الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ثم أنا أستبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعَق عنه، والعقيقة مما توارث عليها أهل مكة في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أحبِّ أولاد جده عبد المطلب وهو من رؤساء قريش وأثريائهم.
ولو فُرِضَ أنه لم يعقّ عنه صلى الله عليه وسلم، وعقَّ عن نفسه بعد النبوة لتوافرت الهمم والدواعي على نقله، ولتسارع إليه أصحابه الذين لم يعق عنهم في الجاهلية، لكن لم يُنقل إلينا شيء من ذلك.
وأما أن يعقَّ الرجلُ إذا بلغَ، وعلِمَ أنه لم يُعَقَّ عنه فهذا أمرٌ قاله بعض السلف من أهل العلم أنه يجوز أن يَعُق عن نفسه إذا بلغ واستطاع.
روي عن ابن سيرين أنه قال: "لو أعلم أنه لم يعق عنّي لعققتُ عن نفسي". رواه ابن أبي شيبة (8/ 235 - 236) وكذلك روي عن الحسن البصري وغيره. وقد استحسن الإمام أحمد لمن لم يُعَق عنه صغيرا أن يعق عنه كبيرًا. تحفة المودود ص
(143).
10 -
باب ما جاء في تحنيك المولود وتسميته والدعاء له عند ولادته
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان ابنٌ لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة، فقُبِضَ الصبيُّ. فلما رجع أَبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سُليم: هو أسكنُ ما كان، فقربتْ إليه العشاء فتعشَّى، ثم أصاب منها، فلمَّا فرغَ قالتْ: وَارِ الصَّبِيَّ. فلما أصبح أبو طلحة أتي رسولّ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَةَ؟ " قال: نعم. قال: "اللَّهم بَارِكْ لهما في ليلتهما". فولدَتْ غلامًا. قال لِي أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي به النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأرسلتْ معه بتمراتٍ، فأخذهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقال:"أَمَعَهُ شَيْءٌ؟ " قالوا: نعم، تمراتٌ، فأخذها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فمضغها ثمّ أخذ من فيهِ، فجعلها في في الصبيِّ وحَنَّكَهُه به، وسمّاه:"عبد الله".
متفق عليه: رواه البخاري في العقيقة (5470)، ومسلم في الآداب (23: 2144) كلاهما من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، فذكره. والسياق للبخاري.
ثم عطف عليه البخاري إسنادا آخر من طريق ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن محمد (يعني ابن سيرين)، عن أنس قال: وساق الحديث.
قول البخاري: وساق الحديث.
هو يقصد الحديث الذي أخرجه في كتاب اللباس (5824) عن محمد بن المثنى، قال: حدثني ابن أبي علي، عن ابن عون، عن محمد عن أنس قال:"لما ولدتْ أم سُليم قالت لي: يا أنس انظر هذا الغلام فلا يُصيبنَّ شيئا حتى تغدو به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُحنِّكهـ فغدوت به، فإذا هو في حائط، وعليه خميصة حُريثية وهو يَسِمُ الظهر الذي قدم عليه في الفتح". اهـ.
هذا هو الحديث الذي يريده البخاري.
وساق البخاري هذه القصة في المواضع الأخرى بالأسانيد الأخرى مختصرا، وهو حديث واحد باختلاف في بعض ألفاظه، وإلا أن القصة أخرجها عبد الله بن أحمد (12865) بطولها: قال أبو عبد الرحمن: قرأت على أبي هذا الحديث، وجده فأقرّ به. وحدثنا ببعضه في مكان آخر قال:
حدثنا موسى بن هلال العبدي، حدثنا همام، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك قال: تزوج أبو طلحة أمَّ سُليم وهي أم أنس والبراء، قال: فولدت له بنيًّا. قال: فكان يحبه حبًا شديدا. قال: فمرض الغلام مرضا شديدا، فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، فيجيء فيقيل ويأكل، فإذا صلَّى الظهر تهيأ وذهب، فلم يجئ إلى صلاة العتمة. قال: فراح عشية، ومات الصبي. قال: وجاء أبو طلحة، قال: فسجَّتْ عليه ثوبا، وتركته. قال: فقال لها أبو طلحة: يا أم سليم، كيف بات بني الليلة؟ قالت: يا أبا طلحة، ما كان ابنك منذ اشتكي أسكنُ منه الليلة، قال: ثم جاءته بالطعام، فأكل وطابت نفسه. قال: فقام إلى فراشه، فوضع رأسه، قالت: وقمت أنا، فمِسستُ شيئا من طيب، ثم جئت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله.
قال: ثم أصبح أبو طلحة يتهيأ كما كان يتهيأ كل يوم، قال: فقالت له: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن رجلا استودعك وديعة، فاستمتعت بها، ثم طلبها، فأخذها منك تجزع من ذلك؟ قال: لا. قلت: فإن ابنك قد مات.
قال أنس: فجزع عليه جزعا شديدا، وحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من أمره في الطعام والطيب، وما كان منه إليها. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هيه فبتما عروسين، وهو إلى جنبكما؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لكما في ليلتكما". قال: فحملت أم سليم تلك الليلة، قال: فتلد غلاما، قال: فحين أصبحنا، قال لي أبو طلحة: احمله في خرقة حتى تأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحمل معك تمر عجوة. قال: فحملته في خرقة. قال: ولم يحنّك، ولم يذق طعاما ولا شيئا، قال: فقلت: يا رسول الله، ولدت أم سليم، قال: "الله أكبر ما ولدت؟ " قلت: غلاما، قال: "الحمد لله"، فقال: "هاته إلي"، فدفعته إليه فحنكهـ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: "معك تمر عجوة؟ " قلت: نعم، فأخرجت تمرا، فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تمرة وألقاها في فيه، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوكها حتى اختلطتْ بريقه، ثم دفع الصبي. فما هو إلا أن وجد الصبي حلاوة التمر جعل يمص حلاوة التمر وريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإسناده حسن من أجل موسى بن هلال العبدي فإنه مختلف فيه فقال أبو حاتم: "مجهول" وقال العقيلي: "لا يتابع على حديثه، ولكن قال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به". وهو من رجال التعجيل.
قلت: وقد روى عنه جماعة منهم الإمام أحمد فمثله يحسن حديثه، وقد رواه أيضا الإمام أحمد (12031)
مختصرا عنه، قال: حدثنا هشام عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك فذكره.
فجعل شيخ موسى بن هلال: هشاما وهو ابن حبان، فهل روي موسى بن هلال من شيخين وهو الظاهر، أو أخطأ في أحد الموضعين. والله تعالى أعلم.
ويتضح من كل هذا أنه حديث واحد إلا أن بعض الرواة رووه مطولا، وبعضهم اختصروه.
إلا أن الحافظ ابن حجر قال في الفتح (9/ 589 - 590): "إنهما حديثان".
• عن أسماء بنت أبي بكر أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت: فخرجت وأنا متم، فأَتَيت المدينة، فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيتُ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثمّ تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكهُ بالتمرة، ثم دعا له فبرّك عليه، وكان أوّل مولود ولد في الإسلام. ففرحوا به فرحا شديدا، لأنهم قيل لهم: إنَّ اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم.
متفق عليه: رواه البخاري في العقيقة (5469)، ومسلم في الآداب (26: 2146) كلاهما من طريق أبي أسامة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، فذكرته.
• عن عائشة قالت: أول مولودٍ في الإسلام عبد الله بن الزبير، أتوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فلاكها، ثم أدخلها في فيه، فأول ما دخل بطنه ريقُ النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: جئنا بعبد الله بن الزبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحنكهـ، فطلبنا تمرةً، فعزَّ علينا طلبُها.
متفق عليه: رواه البخاري في مناقب الأنصار (3910) من طريق أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
والرواية الأخرى لمسلم في الآداب (28: 2148) من طريق أبي خالد الأحمر، عن هشام به، فذكره.
• عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرِّك عليهم ويُحَنِّكهم فأتِي بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله.
متفق عليه: رواه البخاري في العقيقة (5468) من طريق يحيي - ومسلم في الطهارة (101: 286) من طريق عبد الله بن نمير - كلاهما عن هشام، عن أبيه، عن عائشة فذكرته. واللفظ لمسلم.
وعند البخاري الشطر الثاني فقط بلفظ: أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بصبيٍّ يُحنكهـ فبال عليه فأتبعه الماء. كما روى مسلم الشطر الأول منه فقط في الآداب (27: 2147) بالإسناد نفسه.
• عن عروة بن الزبير وفاطمة بنت المنذر بن الزبير قالا: خرجت أسماء بنتُ أبي بكر حين هاجرتْ وهي حُبْلى بعبد الله بن الزبير، فقدمت قباء، فنَفِسَتْ بعبد الله بقباء، ثم خرجت حين نفست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُحنِّكهـ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة قال: قالت عائشة: فمكثنا ساعةً نلتمسُها قبل أن نجدها
فمضغها، ثم بصقها في فيه، فإن أول شيء دخل بطنه لريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قالت أسماء: ثم مسحه وصلى عليه وسماه عبد الله. ثم جاء وهو ابن سبعِ سنين أو ثمانٍ ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمره بذلك الزبير فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا إليه ثم بايعه.
صحيح: رواه مسلم في الآداب (25: 2146) عن الحكم بن موسى أبي صالح، حدثنا شعيب بن إسحاق، أخبرني هشام بن عروة، حدثني عروة بن الزبير وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، قال، فذكراه.
• عن أبي موسى الأشعري قال: وُلِد لي غلامٌ، فأتيتُ به النبي صلى الله عليه وسلم فسمّاه إبراهيم، فحنكهـ بتمرة ودعا له بالبركة، ودفعه إليّ، وكان أكبرَ ولدِ أبي موسى.
متفق عليه: رواه البخاري في العقيقة (5467)، ومسلم في الآداب (24: 2145) كلاهما من طريق أبي أسامة، حدثني بُريد، عن أبي بُرْدة، عن أبي موسى قال: فذكره.
• عن أنس قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وُلِد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءةٍ يَهْنأ بعيرا له. فقال:"هل معك تمر؟ " فقلت: نعم، فناولتُه تمراتٍ. فألقاهن في فيه فلاكهن، ثم فغرفا الصبي فمجَّه في فيه، فجعل الصبي يتلمَّظه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حب الأنصار التمر" وسَمّاه: عبد الله.
صحيح: رواه مسلم في الآداب (22: 2144) عن عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، فذكره.
فقه الحديث: دلّتْ هذه الأحاديث على استحباب تحنيك المولود عند ولادته، والدعاء له بالبركة، وقد حكى النووي في شرح مسلم (14/ 122) الإجماع على ذلك.
وأما حصول البركة بريق المحنك فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة يأتون بصبيانهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجاء بركة ريقه ودعائه له، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لم يُؤْثر عن أحد من الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من الأئمة أنهم كانوا يذهبون بصبيانهم إلى أهل الفضل والصلاح بقصد التبرك بهم، بل كل يحنِّك صبيه سواء كان المحنِّك رجلا، أو امرأة، فقد نقل ابن القيم رحمه الله في تحفة المودود ص (66) عن الخلال أنه قال: "أخبرني محمد بن علي قال: سمعت أم ولد أحمد بن حنبل تقول: لما أخذ بي الطلق كان مولاي نائما، فقلت له: يا مولاي، هو ذا أموت فقال: يفرج الله؛ فما هو إلا أن قال: يفرج الله حتى ولدت سعيدا.
فلما ولدته قال: هاتوا ذلك التمر لتمر كان عندنا من تمر مكة، فقلت لأم عليّ: امضغي هذا التمر وحنّكِيه ففعلت". اهـ.
ولو كان التحنيك خاصا بالصالحين، لقام به الإمام أحمد رحمه الله بنفسه فإنه أولى به من جاريته. والله أعلم.