الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولفظ مسلم: "إذا حرّم الرّجل عليه امرأته فهي يمين يكفّرها"
17 - باب لا تحل المبتوتة حتى تنكح زوجًا غيره
قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
• عن عائشة: أن رجلًا طلّق امرأته ثلاثًا، فتزوجتْ فطلّق، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم أن تحل للأول؟ قال: لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول.
متفق عليه: رواه البخاري في الطلاق (5261)، ومسلم في النكاح (115: 1433) كلاهما من طريق عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن عائشة فذكرته.
عموم خطاب قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أباح الله عز وجل للزوج الأول أن يتزوج بها بعد أن تزوجها زوج آخر. وفسرته السنة أنها لا تحل للزوج الأول حتى يكون بينها وبين الزوج الثاني وطء بذواق العُسيلة، ثم تبين عنه بطلاق أو وفاة.
ثم تحل حينئذ للزوج الأول.
• عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني، فأبتّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، إنما معه مثل هُدبة الثوب فقال:"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك".
متفق عليه: رواه البخاري في الشهادات (2639) ومسلم في النكاح (1433) كلاهما من حديث سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة فذكرته.
وفي رواية: والله ما معه إلا مثل الهُدبة، وأخذت بهدبة من جلبابها. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا. فذكر الحديث.
وفيه: أبو بكر الصديق جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة لم يؤذن له.
فطفق خالد ينادي أبا بكر: ألا تزجُر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• عن عكرمة أن رفاعة طلّق امرأته، فتزوّجها عبدُ الرحمن بن الزبير القرظي، قالتْ عائشة: وعليها خمارٌ أخضر، فشكتْ إليها وأرتْها خضرةً بجلدها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنساءُ ينصرُ بعضهن بعضا -، قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات؟ لجلدُها أشد خضرةً من ثوبها، قال: وسمع أنها قد أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: واللهِ ما لي إليه من ذنب، إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه - وأخذتْ هُدبةً من ثوبها - فقال: كذبتْ واللهِ يا رسول الله، إني
لأنفُضها نَفْضَ الأديم، ولكنها ناشز، تُريد رفاعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فإن كان ذلك لم تحلي له، أو: لم تصلحي له، حتى يذوق من عسيلتك". قال: وأبصر معه ابنين له، فقال:"بنوك هؤلاء؟ " قال: نعم، قال:"هذا الذي تزعمين ما تزعمين، فواللهِ لهم أشبهُ به من الغراب بالغراب".
صحيح: رواه البخاري في اللباس (5825) عن محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، أخبرنا أيوب، عن عكرمة فذكره.
• عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير، عن أبيه، أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته تميمة بنت وهب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكحها عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها، فلم يستطع أن يُصيبها، فطلقها ولم يمسها. فأراد رفاعة أن ينكحها، وهو زوجها الذي كان طلقها قبل عبد الرحمن، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها فقال:"لا تحل لك حتى تذوق العسيلة".
حسن: رواه ابن الجارود في المنقي (682) عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أن ابن وهب أخبرهم قال: أخبرني مالك بن أنس، عن المسور بن رفاعة القرظي، عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير، عن أبيه فذكره. وهذا إسناده حسن.
ورواه مالك في النكاح (18) ولم يذكر فيه "عن أبيه" وذلك من رواية يحيى عنه. فصار مرسلًا. والذين وصلوه بذكر "أبيه" ابن وهب كما رأيت وكذلك إبراهيم بن طهمان، وأبو علي الحنفي - ثلاثتهم عن مالك، فقالوا فيه: الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير، عن أبيه.
وإسناده حسن من أجل الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير فإنه حسن الحديث. وهو من شيوخ مالك من أهل المدينة.
والزبير بن عبد الرحمن بن الزَبير - بفتح الزاي على الصحيح - وهو من بني قريظة من أهل المدينة وهم زَبيريون وقد قيل: بضم الزُّبير الأول، وفتح الزبير الآخر وهو الجد والأول أصح.
ورفاعة بن سموأل. وقيل: رفاعة بن رفاعة القرظي من بني قريظة، وهو خال صفية بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين، فإن أمه برة بنت سموأل.
وبعد جمع هذه الروايات يخلص منها ما يأتي:
1 -
إن المرأة لم تُمَكِّنه من الجماع أو عُرض له عارض من المرض وغيره.
2 -
إن الرجل لم يكن بعنين، إذ لو ثبت عنّتُه عند النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرها بتذويق العسيلة كل منهما للآخر.
3 -
وقول المرأة كما في الصحيحين - البخاري (5265) ومسلم (114: 1433) ولم يقربني إلا هنة واحدة" كما في لفظ البخاري، ولم يذكره مسلم. وفي رواية عند أحمد (25920) "إلا هبة
واحدة" والهبة هي هبات الفحل، وسفاده ومعناه أنه أتاها وقعة واحدة كما فسّره الخطابي في غريب الحديث (1/ 546).
وظاهر المرفوع يعارض هذا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"حتى تذوقي عسيلته، وتذوق عسيلتك" فإن الرجل لو تمكّنَ من الوطء ولو مرة واحدة لما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر. بل أجاز طلاقها.
فالمعنى الصحيح والله تعالى أعلم أن هذه الهبة الواحدة لم يحصل منها العسيلة المعروفة التي تكفي الطلاق، والرجوع إلى الزوج الأول، فكأن الرجل حاول الجماع، ولكن حصل له فتور مؤقت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر حتى يذوق عسيلتها، وتذوق عسيلته.
ونُفيَ عنه العنّةُ. لوجود بيّنة بقوله: "هذا الذي تزعمين ما تزعمين، فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب".
4 -
والعسيِلة: تصغير العسل والمراد منه حلاوة الجماع، فلعل الرجل كان أُنزل قبل تمام الإيلاج، فلم يذقْ عسيلة صاحبته، كما لم تذق عسيلة صاحبها.
5 -
والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، بأن وطء الزوج الثاني لا يكون محللًا لارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إذا كان حال وطئه منتشرًا، فلو لم يكن كذلك، أو كان عنِّينا، أو طفلا لم يكن في أصح قولي أهل العلم.
6 -
وقوله: "حتى تذوقي عسيلته
…
" كناية عن الجماع، وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة. سواء أنزل أو لم ينزل. فإن التذوق يحصل بمجرد الإدخال، وإن كان كماله لا يكون إلا بالإنزال.
7 -
وقوله: هدبة الثوب: هو طرف الثوب وهو كناية عن أن ذكر الرجل يشبه الهدبة في الاسترخاء، وعدم الانتشار.
• عن عبيد الله بن عباس قال: جاءت الغُميصاء - أو الرميصاء - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، وتزعم أنه لا يصل إليها. فما كان إلا يسيرًا حتى جاء زوجها. فزعم أنها كاذبة. ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس لك ذلك، حتى يذوق عسيلتك رجل غيره".
صحيح: روبه النسائي (3411) وأحمد (1837) كلاهما من حديث هُشيم، قال: أنبأنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن العباس فذكره. واللفظ لأحمد.
وفي لفظ النسائي: "لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول" وإسناده صحيح. وعبيد الله بن عباس هو أخو عبد الله بن عباس، أصغر منه بسنة. قال ابن حجر في الإصابة في ترجمته:"ورجاله ثقات إلا أنه ليس بصريح بأن عبيد الله بن عباس شهد القصة". يعني أنه من مراسيل الصحابي. وقد ثبت أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سمع منه مثل أخيه عبد الله. وكان عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ابن أكثر من عشر سنوات.
والغميصاء أو الرميصاء هي زوج عمرو بن حزم، فطلّقها فنكحها رجل آخر، فطلقها قبل أن يمسّها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى زوجها الأول فقال: فذكر الحديث.
• عن ابن عمر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلّق امرأته البتة، - يعني ثلاثا، فتزوجتْ رجلًا، فطلقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى الأول؟ فقال:"لا حتى يذوق من عُسيلتها ما ذاق صاحبه".
صحيح: رواه أبو يعلى (4066) عن عبد الله بن عمر، حدثنا يحيى بن زكريا، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر مثله.
أي مثل حديث عائشة لأنه ذكر حديث عائشة قبله.
وإسناده صحيح. وعبد الله بن عمر، وهو ابن أبان المعروف بِمُشكدانة، المحدث من شيوخ عبد الله بن أحمد. أثنى عليه أبو بكر بن أبي شيبة ووثّقه أحمد، توفي عام 239 هـ انظر "العقيلي" (845) وأورده الهيثمي في المجمع (4/ 340) وقال:"رواه الطبراني، وأبو يعلى إلا أنه قال: بمثل حديث عائشة، وهو نحو هذا. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح".
ولحديث عبد الله بن عمر أسانيد أخرى منها:
رواه النسائي (3414) وابن ماجه (1933) وأحمد (5571) والبيهقي (7/ 375) كلهم من حديث محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، قال: سمعت سالم بن رزين، يحدث عن سالم بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل سالم بن رزين، قال البخاري:"لا تقوم الحجة بسالم بن رزين ولا برزين، لأنه لا يدري سماعه من سالم، ولا من عبد الله بن عمر". التاريخ الكبير (4/ 13).
وهو يشير إلى ما رواه النسائي (3415) وغيره عن وكيع، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن رزين بن سليمان الأحمري، عن ابن عمر فذكره.
قال النسائي: "هذا أولى بالصواب". ورزين بن سليمان هو سالم بن رزين وقد وقع الخلاف في اسمه فقيل كذا، وقيل: سليمان بن رزين.
وقد رُوي من أوجه أخرى عن ابن عمر مرفوعًا إلا أن البخاري رجّح الموقوف على ابن عمر. انظر التاريخ الكبير (4/ 13).
قال البيهقي (7/ 375): "بلغني عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه وهَّنَ حديث شعبة وسفيان جميعا".
وفي الباب ما رُوي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة، فطلقها ثلاثا، فتزوجت بعده رجلًا، فطلّقها قبل أن يدخل بها، أتحل لزوجها الأول؟ قال: فقال