الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: أن تكون النجاسة بحجم الشاة، أو تكون آدميًا، أو كلبًا، فإنه ينزح ماء البئر كله.
ويستدلون بأدلة منها:
الدليل الأول:
(1246 - 217) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا هشيم، عن منصور،
عن عطاء أن حبشيًا وقع في زمزم، فمات، قال: فأمر ابن الزبير أن ينزف ماء زمزم، قال: فجعل الماء لا ينقطع، قال: فنظروا فإذا عين تنبع من قبل الحجر الأسود، قال: فقال ابن الزبير: حسبكم
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
الدليل الثاني:
(1247 - 218) ما رواه ابن أبي شيبة، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة،
عن ابن عباس أن زنجيًا وقع في ماء زمزم، فأنزل إليه رجلًا فأخرجه، ثم قال: انزفوا ما فيها من ماء، ثم قال للذي في البئر: ضع دلوك من قبل العين التي تلي البيت أو الركن؛ فإنها من عيون الجنة
(3)
.
[قتادة لم يسمع من ابن عباس]
(4)
.
الدليل الثالث:
(1248 - 219) ما رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار من طريق جابر، عن أبي الطفيل، قال: وقع غلام في ماء زمزم، فنزفت أي نزح ماؤها
(5)
.
(1)
المصنف (1/ 150) رقم: 1721.
(2)
سبق تخريجه في حكم ميتة الآدمي، انظر ح (1051) من هذا المجلد.
(3)
المصنف (1/ 150) رقم: 1722.
(4)
سبق تخريجه في حكم ميتة الآدمي، انظر ح (1052) من هذا المجلد.
(5)
شرح معاني الآثار (1/ 17).
[ضعيف جدًّا]
(1)
.
الحالة الثانية:
أن يكون البئر ليس مَعِينًا، والنجاسة لا جرم لها، كالبول وكالدابة تتفسخ بعد سقوطها، فهذا يجب نزح البئر كله.
الحالة الثالثة:
أن يخرج الحيوان حيًا، وليس ميتًا، فينظر:
فإن كان الحيوان خنزيرًا فإن البئر تنزح كلها قولًا واحدًا في مذهب الحنفية.
وإن كان الحيوان كلبًا، ففيه خلاف مبني على اختلافهم في نجاسة عين الكلب، وقد تقدم تحرير مذهبهم.
وإن كان الحيوان غيرهما، فإن النزح يتوقف على حكم سؤره، فإن كان سؤره نجسًا كالسباع، فإن البئر تنزح كلها، وإن كان سؤره مكروهًا استحب النزح، ويلحق به ما كان سؤره مشكوكًا فيه.
على خلاف بينهم في القدر المستحب نزحه، فمن قائل باستحباب نزح البئر كلها، ومنهم من قدره بعدد من الدلاء.
وأما الحيوانات التي سؤرها ليس بنجس، فإن كان عليها نجاسة حقيقية نزح البئر كله، وأما إن كان الحيوان ليس بنجس فلا ينزح البئر، إلا أنه يستحب أن ينزح من وقوع البقر والغنم؛ لعدم خلو أفخاذها وأرجلها من النجاسة.
الحالة الرابعة:
أن يكون البئر معِينًا، كلما نزح منها دلو جاء مكانه آخر، فإذا وقعت فيه نجاسة فقد اختلفوا في مقدار ما ينزح منه.
(1)
وقع تخريجه في حكم ميتة الآدمي، انظر ح (1053) من هذا المجلد.
فقيل: ينزح منها مائتا دلو، وهو رواية عن محمد بن الحسن.
وقيل: ينزح منها مائة دلو، وهو رواية عن أبي حنيفة.
وقيل: ينزح منها حتى يغلبهم الماء، ولم يقدِّر حدًّا للغلبة.
وأجيب عن هذا بعدة أجوبة.
الجواب الأول:
هناك من يضعف قصة وقوع الزنجي في بئر زمزم، وإلى هذا ذهب الشافعي وسفيان بن عيينة رحمه الله والنووي وغيرهم.
فقد روى البيهقي بإسناده عن سفيان قوله: أنا بمكة منذ سبعين سنة، لم أر أحدًا صغيرًا ولا كبيرًا يعرف حديث الزنجي الذي قالوا: إنه مات في زمزم، وما سمعت أحدًا يقول: ينزح زمزم
(1)
.
قال النووي: فهذا سفيان كبير أهل مكة، قد لقي خلائق من أصحاب ابن عباس وسمعهم، فكيف يتوهم بعد هذا صحة هذه القضية التي من شأنها إذا وقعت أن تشيع في الناس لاسيما أهل مكة، ولاسيما أصحاب ابن عباس وحاضروها؟ وكيف يصل هذا إلى أهل الكوفة ويجهله أهل مكة؟
(2)
.
وقال أيضًا: إن هذا الذي زعموه باطل لا أصل له، قال الشافعي: لقيت جماعة من شيوخ مكة فسألتهم عن هذا، فقالوا: ما سمعنا هذا
(3)
.
• ورد هذا:
بأنه لا يلزم من عدم سماع سفيان لهذا الخبر عدم وقوعه، ثم إن الراوي مثبت، وسفيان نافٍ، والمثبت مقدَّم على النافي، خاصة إذا كان النافي لم يشهد الأمر الذي
(1)
المعرفة (1/ 95).
(2)
المجموع (1/ 167).
(3)
المجموع (1/ 167).
نفاه، ولم يعاصره، ولا يشترط لقبول الحديث أن يكون راويه من أهل مكة، وقد انتشر الصحابة في الأمصار، فما يبعد أن ينفرد أهل الكوفة أو غيرهم عن مدني أو مكي، والله أعلم.
الجواب الثاني:
هذه الآثار إن صحت فهي موقوفة على صحابي، وفعل الصحابي حجة إذا لم يخالف المرفوع، وهنا قد خالف السنة المرفوعة،
(1249 - 220) فقد روى أحمد، قال: حدثنا أبو أسامة، حدثنا الوليد ابن كثير، عن محمد بن كعب، عن عبيد الله بن عبد الله -وقال أبو أسامة مرة: عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج-.
عن أبي سعيد الخدري، قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض، والنتن، ولحوم الكلاب؟ قال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء
(1)
.
[صحيح بشواهده]
(2)
(1250 - 221) وروى أحمد، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن عكرمة
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماء لا ينجسه شيء»
(3)
.
[سبق تخريجه]
(4)
.
الجواب الثالث:
أن فعل ابن عباس بالأمر بنزح البئر على التسليم بصحته عنه معارض بما صح
(1)
المسند (3/ 31).
(2)
انظر المجلد الأول، ح (4).
(3)
المسند (1/ 308).
(4)
انظر تخريجه (1/ 51)، الشاهد الثالث.
عن ابن عباس نفسه،
(1251 - 222) فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عطاء،
عن ابن عباس: لا تنجسوا موتاكم؛ فإن المؤمن ليس بنجس حيًا ولا ميتًا
(1)
.
وهذا نص صريح بأن الموت لا ينجس المؤمن، وإذا كان كذلك لم يكن سقوطه في البئر سببًا في تنجيس البئر.
الجواب الرابع:
ربما نزح البئر لسبب آخر غير وقوع الجثة في البئر، فإنه يبعد أن يسقط أحد في بئر ويسلم من الجروح، فقد يكون دمه غلب على الماء، فغير لون الماء وطعمه، ومعلوم أن الدم يحرم شربه، فنزحت من أجل ذلك.
(1252 - 223) ويؤيد ذلك ما رواه البخاري، من طريق ابن شهاب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس،
عن ميمونة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال: ألقوها وما حولها، فاطرحوه، وكلوا سمنكم
(2)
.
فإذا كان هذا في الفأرة الميتة وهي بلا شك نجسة، وفي إناء السمن، وهو إناء صغير ليس كالبئر، والسمن ليس كالماء في دفعه للنجاسة، ومع ذلك لم ينجس السمن كله، فما بالك بالبئر والذي غالبًا ما يكون الماء فيه كثيرًا، ومع الآدمي وهو على الصحيح عين طاهرة.
الجواب الخامس:
أنكم تقولون بنزح البئر مطلقًا، تغير الماء أو لم يتغير، مع أن الماء الكثير إذا وقعت
(1)
المصنف (2/ 469)، وسبق تخريجه، انظر في المجلد الثاني، ح:(495).
(2)
صحيح البخاري (235).
فيه نجاسة ولم تغيره فهو ماء طهور بالإجماع، فما الحاجة إلى نزحه، وبئر زمزم من الماء الكثير، وليس من الماء القليل.
(1)
.
فيقال: هل تركتم قول ابن عباس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بئر بضاعة، وما دمتم أنكم قد صرحتم بأن قولكم هذا خلاف القياس، فهل يوجد في الشرع شيء خلاف القياس، أو أن أحكام الشريعة مطردة منتظمة، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.
وقد تركت أقوالًا وتفريعات وتفاصيل لا طائل من ذكرها، وهي أقوال مرجوحة، وأخشى أن نفسد على القارئ فهمه لهذه الأقوال مع تداخلها، وكثرة تفريعاتها، وهي أقوال ضعيفة جدًّا مخالفة للسنة المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا، والله أعلم.
القول الثاني: مذهب المالكية في التطهير بالنزح:
في المذهب المالكي قولان في الماء إذا زال تغيره بالنزح،
فقيل: يعود طهورًا؛ وإنما زال حكم النجاسة لزوال عينها.
وقيل: يستمر نجسًا، ووجهه: أن النجاسة لا تزال إلا بالماء المطلق
(2)
.
(1)
البناية على الهداية (1/ 408 - 410)، تبيين الحقائق (1/ 30)، بدائع الصنائع (1/ 74، 75)، البحر الرائق (1/ 117).
(2)
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير (1/ 46) وقال ابن جزي في قوانينه (ص: 28): وإذا وقعت دابة نجسة في بئر، وغيرت الماء، وجب نزح جميعه، فإن لم تغيره استحب أن ينزح منه بقدر الدابة والماء.
القول الثالث: مذهب الشافعية والحنابلة:
أن الماء إذا نزح منه وزالت النجاسة وبقي بعد النزح قلتين فأكثر غير متغير فإنه يطهر، ولم يشترطوا مقدارًا للنزح، وإنما ينزح منه حتى يزول تغيره بالنجاسة، ويبقى بعد النزح ماء كثير.
فإن بقي بعد النزح ماء قليل دون القلتين لم يطهر بالنزح؛ لأن الماء القليل عندهم ينجس ولو لم يتغير، وقد سبق ذكر أدلة هذه المسألة في الماء الراكد تقع فيه نجاسة ولم تغيره
(1)
.
ويضيف المتقدمون من الحنابلة تفصيلًا آخر، وهو إن كانت النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة فلا بد أن يبقى بعد النزح ماء يشق نزحه، وهو غير متغير بالنجاسة، وأما المتأخرون من الحنابلة فلا يفرقون بين نجاسة بول الآدمي وعذرته المائعة، وبين غيرها من النجاسات.
الراجح من أقوال أهل العلم:
الراجح أن الماء ينجس بالتغير ويطهر بزوال ذلك، فإذا زالت النجاسة، فلم يبق لها أثر من طعم أو لون أو رائحة فقد طهر الماء، والله أعلم.
* * *
(1)
تكلمنا على هذه المسألة في كتاب أحكام الطهارة (المياه والآنية)(ص: 339).