الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع".
8 - باب حق الزوج على الزوجة
قال اللَّه تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].
• عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف لا يدخل على بعض أهله شهرًا، فلما مضى تسعة وعشرون يومًا غدا عليهنّ أو راح، فقيل له: يا نبي اللَّه، حلفت أن لا تدخل عليهنّ شهرًا؟ قال:"إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا".
متفق عليه: رواه البخاري في النكاح (5202)، ومسلم في الصيام (25: 1085) من طريق ابن جريج قال: أخبرني يحيى بن عبد اللَّه بن صيفي، أن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث أخبره، أن أم سلمة أخبرته، فذكرته.
• عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبتْ أن تجيءَ لعنتها الملائكةُ حتى تصبح".
وفي رواية: "إذا باتت المرأة مهاجرةً فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى ترجع".
متفق عليه: رواه البخاري في النكاح (5193)، ومسلم في النكاح (12: 1436) كلاهما عن سليمان الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، فذكره، واللفظ للبخاري.
والرواية الثانية عند البخاري في النكاح (5193)، ومسلم في النكاح (120: 1436) كلاهما من طريق شعبة قال: سمعت قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة، فذكره، واللفظ للبخاري.
• عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقتْ من نفقةٍ عن غير أمره فإنه يؤدّي إليه شطرُه".
متفق عليه: رواه البخاري في النكاح (5195)، من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فذكره.
ورواه مسلم في الزكاة (1026) من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبّه، عن أبي هريرة، بنحوه.
• عن طلق بن علي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلْتأته، وإن كانت على التنور".
حسن: رواه الترمذي (1160) وابن حبان في صحيحه (4165) والبيهقي (7/ 294) كلهم من طريق ملازم بن عمرو، حدثنا عبد اللَّه بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه فذكره.
قال الترمذي: حسن غريب.
قلت: وهو كما قال فإن قيس بن طلق حسن الحديث وللحديث طرق أخرى عن قيس بن طلق فمداره عليه.
• عن زيد بن أرقم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذ دعا الرجل امرأته فلتجب، وإن كانت على ظهر قتب".
حسن: رواه البزار -كشف الأستار- (1472) والطبراني في المعجم الأوسط (7429) كلاهما من حديث محمد بن سواء، ثنا سعيد، عن قتادة، عن القاسم الشيباني، عن زيد بن أرقم، فذكره، ولفظهما سواء.
وإسناده حسن من أجل محمد بن سواء، وهو السدوسي العنبري حسن الحديث.
ورواه الطبراني في الكبير (5/ 227) من وجه آخر عن زيد بن أرقم مثله.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3019): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد جيد".
والقَتَبُ: هو الرحل الصغير على قدر سنام البعير.
وفي معناه ما رُوي أيضًا عن ابن أبي أوفى قال: قدم معاذ اليمن -أو الشام- فرأى النصاري تسجد لبطارقتها وأساقفتها. . . فذكر الحديث وجاء فيه: "ولا تؤدي المرأة حق اللَّه عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليه كلّه حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه" ففيه اضطراب كما سيأتي.
• عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، ففرغتْ من حاجتها. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "أذات زوج أنت؟ " قالت: نعم. قال: "كيف أنت له؟ " قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: "فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارُك".
صحيح: رواه الإمام أحمد (19003) والطبراني في الكبير (25/ 183) والأوسط (532) والحاكم (2/ 189) وعنه البيهقي (7/ 291) والنسائي في الكبرى (8963) كلهم من حديث يحيى ابن سعيد الأنصاري، عن بُشير بن يسار، عن الحصين بن محصن فذكره. وقال الحاكم: صحيح.
قلت: وهو كما قال، وجوّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب.
والحصين بن محصن الأنصاري المدني مختلف في صحبته، والذي عليه أكثر أهل العلم أن له صحبة، منهم ابن السكن قال: يقال له صحبة غير أن روايته عن عمته، وليست له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره أبو موسى المديني في ذيل الصحابة، وحكى عن عبدان وابن شاهين أنهما ذكراه في الصحابة، ونسبه ابن شاهين: أشهليا، وذكره ابن فتحون في الصحابة ونسبه ابن محصن بن عامر ابن أبي قيس بن الأسلت. وأما ابن حبان فذكره في التابعين.
• عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لو كنت آمرا أحدًا يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
حسن: رواه الترمذي (1159) والبيهقي (7/ 291) وابن أبي الدنيا في العيال (534) كلهم من حديث النضر بن شميل، أنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكره. وإسناده حسن من أجل محمد بن عمرو وهو ابن علقمة الليثي فإنه حسن الحديث.
ورواه ابن حبان في صحيحه (4162) من وجه آخر عن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن عمرو بإسناده وجاء فيه: دخل رسول اللَّه حائطا من حوائط الأنصار، فإذا فيه جملان يضربان ويُرعدان، فاقترب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منهما. فوضعا جرانهما بالأرض. فقال من معه: سجد له، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو كان ينبغي أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظّم اللَّه عليها من حقه".
ومن هذا الوجه رواه أيضًا البزار -كشف الأستار- (2451) مختصرًا وقال: رواه عن محمد بن عمرو أبو أسامة والنضر بن شميل.
• عن سراقة بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
صحيح: رواه الطبراني في الكبير (7/ 152) وابن أبي الدنيا في العيال (537) كلاهما من حديث وهب بن جرير بن حازم، حدثنا موسى بن عُليّ، عن أبيه، عن سراقة بن مالك فذكره.
وإسناده صحيح، وموسى بن عليّ بن رباح اللخمي، وأبوه ثقتان، روى لهما مسلم وأصحاب السنن. وتحرف في "مجمع الزوائد" (4/ 310) فصار "وهب بن علي عن أبيه" فقال الهيثمي:"لا أعرفهما، وبقية رجاله ثقات".
قلت: "لعله كان في نسخة الطبراني عند الهيثمي هكذا فقال: لا أعرفهما" وأما موسى بن عُلَيّ وأبوه فهما معروفان من رجال الصحيح، ومثلهما لا يخفيان على الحافظ الهيثمي.
• عن عائشة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلًا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نَولُها أن تفعل".
حسن: رواه ابن ماجه (1852) عن ابن أبي شيبة وهو في مصنفه (4/ 206) وأحمد (24471) كلهم من طريق عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة فذكرته. واللفظ لابن ماجه.
ولفظ أحمد: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار، فجاءه بعير فسجد له،
فقال أصحابه: يا رسول اللَّه، تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحق أن نسجد لك. فقال:"اعبدوا ربكم، وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد. . . " فذكر الحديث.
قال الهيثمي في "المجمع"(4/ 310): "رواه أحمد وفيه علي بن زيد وحديثه حسن، وقد ضُعّف". وأورده مرة ثانية (9/ 9) وقال: رواه أحمد "إسناده جيد".
قلت: وهو كما قال؛ فإن رواية حماد بن سلمة، عن علي بن زيد صحيحة.
وفي هذا الباب أحاديث لا تصح، منها: ما روي عن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خَمْسها، وصامت شهرها، وحصّنت فرجها، وأطاعت بعْلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت".
رواه ابن حبان في صحيحه (4163) من حديث داهر بن نوح الأهواني، قال: حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، قال: حدثنا هُدْبَةُ بن المنهال، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكره.
وفيه داهر بن نوح شيخ لأهل الأهواز قال الدارقطني في "العلل"(1/ 174)"ليس بقوي في الحديث" وقال ابن القطان: "لا يعرف".
وقال ابن حبان عقب رواية الحديث: "تفرد بهذا الحديث عبد الملك بن عُمير من حديث أبي سلمة. وما رواه عن عبد الملك إلا هُدْبَة بن المنهال، وهو شيخ هوازي".
ورُوي مثله عن أنس بن مالك رواه البزار -كشف الأستار- (1463) من طريق روّاد بن الجراح، ثنا سفيان الثوري، عن الزبير بن عدي، عن أنس فذكر الحديث.
قال البزار: "لا نعلمه عن أنس بهذا اللفظ مرفوعًا إلا عن الزبير، ولا عن الزبير إلا عن الثوري، ولا عنه إلا رواد، ورواد صالح الحديث ليس بالقوي، حدّث عنه جماعة من أهل العلم".
كذا ليّن القول في رواد، وقد قال النسائي: منكر، وقال الدارقطني: متروك، وذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في "العلل" (2/ 177) فقال أبوه: هذا حديث باطل ليس له أصل، لعلهم لقنوا روادًا، وأدخلوا عليه، إنما روي عن الثوري قال:"بلغني مرسل".
وكذلك لا يصح ما رواه الحاكم (2/ 189) عن علي بن حمشاذ العدل، ثنا محمد بن المغيرة السكري بهمدان، ثنا القاسم بن الحكم العرني، ثنا سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول اللَّه، أنا فلانة بنت فلان. قال:"قد عرفتك فما حاجتك؟ " قالت: حاجتي إلى ابن عمي فلان العابد. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قد عرفته" قالت: يخطبني فأخبِرْني ما حق الزوج على الزوجة؟ فإن كان شيئًا أطيقه تزوجته، وإن لم أطق لا أتزوج. قال: "من حق الزوج على الزوجة إن لو سالت منخراه دمًا، وقيحًا، وصديدًا، فلحسته بلسانها ما أدّت حقه، لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة
أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها لما فضّله اللَّه عليها".
قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت في الدنيا.
قال الحاكم: "صحيح الإسناد" وتعقبه الذهبي فقال: "بل منكر، وسليمان واه، والقاسم صدوق تكلم فيه".
قلت: وهو كما قال الذهبي. فإن سليمان قال فيه ابن معين: ليس بشيء.
وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: ضعيف. وقال آخرون: متروك. وساق ابن عدي عدة أحاديث عنه، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة منها هذا الحديث ثم قال:"ولسليمان بن داود غير ما ذكرت عن يحيى بهذا الإسناد. وعامة ما يُروى عن يحيى بن أبي كثير يُعرف، وعامة ما يرويه بهذا الإسناد لا يتابعه عليه أحد". "الكامل"(3/ 1126).
ورُوي مثله عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بابنة له فقال: يا رسول اللَّه، هذه ابنتي قد أبتْ أن تتزوج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أطيعي أباك" فقالت: والذي بعثك بالحق، لا أتزوج حتى تُخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"حق الزوج على زوجته أن لو كانت قرْحة فلَحَسَتها ما أدتْ حقه" قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنكحُوهن إلا بإذن أهلهنّ" وفي رواية "بإذنهن".
رواه ابن حبان في صحيحه (4164) والدارقطني (3/ 237) والحاكم (2/ 188) وعنه البيهقي (7/ 291) والبزار -كشف الأستار- (1465) كلهم من حديث جعفر بن عون، ثنا ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن نهار العبدي، عن أبي سعيد الخدري فذكره.
قال الحاكم: "صحيح الإسناد".
فتعقبه الذهبي فقال: "بل منكر"، قال أبو حاتم:"ربيعة منكر الحديث".
وكذلك لا يصحُّ ما رويَ عن أنس بن مالك قال: كان أهل البيت من الأنصار لهم جمل يَسنُون عليه، وإن الجمل استصعب عليهم فمنعهم ظهرَه، وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نسْني عليه، وإنه استصعب علينا، ومنعنا ظهره، وقد عطِشَ الزرعُ والنخلُ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا" فقاموا فدخل الحائطَ، والجملُ في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول اللَّه، إنه قد صار مثل الكَلْب الكَلِبِ، وإنا نخاف عليك صولتَه، فقال:"ليس عليّ منه بأس" فلما نظر الجمل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه، حتى خرّ ساجدا بين يديه، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بناصيته أذلّ ما كانت قط، حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه يا نبي اللَّه، هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك! فقال: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتبجَّس بالقيح والصديد، ثم استقبلته
تَلْحَسُه، ما أدَّتْ حقه".
رواه أحمد (12614) عن حسن بن محمد، والبزار في مسنده (13/ 93) عن محمد بن معاوية البغدادي الأنماطي -ثقة- واللفظ لهما، والنسائي في الكبرى (9147) عن محمد بن معاوية مختصرا، كلاهما أعني -حسين بن محمد ومحمد بن معاوية- عن خلف بن خليفة، عن حفص ابن أخي أنس، عن عمه أنس بن مالك فذكره.
قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه بروي بهذا اللفظ عن أنس إلا بهذا الإسناد، وحفص ابن أخي أنس فلا نعلم حدّث عنه إلا خلف بن خليفة.
قلت: إن كان قصده لا يروي عن حفص إلا خلف بن خليفة فليس بصحيح، فقد روى عنه جمع، وإن كان قصده هذا الحديث بهذا الطول لا يروي عن حفص إلا خلف بن خليفة فهو كما قال؛ فإن حفصا ابن أخي أنس روى عنه جمع، منهم خلف بن خليفة وقال أبو حاتم: صالح الحديث ووثّقه الدارقطني.
وأما خلف بن خليفة الأشجعي التابعي فمختلط قال الإمام أحمد: رأيته مفلوجًا سنة سبع وسبعين ومائة، وكان لا يفهم فمن كتب عنه قديمًا فسماعه صحيح. وقيل له: في أي سنة مات؟ قال: أظنه في سنة ثمانين. وقال ابن سعد: "كان ثقة ثم أصابه الفالج قبل أن يموت حتى ضعف وتغير لونه واختلط" ولم يذكروا في ترجمته من روى عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعد الاختلاط، فاحتمال الخطأ موجود في بعض رواياته كما قال ابن عدي.
وفي الباب ما روي عن قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحق أن يُسجد له، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت رسول اللَّه أحق أن يسجد لك قال:"أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ " قال: قلت: لا. قال: "فلا تفعلوا، لو كنت آمرًا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجُدن لأزواجهن لما جعل اللَّه لهم عليهن من الحق".
رواه أبو داود (2140) والحاكم (2/ 187) والبيهقي (7/ 291) كلهم من طريق شريك، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي، عن عامر الشعبي، عن قيس فذكره. قال الحاكم:"صحيح الإسناد".
قلت: شريك هو ابن عبد اللَّه النخعي مختلف فيه، أكثر أهل العلم على أنه سيء الحفظ: أي إذا لم يتابع على روايته فإنه لا يُقبل، وهذا منها فإني لم أقف على من تابعه ورواه عن حصين بن السلمي.
وأما ما رُوي عن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما هذا يا معاذ؟ " قال: أتيت الشام فوافقتُهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فودِدْتُ في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير اللَّه، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والذي نفس محمد بيده لا تؤدّي المرأة حق ربها حتى تؤدّي حق
زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه" فهو ضعيف.
رواه ابن ماجه (1853) وابن حبان (4171) والبيهقي (7/ 292) كلهم من طرق عن حماد بن زيد، عن أيوب عن القاسم الشيباني، عن ابن أبي أوفى فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل القاسم وهو ابن عوف الشيباني روى له مسلم حديثًا واحدًا، ولكن قال النسائي ضعيف، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ومحله عنده الصدوق، يعني إذا لم يضطرب في حديثه فهو صدوق، وهذا الحديث مما اضطرب فيه القاسم بن عوف كما قال أبو حاتم نفسه في العلل (2/ 252 - 253).
وذكر أيضًا الدارقطني في "العلل"(6/ 37 - 40) اضطرابه في رواية هذا الحديث فإنه رواه بألوان. ونص على أن الاضطراب منه.
فمرة قال كما مضى، وأخرى أن معاذا قدم من اليمن ومن المعلوم أنه لم يرجع من اليمن إلا بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وسجد لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الرواية السابقة، وفي رواية لم يسجد، بل قال رأيت النصارى يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم. فروّأْتُ في نفسي أنك أحق أن تُعظم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث.
وهذا اللفظ أقرب إلى الحقيقة، إذ كيف يتصور من مثل معاذ بن جبل أحد فقهاء الإسلام وأعلامهم أن يسجد للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أعرف الناس بأن السجود لا يجوز لغير اللَّه وهذه علة أخرى لتضعيف هذا الحديث وهي نكارة في المتن.
وللحديث طرق أخرى من غير القاسم وهو ما رواه الإمام أحمد (21986) عن وكيع، حدثنا الأعمش، عن أبي ظبيان، عن معاذ بن جبل أنه لما رجع من اليمن فذكر الحديث.
وأبو ظبيان واسمه حصين بن جندب الجنبي لم يدرك معاذًا.
وفي رواية عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن رجل من الأنصار، عن معاذ بن جبل فذكره. وفيه رجل مجهول لم يسم.
والخلاصة فيه أن حديث ابن أبي أوفى لا يصح من وجه من الوجوه.
وكذلك لا يصح ما روي عن عائشة قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: "زوجها" قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: "أمه".
رواه النسائي في الكبرى (9148) والبزار -كشف الأستار- (1462) والحاكم (2/ 175) كلهم من طريق مسعر، عن أبي عتبة، عن عائشة فذكرته.
وأبو عتبة كما قال ابن حجر في "التقريب" شيخ لمسعر "مجهول".
قلت: وقد أدخل بعض الرواة بين أبي عتبة وعائشة رجلًا لم يسم ففيه جهالة الواسطة.
وكذلك لا يصح ما روي عن أم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة ماتت، وزوجها