الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29 - كتاب العدد، والإحداد، والنفقات
1 - باب عدة الحامل المطلقة والمتوفى عنها زوجها وضع الحمل
قال الله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سورة الطلاق: 4].
الآية شاملة للحامل المطلقة، والحامل المتوفى عنها زوجُها فعدتُهن وضع حملِهن على أي صفة كان حيا أو ميتا، تام الخِلقة أو ناقصُها.
• عن أبي سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس، وأبو هريرة جالس عنده فقال: أفْتِني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة، فقال ابن عباس: آخر الأجلين. قلت أنا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي، يعني أبا سلمة، فأرسل ابن عباس كُريبًا إلى أم سلمة، يسألها، فقالت: قُتل زوجُ سُبَيْعة الأسلمية وهي حُبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخُطِبتْ، فأنكحَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو السَّنابل فيمن خَطَبَها.
متفق عليه: رواه البخاري في التفسير (4909) عن سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن يحيى (هو ابن أبي كثير) قال: أخبرني أبو سلمة، فذكره.
ورواه مالك في الطلاق (86)، ومسلم في الطلاق (1485) من طريق عبد الوهاب - كلاهما عن يحيى بن سعيد (هو الأنصاري) عن سليمان بن يسار، أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال
…
فذكر الحديث نحوه.
وفي لفظ مالك: "قد حللتِ فانكحِي من شئت".
اختلفت الروايات في تحديد أيام وضعها بعد وفاة زوجها، فالترجيح لما في الصحيحين، ولكن المهم أنها حلت بمجرد وضعها بدون تقيد من الشارع بتحديد الأيام.
• عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: سُئل عبد الله بن عباس، وأبو هريرة عن المرأة الحامل يتوفى عنها زوجُها؟ فقال ابن عباس: آخر الأجلين. وقال أبو هريرة: إذا ولدتْ فقد حلَّتْ. فدخل أبو سلمة بن عبد الرحمن على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك، فقالت أم سلمة: ولدتْ سُبَيْعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر، فخطبها رجلان، أحدهما شابٌّ، والآخر كهلٌ، فحطّتْ إلى الشاب، فقال الشيخ: لم تَحِلّي بعد، وكان أهلُها غيبًا، ورجا إذا جاء أهلُها أن يؤثروه بها، فجاءتْ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قد حللتِ فانكِحي من شئت".
صحيح: رواه مالك في الطلاق (83) عن عبد ربه بن سعد بن قيس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، فذكره.
وإسناده صحيح، ومن طريق مالك أخرجه أيضا النسائي (3510).
• عن أم سلمة أن امرأة من أسلم يقال لها سُبَيْعة كان تحت زوجها توفي عنها وهي حُبلى، وخطبها أبو السنابل بن بعكك، فأبتْ أن تنكحه، فقال: والله ما يصلح أن تَنْكِحيه حتى تعتدِّي آخر الأجلين، فمكثت قريبا من عشر ليال، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"انكحي".
صحيح: رواه البخاري في الطلاق (5318) عن يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكرته.
• عن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري، يأمره أن يدخل على سُبيعة بنت الحارث الأسلمية، فيسألها عن حَديثها وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اسْتَفَتْه. فكتب عمر بن عبد الله إلى عبد الله بن عتبة يخبره، أن سبيعة أخبرته، أنها كانت تحت سعد بن خولة. وهو في بني عامر بن لُؤي. وكان ممن شهد بدرًا. فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل. فلم تَنْشبْ أن وضعتْ حملَها بعد وفاته. فلما تعلّت من نفاسها تجمَّلتْ للخُطّاب. فدخل عليها أبو السَّنابل بن بعكك (رجل من بني عبد الدار) فقال لها: ما لي أراك متجمِّلة؟ لعلكِ ترْجِين النكاح. إنك، والله! ما أنت بناكحٍ حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سُبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعتُ عليَّ ثيابي حين أمسيتُ. فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك؟ فأفتاني بأني قد حللتُ حين وضعتُ حملي. وأمرني بالتزوج إن بدا لي.
قال ابن شهاب: فلا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعتْ. وإن كانت في دمها. غير أن لا يقربها زوجُها حتى تطهر.
متفق عليه: رواه البخاري في الطلاق (5319) من طريق يزيد - ومسلم في الطلاق (1484) من طريق يونس بن يزيد - كلاهما عن ابن شهاب الزهري، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري، فذكره واللفظ لمسلم، وعند البخاري مختصرا جدًّا.
وعلقه في المغازي (3991) عن الليث، قال حدثني يونس، عن ابن شهاب، به فذكره بتمامه.
قال الحافظ في "الفتح"(7/ 311): "وصله في "التاريخ الكبير" قال: قال لنا عبد الله بن صالح، أنبأنا الليث" فذكره بتمامه.
• عن محمد بن سيرين قال: جلست إلى مجلس فيه عُظْم من الأنصار، وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى، فذكرتُ حديث عبد الله بن عتبة في شأن سُبيعة بنت الحارث. فقال عبد الرحمن: ولكن عمّه كان لا يقول ذلك فقلت: إني لجريء إن كذبتُ على رجل في جانب الكوفة، ورفع صوته، قال: ثم خرجتُ، فلقيتُ مالك بن عامر أو مالك بن عوف. قلت: كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجُها. وهي حامل؟ فقال: قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظَ، ولا تجعلون لها الرخصة؟ لنزلتْ سورةُ النساء القصري بعد الطولي.
صحيح: رواه البخاري في التفسير (4532) عن حبان، حدثنا عبد الله، أخبرنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين فذكره.
وذكره معلقا في تفسير سورة الطلاق (4910).
وقوله: "عمه كان لا يقول ذلك". المراد به عبد الله بن مسعود ما كان يقول بهذا سُبيعة بنت الحارث. إلا أن هذا النقل منه ليس بصحيح، فإن ابن مسعود كان يقول خلاف ذلك، فلعله كان يقول أولًا ثم رجع عنه، أو وهم الناقل عنه كذا قاله ابن حجر.
وقوله: سورة النساء القصرى - أي سورة الطلاق.
وقوله: بعد الطولى: أي بعد البقرة.
ففي سورة البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
وفي سورة الطلاق: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سورة الطلاق: 4].
ومراد ابن مسعود أنه وقع نسخ، فالمتأخر هو الناسخ.
وإلى هذا يُشير ابن مسعود بقوله: "من شاء لاعنتُه لأُنزلتْ سورة النساء القصري بعد الأربعة الأشهر وعشرا" والملاعنة هنا بمعنى: المباهلة.
رواه أبو داود (2307) وابن ماجه (2030) بإسناد صحيح.
قال الحافظ ابن حجر: "وإلا فالتحقيقُ أن لا نسخ هناك، بل عموم آية البقرة، مخصوصٌ بأية الطلاق". "الفتح"(8/ 656)
• عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن سُبيعة الأسلمة نُفِسَتْ بعد وفاة زوجها بليال، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد حللتِ فانكِحي من شئتِ".
صحيح: رواه مالك في الطلاق (58) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة، به، فذكره. ورواه البخاري في الطلاق (5320) من طريق مالك، به، بنحوه.
• عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب قالت: إنها سمعت عمر بن الخطاب وأبي بن كعب يختصمان، فقالت أم الطفيل: أفلا يسأل عمرُ بن الخطاب سُبيعة الأسلمية؟ توفي عنها زوجها وهي حامل، فوضعت بعد ذلك بأيام، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حسن: رواه أحمد (27109) عن يحيى بن إسحاق وقتيبة بن سعيد، قالا: حدثنا ابن لهيعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، قال: سمعت أم الطفيل، فذكرته. وإسناده حسن من أجل ابن لهيعة، فإن سماع قتيبة بن سعيد كان قبل اختلاطه.
• عن أبي السنابل بن بعكك قال: وضعتْ سُبيعةُ بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين، أو خمسة وعشرين يومًا. فلما تعلّتْ تشوّفتْ للنكاح فأنكر عليها. فذُكِر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إن تفعل فقد حلَّ أجلُها".
صحيح: رواه الترمذي (1193) والنسائي (3508) وابن ماجه (2027) وأحمد (18713) وصحّحه ابن حبان (4299) كلهم من حديث منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن أبي السنابل فذكره.
قال الترمذي: "حديث أبي السنابل حديث مشهور من هذا الوجه، ولانعرف للأسود سماعًا من أبي السنابل، وسمعت محمدًا يقول: لا أعرف أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم".
كذا قال البخاري على قاعدته في اشتراط ثبوت اللقاء، ولو مرة، والأسود بن يزيد النخعي من كبار التابعين من أصحاب ابن مسعود، ولم يُوصف بالتدليس، فالحديث صحيح على شرط مسلم قاله الحافظ ابن حجر في "الفتح"(9/ 472).
• عن مسروق وعمرو بن عتبة، أنهما كتبا إلى سُبيعة بنت الحارث يسألانها عن أمرها. فكتبت إليهما: أنها وضعت بعد وفاة زوجها بخمسة وعشرين. فتهيأت تطلب الخير. فمَرَّ بها أبو السنابل بن بعكك. فقال: قد أسرعت. اعتدي آخر الأجلين، أربعة أشهر وعشرا. فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم. فقلتُ: يا رسول الله، استغفر لي. قال "وفيم ذاك؟ " فأخبرته. فقال:"إن وجدت زوجا صالحا فتزوجي".
صحيح: رواه ابن ماجه (2028) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق وعمرو بن عتبة، فذكراه. وإسناده صحيح.
وأبو السنابل اختلف في اسمه كثيرًا، وقد جزم العسكري أن اسمه كنيته.
وأما قول البخاري: "لا يصح أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقد جزم ابن سعد أنه بقيَ بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمنا".
وقال البرقي: "إن أبا السنابل تزوّج سُبيعةَ بعد ذلك، فولد له سنابل بن أبي السنابل".
وسكن بعد ذلك في مكة، وقيل: الكوفة، وفي كل ذلك إشارة إلى أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمنا. فلا يبعد سماع الأسود منه.
وقوله: "تعلّت" أي ارتفعتْ بمعني طهرتْ من النفاس.
وقوله: "فتشوّفت" بالفاء أي طمعت، وتشوقت للنكاح.
قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن الحامل المتوفى عنها زوجُها، إذا وضعتْ فقد حلَّ الترويجُ لها، وإن لم تكن انقضت عدّتُها. وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق"، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم:"تعتد آخر الأجلين" والقول الأول أصح. انتهى.
والحامل المطلقة حكمها حكمُ الحامل المتوفَّى عنها زوجُها.
وأما ما روي عن الزبير بن العوام أنه كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة فقالت له: وهي حامل: طيِّب نفسي بتطلّيقة. فطلّقها تطليقة، ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعتْ. فقال: ما لها؟ خدعتْني خدعها الله، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"سبق الكتابُ أجلَه، اخطبها إلى نفسها" فهو ضعيف.
رواه ابن ماجه (2064) محمد بن عمر بن هياج قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن الزبير بن العوام فذكره.
قلت: فيه قبيصة بن عقبة، تكلموا في روايته عن سفيان الثوري لصغر سنه، فكان يغلط في روايته عنه، وفيه أيضا الانقطاع فإن ميمون وهو: ابن مهران روايته عن الزبير بن العوام مرسلة كما قال البوصبري: ولكن رواه البيهقي (7/ 421) من وجه آخر عن عبيد الله الأشجعي، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن أم كلثوم بنت عقبة أنها كانت تحت الزبير، فجاءته، وهو يتوضأ فذكر القصة.
وعبيد الله الأشجعي أثبت في سفيان من قبيصة بن عقبة، وجعل الحديث من مسند أم كلثوم وهذا أصح من ذاك، ولكن علة الإرسال لا تزال موجودة فيه، فإن ميمون بن مهران ولد سنة (40) كما في تهذيب الكمال، وأم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات، هاجرت إلى المدينة وليس لها زوج في مكة فتزوجها زيد بن حارثة، فقتل، ثم تزوجها الزبير بن العوام، ثم طلقها، ثم تزوج عبد الرحمن بن عوف، فمات عنها، ثم تزوجها عمرو بن العاص فماتت عنده.
وعمرو بن العاص مات سنة (43 هـ) على الصحيح كما قال ابن حجر في "التهذيب"، وقيل: إن أم كلثوم بنت عقبة ماتت في خلافة علي الذي مات سنة (40 هـ).
وبهذا تبين أن لقاء ميمون بن مهران لا يمكن مع أم كلثوم بنت عقبة أيضا وإن كانت متأخرة الوفاة من الزبير بن العوام وبالله التوفيق.
والأمر الذي لا خلاف فيه أن المطلَّقةَ الحاملَ عدّتُها الوضع لقوله تعالى، كما سبق، ولأن