الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الباب ما روي أيضًا عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة".
رواه أبو داود في المراسيل (341)، والدارقطني (4/ 97)، ومن طريقه البيهقي (6/ 263) من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس فذكره.
وفيه علتان:
الأولى: تدليس ابن جريج.
والثانية: الانقطاع؛ فإن عطاء -وهو الخراساني- لم يدرك ابن عباس، ولم يره. قاله أبو داود. وقال البيهقي:"وقد روي من وجه آخر عنه، عن عكرمة، عن ابن عباس".
قلت: وهو ما رواه الدارقطني (4/ 98)، والبيهقي من حديث يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكر الحديث مثله.
قال البيهقي: "عطاء الخراساني غير قوي".
قال الحافظ في التلخيص (3/ 92): "وصله يونس بن راشد، فقال: عن عكرمة، عن ابن عباس. أخرجه الدارقطني، والمعروف المرسل".
ولكن قال الحافظ: "ورواه الدارقطني من طريق ابن عباس بسند حسن".
قلت: وهو يقصد ما رواه الدارقطني (4/ 98) عن يوسف بن سعيد، نا عبد اللَّه بن ربيعة، نا محمد ابن مسلم، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث".
وفيه عبد اللَّه بن ربيعة لا يعرف من هو؟ ولم يشتهر هذا الحديث عن ابن عباس، ولذا لم يذكره الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 404) مع أنه ذكر الرواية المرسلة، والمتصلة بذكر يونس بن راشد.
وفي الباب أحاديث أخرى غير أن ما ذكرته هو أصحها.
ومن العلماء من جعل حديث "لا وصية لوارث" من الأحاديث المتواترة؛ لأنه ليس من شرط المتواتر أن تكون كلها صحيحة، فإن كثرة المخارج للحديث تدل على استحالة الكذب فيه.
5 - باب الوصية بالثلث
• عن سعد بن أبي وقاص قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وَجَع اشتد بي، فقلتُ: إني قد بلغ بي من الوجَع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال:"لا". فقلت: بالشطر؟ فقال: "لا". ثم قال: "الثلث، والثلث كبير أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس".
متفق عليه: رواه مالك في الوصية (4) عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه فذكره.
ورواه البخاري في الجنائز (1295) من حديث مالك.
ورواه مسلم في الوصية (1628) من وجه آخر عن ابن شهاب فذكره.
• عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث، والثلث كثير".
متفق عليه: رواه البخاري في الوصايا (2743)، ومسلم في الوصية (1629) كلاهما من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عباس فذكره.
• عن حنظلة بن حِذْيم أن جده حنيفة قال لحذيم: اجمع لي بَنيَّ؛ فإني أريد أن أوصي. فجمعهم، فقال: إن أول ما أوصي أن لِيتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل التي كنا نسميها في الجاهلية: المُطيَّبة. فقال حذيم: يا أبت، إني سمعت بنيك يقولون: إنما نقر بهذا عند أبينا، فإذا مات رجعنا فيه، قال: فبيني وبينكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقال حذيم: رضينا. فارتفع حذيم، وحنيفة، وحنظلة معهم غلام، وهو رديف الحذيم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم سلموا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وما رفعك يا أبا حذيم؟ " قال: هذا، وضرب بيده على فخذ حذيم. فقال: إني خشيت أن يفجأني الكبر أو الموت، فأردت أن أوصي، وإني قلت: إن أول ما أوصي أن ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل، كنا نسميها في الجاهلية المُطيَّبة، فغضب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حتى رأينا الغضب في وجهه، وكان قاعدا، فجثا على ركبتيه، وقال:"لا، لا، لا، الصدقة خمس، وإلا فعشر، وإلا فخمس عشرة، وإلا فعشرون، وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون، فإن كثرت فأربعون".
قال: فودَّعوه، ومع اليتيم عصا، وهو يضرب جملا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عظُمت هذه هِراوة يتيم".
قال حنظلة: فدنا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لي بنين ذوي لحي، ودون ذلك، وإن ذا أصغرهم، فادع اللَّه له، فمسح رأسه، وقال: بارك اللَّه فيك، أو بورك فيه".
قال ذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالإنسان الوارم وجهه، أو البهيمة الوارمة الضرع، فيتفُل على يديه، ويقول: بسم اللَّه، ويضع يده على رأسه، ويقول: على موضع كف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فيمسحه عليه، وقال ذيال: فيذهب الورم.
صحيح: رواه أحمد (20665) عن أبي سعيد مولى بني هاشم، حدثنا ذيَّال بن عبيد بن حنظلة قال: سمعت حنظلة بن حِذيم جدي قال فذكره.
وإسناده صحيح.
• عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال
غيرهم، فدعا بهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجزّأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا.
صحيح: رواه مسلم في البيوع (1668) من طرق عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين فذكره.
وقوله: "وقال له قولا شديدا" هو كما جاء في السنن: "لو شهدته قبل أن يُدفن لم يقبر في مقابر المسلمين".
• عن أبي هريرة أن رجلا كان له ستة أعبد، فأعتقهم عند موته، فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فأعتق منهم اثنين، وأرق أربعة.
صحيح: رواه ابن أبي شيبة (23847، 37239) عن عبيد اللَّه بن موسى، عن إسرائيل، عن عبد اللَّه بن المختار، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة فذكره. وإسناده صحيح، وعبد اللَّه بن المختار ثقة، وثقه ابن معين، والنسائي، وغيرهما. وقال أبو حاتم:"لا بأس به".
وفي الباب ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رجلا في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعتق ستة مملوكين، لم يكن له مال غيرهم، ومات الرجل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة.
رواه البزار -كشف الأستار- (1396) عن بشر بن خالد العسكري، ثنا يزيد بن هارون، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد فذكره.
قال البزار: "رواه غير يزيد عن سعيد بن المسيب مرسلا، ووصله يزيد مرة بغداد".
قلت: وفيه علي بن زيد، وهو ابن جدعان ضعيف.
ورواه البيهقي (10/ 286) من طريق ابن جريج، أخبرني قيس بن سعد، أنه سمع مكحولا يقول: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "أعتقت أمرأة أو رجل ستة أعبد لها. . .، فذكر نحوه.
وكذلك لا يصح ما روي عن أبي أمامة، رواه الدارقطني (4/ 234).
ذهب إلى هذه الأحاديث والآثار جمهور أهل العلم: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وجماعة من أهل الحديث والأثر.
وقال أبو حنيفة وأصحابه فيمن أعتق عبيدا له في مرضه، ولا مال له غيرهم، أنه يعتق من كل واحد منهم ثلثه، ويسعى في ثلثي قيمته الورثة، وقال: حكمه ما دام يسعى حكم المكاتب.
وقال أبو يوسف، ومحمد: هم أحرار، وثلثا قيمتهم دين عليهم، يسعون في ذلك حتى يؤدوه إلى الورثة.
انظر للمزيد "التمهيد"(23/ 421)، فقد بسط الكلام عليه.