لها حكم الطاهر على الصحيح، والأعيان الطاهرة إذا استحالت إلى أعيان نجسة كانت نجسة، فكذلك المائع الطاهر إذا وقعت عليه نجاسة، ولم يظهر أثرها عليه كان له حكم الأعيان الطاهرة.
خفي عن الحس فقط؟
(1)
.
• الماء له قوة الدفع عن نفسه، لخاصية تركيبه، ولطافته، ورقته، بما لا يشاركه فيه سائر المائعات.
[م-573] إذا وقعت نجاسة في شيء جامد فإنه يكفي في تطهيره أن يلقي النجاسة وما حولها، ويكون الباقي طاهرًا لعدم تعدي النجاسة إلى باقيه.
وأما إذا وقعت نجاسة في مائع غير الماء كالزيت والخل واللبن، فمتى نحكم له بالنجاسة؟ وهل يمكن تطهيره؟
اختلف الفقهاء في ذلك،
(1)
إذا اختلط المائع أو الطعام بشيء آخر أكثر منه حتى غلب عليه، فهل يعدُّ المغلوب كالعدم لا حكم له، وتنقلب عينه، ويعطى الحكم للغالب، أو يبقى للمغلوب حكمه، ويعد موجودًا، وإنما خفي عن الحس فقط، في هذا خلاف بين العلماء.
ومن فروع هذه القاعدة:
منها: إذا خالطت النجاسة الماء ولم تغيره يبقى طاهرًا؛ لأن الماء لا ينجسه شيء إلا إذا تغيرت أوصافه، لأنه باق على طهارته حيث لم يتغير، وهو المشهور، وإنما يكره استعماله استقذارًا.
ومنها: إذا خالط قليل النجاسة طعامًا كثيرًا مائعًا، فهل تنقلب عينه إلى الذي خالطه، ويصير الطعام نجسًا؟
ومنها: لبن الأم إذا اختلط بمائع آخر حتى غلب عليه، لا تنقلب عينه، ويبقى للبن الأم حكمه وإن خفي، فتنتشر به الحرمة. وهو قول أشهب من المالكية.
وقال ابن القاسم: تنقل عينه إلى عين الذي خالطه، ويعد كالعدم، ولا تنتشر به الحرمة، ولا يصير من شرب منه أخًا من الرضاع.
ومنها: من حلف: لا يأكل سمنًا، فأكله بعد أن استهلك بلته في سويق، حنث؛ لأنه يمكن استخلاصه بالماء. انظر القواعد الفقهية وتطبيقاتها (2/ 875، 876)، شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب أحمد المنجور (1/ 127)، خواتم الذهب على المنهج المنتخب (ص: 47)، تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية للغرياني (ص: 27).
فقيل: إذا خالطت النجاسة مائعًا غير الماء فإنه يتنجس بملاقاة النجاسة، من غير فرق بين القليل والكثير، وبين المتغير وغير المتغير، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
وقيل: حكمه حكم الماء، لا تنجس منه القلتان فما فوق إلا بالتغير، وهو قول في مذهب الحنابلة.
وقيل: بالتفرقة بين المائع المائي كالخل ونحوه، وغيره، فالمائع الذي يشبه الماء حكمه حكم الماء، وغير الماء كالزيوت والأدهان فتنجس بملاقاة النجاسة، قل أو كثر، تغير أم لم يتغير، وهو قول في مذهب الحنابلة
(5)
.
وقيل: المائعات إذا وقعت فيها نجاسة لا تنجس إلا إذا تغير طعمها أو لونها أو ريحها بسبب النجاسة، إلا السمن الذائب تقع فيه الفأرة، فإنه يتنجس مطلقًا، سواءً ماتت فيه، أو خرجت وهي حية، وهذا اختيار ابن حزم
(6)
.
(1)
الفتاوى الهندية (1/ 45)، وأحكام القرآن للجصاص (1/ 166، 167)، المبسوط (10/ 198).
(2)
حاشية الدسوقي (1/ 59)، وقال ابن عبد البر في الكافي (ص: 189): ولا تطهر الأدهان النجسة بغسلها، وهذا تحصيل مذهب مالك وطائفة من المدنيين. اهـ
وانظر التمهيد (9/ 46)، مواهب الجليل (1/ 110 - 114)، التاج والإكليل (1/ 113)، الفواكه الدواني (1/ 388).
(3)
قال النووي في المجموع (2/ 620): إذا نجس الزيت والسمن والشيرج وسائر الأدهان، فهل يمكن تطهيره؟ فيه وجهان مشهوران، وقد ذكرهما المصنف في باب ما يجوز بيعه
أصحهما عند الأكثرين: لا يطهر بالغسل ولا بغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم في الفأرة تقع في السمن: إن كان مائعًا فلا تقربوه. ولم يقل اغسلوه، ولو جاز الغسل لبينه لهم، وقياسًا على الدبس والخل وغيرهما من المائعات إذا تنجست، فإنه لا طريق إلى تطهيرها بلا خلاف.
والثاني: يطهر بالغسل. وانظر المجموع أيضًا (9/ 40)، وحاشية البجيرمي (1/ 26)، روضة الطالبين (3/ 349)، منهاج الطالبين (1/ 6).
(4)
الإنصاف (1/ 321)، كشاف القناع (1/ 188)، المبدع (1/ 243).
(5)
المغني (1/ 33)، الإنصاف (1/ 67)، المبدع (1/ 56).
(6)
المحلى (1/ 142).
هذه الأقوال في حكم المائع إذا خالطته نجاسة، وأما خلافهم في إمكان تطهير ذلك المائع الذي وقعت فيه نجاسة،
فقيل: إنه يمكن تطهير جميع المائعات إذا وقعت فيها نجاسة، وهو مذهب الحنفية
(1)
، واختاره ابن القاسم وابن العربي من المالكية
(2)
، وابن سريج من الشافعية
(3)
.
وقيل: لا يطهر البتة، وهو مذهب الجمهور من المالكية
(4)
، والشافعية
(5)
، والحنابلة
(6)
.
وقيل: يمكن تطهير الزيت، ولا يمكن تطهير غيره من المائعات، وذلك لأن الماء لا يخالط الزيت، بخلاف غيره، وهو قول في مذهب المالكية
(7)
، والحنابلة
(8)
.
وقد ذكرت أدلة هذه الأقوال في المجلد الأول، تحت عنوان: في المائع غير الماء تخالطه النجاسة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، ولله الحمد.
* * *
(1)
حاشية ابن عابدين (1/ 3)، الفتاوى الهندية (1/ 42).
(2)
عارضة الأحوذي (7/ 302)، الذخيرة (1/ 185)، الجامع لأحكام القرآن (2/ 219، 220).
(3)
المجموع (2/ 620).
(4)
مواهب الجليل (1/ 113 - 115)، الخرشي (1/ 95، 96)، الجامع لأحكام القرآن (2/ 219).
(5)
روضة الطالبين (1/ 29)، المجموع (2/ 620).
(6)
المبدع (1/ 323، 324)، الإنصاف (1/ 321).
(7)
مواهب الجليل (1/ 113، 114).
(8)
الإنصاف (1/ 321)، المبدع (1/ 323).