الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه، فإن ظهر تنجس السؤر؛ لأنه يرى نجاسة بدن الكافر وقد ذكرنا أدلته في مسألة مستقلة.
• الأدلة على طهارة سؤر الآدمي:
الدليل الأول:
عدم الدليل على نجاسة سؤر الآدمي، والأصل في الأشياء الطهارة.
الدليل الثاني:
إذا كان بدن الآدمي طاهرًا، فكذلك سؤره؛ لأن سؤره متحلب من بدنه، وقد تقدم ذكر الأدلة على أن بدن الآدمي طاهر في فصل مستقل.
الدليل الثالث:
(1171 - 142) ما رواه البخاري، من طريق الزهري، قال:
حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه، أنها حُلِبَت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاةٌ داجن، وهي في دار أنس بن مالك، وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس، فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح، فشرب منه حتى إذا نزع القدح من فيه، وعلى يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي فقال عمر - وخاف أن يعطيه الأعرابي- أعط أبا بكر يا رسول الله عندك، فأعطاه الأعرابي الذي على يمينه ثم قال: الأيمن فالأيمن. ورواه مسلم بنحوه
(1)
.
فإن قيل: هذا سؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس سؤره كسؤر غيره، قيل: إن قوله صلى الله عليه وسلم: الأيمن فالأيمن دليل على طهارة السؤر، ولو من غيره صلى الله عليه وسلم، ثم إن الأصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كغيره في الطهارة والنجاسة على الصحيح.
وأصرح منه ما رواه البخاري، قال: حدثني أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث، حدثنا عمر بن ذر، حدثنا مجاهد،
(1)
صحيح البخاري (2352)، ومسلم (3783).
أن أبا هريرة كان يقول: آلله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: يا أبا هر. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: الحق، ومضى، فتبعته فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل فوجد لبنًا في قدح، فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة. قال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم، فدعوتهم، فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: يا أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: خذ فأعطهم، قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح، فوضعه على يده فنظر إلي، فتبسم، فقال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: بقيت أنا وأنت.
قلت: صدقت يا رسول الله، قال: اقعد، فاشرب، فقعدت، فشربت فقال: اشرب، فشربت، فما زال يقول: اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكًا. قال: فأرني فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى، وشرب الفضلة
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (6451).
وجه الشاهد من الحديث:
أن الصحابة رضي الله عنهم شرب بعضهم من سؤر بعض، ولو كان سؤر الآدمي نجسًا لم يتناوله، ولم يشرب منه صلى الله عليه وسلم.
• وأما الدليل على طهارة سؤر المحدث:
(1172 - 143) فهو ما رواه مسلم من طريق المقدام بن شريح عن أبيه،
عن عائشة، قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيِّ فيشرب، وأتعرق العرق، وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ. ولم يذكر زهير فيشرب
(1)
.
(2)
.
وأما طهارة سؤر الكافر، فقد أباح الله لنا نكاح نساء أهل الكتاب، ومعاشرة الرجل للمرأة يقتضي منه أن يخالط ريقه ريقها، وأن يمس بدنه بدنها، وكذلك أباح الله لنا طعام أهل الكتاب، وقد ذبحوه في أيديهم، وطبخوه في آنيتهم، فإذا كانت أبدانهم طاهرة فكذلك سؤرهم، وقد سبق في فصل مستقل طهارة أبدان الكفار في أول الكتاب.
* * *
(1)
صحيح مسلم (300).
(2)
المفهم (1/ 559).