الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني الأصل في الأشياء الطهارة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، من حيوان، أو نبات، أو جماد، أو مائع.
• النجاسات محصورة مستقصاة، والطاهر من الأعيان لا حصر له.
• الحكم بنجاسة شيء متلقى من الشارع، لا دخل للقياس فيه.
[م-468] هذا أصل عظيم من أصول الشريعة، يحتاج إليه الفقيه في كثير من الأعيان المختلف في طهارتها.
قال ابن حزم: «من ادعى نجاسةً أو تحريمًا لم يصدق إلا بدليل من نص: قرآن، أو سنة صحيحة»
(1)
.
• وقد دل على هذا أدلة كثيرة منها:
من الكتاب قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[البقرة: 29].
قال الكاساني: أباح الانتفاع بالأشياء كلها، ولا يباح الانتفاع إلا بالطاهر
(2)
.
(1)
المحلى (مسألة: 394).
(2)
بدائع الصنائع (1/ 65).
وقال في مغني المحتاج: «اعلم أن الأعيان جماد وحيوان، فالجماد كله طاهر؛ لأنه خلق لمنافع العباد، ولو من بعض الوجوه.
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[البقرة: 29]، وإنما يحصل الانتفاع أو يكمل بالطهارة إلا ما نص الشارع على نجاسته»
(1)
.
وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ أَلَاّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)[الأنعام: 119].
وجه الدلالة من الآية:
أن الله سبحانه وتعالى بيَّن لنا أنه قد فصل لنا ما حرم علينا: والتفصيل: هو التبيين، ومعنى هذا أنه بيَّن المحرمات، فما لم يبيِّن تحريمه فليس بمحرم، وما ليس بمحرم فهو حلال، وكل حلال لنا فهو طاهر.
وقد ذكر ابن تيمية: أن الطاهر ما حل ملابسته ومباشرته وحمله في الصلاة، والنجس بخلافه
(2)
.
وقال القرافي: والطهارة ترجع للإباحة
(3)
.
(1030 - 1) وأما الآثار، فمنها ما رواه أبو داود، قال: حدثنا محمد بن داود بن صبيح، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا محمد يعني ابن شريك المكي، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء،
عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرًا، فبعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو وتلا:(قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً)
(1)
مغني المحتاج (1/ 77)، وانظر أسنى المطالب (1/ 9)، حاشية البجيرمي (1/ 103).
(2)
بتصرف مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 536، 541).
(3)
الفروق (2/ 35).
[الأنعام: 145] إلى آخر الآية
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
وأما الإجماع، فقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «الفقهاء كلهم اتفقوا على أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن النجاسات محصاة مستقصاة، وما خرج عن الضبط والحصر فهو طاهر، كما يقولون فيما ينقض الوضوء ويوجب الغسل، وما لا يحل
(1)
سنن أبي داود (3800).
(2)
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1404)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار على إثر حديث (754)، والحاكم (4/ 115) والمقدسي في الأحاديث المختارة (504) من طريق
أبي نعيم الفضل بن دكين به.
وأخرجه ابن حزم في المحلى (7/ 436) من طريق أحمد بن الهيثم، أخبرنا محمد بن شريك به.
وأخرجه البيهقي (9/ 330) من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار به. وفيه قصة.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 259) عن عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن ابن عباس.
وانظر إتحاف المهرة (7252)، وتحفة الأشراف (5368).
وله شاهد من حديث أبي الدرداء، ومن حديث سلمان رضي الله عنهما،
أما حديث أبي الدرداء: فأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2102)، من طريق عبد الوهاب بن نجدة،
والبزار كما في مسنده (4087) من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، كلاهما عن إسماعيل بن عياش، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن أبيه، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه، فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً).
قال البزار: إسناده صالح.
وأخرجه الدارقطني في السنن (2/ 137)، والبيهقي في السنن (10/ 12) من طريق أبي نعيم، ثنا عاصم بن رجاء به. وهذه متابعة لإسماعيل بن عياش.
وعلة هذا الحديث الانقطاع؛ فإن رجاء بن حيوة لم يسمع من أبي الدرداء.
انظر تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل (259)، وجامع التحصيل (ص: 175).
وله شاهد من حديث سلمان رضي الله عنه: أخرجته في الكلام على إنفحة الميتة، حديث رقم (1629).
نكاحه وشبه ذلك»
(1)
.
وقال أيضًا: «الأصل الجامع: طهارة جميع الأعيان حتى تتبين نجاستها، فكل ما لم يبين لنا أنه نجس فهو طاهر»
(2)
.
وأما البراءة الأصلية: قال الشوكاني: «حق استصحاب البراءة الأصلية، وأصالة الطهارة أن يطالب من زعم بنجاسة عين من الأعيان بالدليل، فإن نهض به كما في نجاسة بول الآدمي، وغائطه، والروثة فذاك، وإن عجز عنه، أو جاء بما لا تقوم به الحجة، فالواجب علينا الوقوف على ما يقتضيه الأصل والبراءة»
(3)
.
وقال الشوكاني: «الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم، والأصل البراءة من ذلك، ولا سيما في الأمور التي تعم بها البلوى»
(4)
.
وبناءً على هذه القاعدة الجليلة المهمة التي سنحتاج إليها كثيرًا في بحثنا هذا، وذلك أنه إذا وقع نزاع في شيء، هل هو طاهر أو نجس؟ نطالب من قال بالنجاسة بالدليل من الكتاب، أو من السنة، أو من الإجماع، أو من القياس الصحيح، أو من قول صحابي لم يخالف، فإن أثبت لنا حجته، وإلا حكم للشيء بالطهارة، ولا نحتاج إلى دليل على طهارة هذه العين، والله أعلم.
* * *
(1)
مجموع الفتاوى (21/ 542، 591).
(2)
مجموع الفتاوى (21/ 536).
(3)
السيل الجرار (1/ 31).
(4)
الدراري المضيئة (1/ 27).