الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا سبقه استجمار تعين الماء في تطهيره، ولا يجزئ الفرك، ولو كان يابسًا للعلة نفسها.
وقال في الدر المختار: ويطهر مني يابس بفرك إن طهر رأس حشفة كأن كان مستنجيًا بماء
(1)
. اهـ
قال ابن عابدين في حاشيته شرحًا لهذا النص: «قوله: (إن طهر رأس حشفة) قيل: هو مقيد أيضًا بما إذا لم يسبقه مذي، فإن سبقه فلا يطهر إلا بالغسل. وعن هذا قال شمس الأئمة الحلواني: مسألة المني مشكلة؛ لأن كل فحل يمذي ثم يمني إلا أن يقال: إنه مغلوب بالمني، مستهلك فيه، فيجعل تبعًا. وهذا ظاهر، فإنه إذا كان كل فحل كذلك، وقد طهره الشرع بالفرك يابسًا يلزم أنه اعتبر مستهلكًا للضرورة، بخلاف ما إذا بال فلم يستنج حتى أمنى لعدم الملجئ.
ثم قال: وقوله: (كأن كان مستنجيًا بماء): أي بعد البول، واحترز عن الاستنجاء بالحجر؛ لأنه مقلل للنجاسة لا قالع لها»
(2)
.
وعليه فمذهب الحنفية يكفي فرك المني من رأس الحشفة بشرط أن يكون قد استنجى بماء، فإن كان استنجاؤه بحجر، فيجب غسل المني. والله أعلم.
والعجيب: أن الحنفية لا يرون الاستنجاء واجبًا إذا لم يتجاوز الخارج موضعه المعتاد، فكيف أوجبوا غسل المني من رأس الحشفة إذا كان قد استجمر!
•
دليل الحنابلة:
أن غالب الصحابة كانوا يستجمرون بالحجارة، حتى إن بعضهم أنكر استعمال الماء في إزالة النجاسة، وقد قدمنا ذلك في كتاب الاستنجاء، ومع ذلك لم يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بغسل المني، ولو كان غسله واجبًا لبينه صلى الله عليه وسلم لأمته.
كما أن الصحيح أن الاستجمار مطهر، وأما أثر الاستنجاء،
(1)
الدر المختار (1/ 312).
(2)
حاشية ابن عابدين (1/ 312).
فقيل: نجس، معفو عن يسيره.
وقيل: طاهر
(1)
. وحكي الإجماع على أنه معفو عنه.
قال ابن قدامة: «وقد عفي عن النجاسات المغلظة لأجل محلها في ثلاثة مواضع:
أحدها: محل الاستنجاء، فعفي فيه عن أثر الاستجمار بعد الإنقاء واستيفاء العدد بغير خلاف نعلمه.
واختلف أصحابنا في طهارته، فذهب أبو عبد الله بن حامد وأبو حفص بن المسلمة إلى طهارته، وهو ظاهر كلام أحمد، فإنه قال في المستجمر يعرق في سراويله: لا بأس به، ولو كان نجسًا لنجسه
…
وقال أصحابنا المتأخرون: لا يطهر المحل، بل هو نجس»
(2)
. أي نجس معفو عنه.
وقال البهوتي: «وأثر الاستجمار نجس؛ لأنه بقية الخارج من السبيل، يعفى عن يسيره بعد الإنقاء واستيفاء العدد، بغير خلاف نعلمه
(3)
.
وقد ذكرنا الأدلة على أن الاستجمار مطهر على الصحيح في كتاب الاستنجاء.
• الراجح من الخلاف:
بعد استعراض أدلة الفريقين نرى أن ما ذهب إليه الحنابلة من أن المني طاهر، ولو اختلط في أثر الاستجمار أقوى حجة، والله أعلم.
* * *
(1)
الإنصاف (1/ 109)، المغني (1/ 511).
(2)
المغني (1/ 511).
(3)
كشاف القناع (1/ 192).