الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 - كتاب المرتد وشاتم الرسول
1 - باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة: 217].
وقال تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة آل عمران: 86].
• عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة".
متفق عليه: رواه البخاري في الديّات (6878) ومسلم في القسامة (1676) كلاهما من طريق الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، فذكره.
• عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي لا إله غيره، لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إلا الله، وأنّي رسول الله، إلا ثلاثة نفر: التارك للإسلام المفارق للجماعة، والثيب الزاني، والنفس بالنفس".
صحيح: رواه مسلم في القيامة (26: 1676) عن أحمد بن حنبل ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله فذكره.
قال الأعمش: "فحدثتُ به إبراهيم، فحدثني عن الأسود، عن عائشة بمثله".
• عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محاربا لله ورسوله فإنه يُقتل أو يُصلب، أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفسًا فيقتل بها، وفي رواية: "رجل يخرج من الإسلام يحارب الله ورسوله فيقتل".
صحيح: رواه أبو داود (4353)، والنسائي (4048)، والدارقطني (3/ 81)، والحاكم (4/ 367)، والبيهقي (8/ 283) كلهم من طريق إبراهيم بن طهمان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن عبيد بن عمير، عن عائشة فذكرته. وإسناده صحيح.
قال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرط الشيخين".
• عن عائشة أنها قالت للأشتر: أنت الذي أردت قتل ابن أختي؟ قال: قد حرصتُ على قتله، وحرص على قتلي. قالت: أو ما علمت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم رجل إلا رجل ارتد، أو ترك الإسلام، أو زنى بعد ما أحصن، أو قتل نفسا بغير نفس".
حسن: رواه أحمد (25477) عن عبد الرحمن (ابن مهدي) عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن غالب، عن عائشة فذكرته.
ورواه النسائي (4017) والطحاوي في مشكله (1808) كلاهما من حديث سفيان إلا أن النسائي لم يذكر قصة الأشتر.
قلت: اختلف على أبي إسحاق السبيعي فرواه سفيان الثوري وجماعة عن أبي إسحاق السبيعي موصولًا. ورواه إسماعيل بن أبان الغنوي وحماد بن زيد وغيرهما عن أبي إسحاق السبيعي مرسلا عن عائشة. قال الدارقطني في "علله"(14/ 385): "والصواب قول الثوري ومن معه".
قلت: إسناده حسن من أجل الاختلاف في عمرو بن غالب غير أنه حسن الحديث. وقد وثقه النسائي وابن حبان، وصحح له الترمذي حديثا في سننه.
• عن عكرمة، قال: أُتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم القول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه".
صحيح: رواه البخاري في استتابة المرتدين (6922) عن أبي النعمان محمد بن الفضل، حدّثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، فذكره.
ورواه أبو داود (4351) وزاد في آخره من كلام علي "ويح ابن عباس" والترمذي (1457) وقال في آخره من كلام علي: "صدق ابن عباس ولفظ "ويح" أصله للدعاء عليه، ومعناه: المدح الله والإعجاب بقوله كما قال الخطابي.
• عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه".
صحيح: رواه النسائي (4065) وأحمد (2966) وصححه ابن حبان (4475) والبيهقي (8/ 202) كلهم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن أنس أن عليا أتي بأناس من الزُّطِّ يعيدون وثنا فأحرقهم. فقال ابن عباس فذكر الحديث. وإسناده صحيح.
وقوله: "الزُّط": بضم الراء ونشيد الطاء. هم جنس من السودان والهنود.
وقوله: "يعبدون وثنا": أي بعدما أسلموا.
وقوله: "أحرقهم": أي من رأي واجتهاد، ولذا لما بلغه حديث ابن عباس استحسنه ورجع إليه.
• عن أبي موسى الأشعري قال: أقبلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعرين أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال: يا أبا موسى، - أو يا عبد الله بن قيس - قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل. فكأني أنظر إلى سواكهـ تحت شفته قلصت، فقال: لن أولا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال: انزل، فإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم ثم تهود. قال: اجلس. قال: لا أجلس حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله (ثلاث مرات)، فأمر به فقتل. ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي.
متفق عليه: رواه البخاري في استتابة المرتدين (6923) ومسلم في الإمارة (15: 1723) كلاهما من طريق يحيى بن سعيد القطان، حدّثنا قرة بن خالد، حدثني حميد بن هلال، حدثني أبو بردة، قال: قال أبو موسى، فذكره.
• عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر. فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلوه".
متفق عليه: رواه مالك في الحج (262) عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك فذكره. ورواه البخاري في الجهاد (3044) ومسلم في الحج (1357) كلاهما من حديث مالك بن أنس فذكره.
وذكر أهل المغازي أن جريمته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الصدقة، وأصحبه رجلا يخدمه، فغضب على رفيقه لكونه لم يصنع له طعاما أمره بصنعه، فقتله، ثم خاف أن يُقتل فارتد، واستاق إبل الصدقة، وأنه كان يقول الشعر يهجو به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمر جاريتيه أن تغنيا به. ذكره الواقدي في مغازيه (2/ 859 - 860)، وابن هشام في سيرته (4/ 51 - 52).
فقد جمع هذا اللعين ثلاث جرائم وكلها مبيحة للدم: قتل النفس، والردة، والهجاء.
• عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن سعد بن أبي سرْح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزلّه الشيطان، فلحق بالكفار. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقتل يوم الفتح فاستجار له عثمان بن عفان، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حسن: رواه أبو داود (4358) والنسائي (4069) كلاهما من حديث علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره واللفظ لأبي داود.
وأما لفظ النسائي: فقال ابن عباس في سورة النحل: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ
أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] فنسخ واستثنى من ذلك فقال: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110] وهو عبد الله بن سعد بن أبي السرح، الذي كان على مصر، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزله الشيطان، فلحق بالكفار، فأمر به أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان بن عفان، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسناده حسن من أجل علي بن حسين وأبيه فإنهما حسنا الحديث.
وقصته مستفيضة في كتب المغازي والسير، ومنها ما رواه أبو داود، وهو الآتي:
• عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرْح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى. فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال:"أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله" فقالوا: ما ندري يا رسول الله، ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك! قال:"إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين".
صحيح: رواه أبو داود (4359) والنسائي (4067) كلاهما من حديث أحمد بن المفضل، حدثنا أسباط بن نصر، قال زعم السدي، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص فذكره. وإسناده صحيح واللفظ لأبي داود.
وأما النسائي فرواه بأبسط من هذا فقال: لما كان يوم فتح مكة آمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح".
فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر. فسبق سعيدٌ عمارًا. وكان أشبّ الرجلين فقتله. وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه. وأما عكرمة فركب البحر، فأصابتهم عاصف. فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا غني عنكم شيئًا هاهنا.
فقال عكرمة: والله لئن لم ينجّني من البحر إلا الإخلاص لا ينجّني في البر غيره. اللهم إن لك عليّ عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا حتى اضع يدي في يده. فلأجدنّه عفوا كريما. فجاء فأسلم. وأما عبد الله بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان. فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله فذكر بقية القصة. هذه قصة ابن أبي سرْح أنه أسلم، ثم ارتد ولحق بأهل مكة، وبدأ يفتري على الله ورسوله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.
وأما ما ذكر في كتب التفسير أنه صلى الله عليه وسلم إذا أملى عليه: "سميعا عليمًا" فكتب عليما حكيما" وإذا قال: "عليما حكيما" كتب "سميعا عليما" فشك وكفر وقال: إن كان محمد يوحى إليه، فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله، فقد أنزلتُ مثل ما أنزل الله، قال محمد: "سميعا عليما" فقلت أنا: "عليما حكيما" فلحق بالمشركين.
ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي - أو لبني عبد الدار، فأخذوهم، فعُذّبوا حتى كفروا، وجدع أذن عمار يومئذ فانطلق عمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما لقي، والذي أعطاهم من الكفر، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاه، فأنزل الله في شأن ابن أبي سرح وعمار وأصحابه من كفر بالله من بعد إيمانه:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل: 106] فالذي أكره عمار وأصحابه، والذي شرح بالكفر صدرًا ابن أبي سرح. فهو ضعيف.
رواه ابن جرير الطبري - سورة الأنعام: آية 93 - عن محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي قال:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} إلى قوله: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 43] قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرْح، أسلم وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أملى عليه: "سميعًا عليمًا
…
فذكره. وإسناده معضل. وفيه أسباط وهو ابن نصر الهمداني.
قال النسائي: "ليس بالقوي، وضعّفه أبو نعيم، وتوقف أحمد، ولكن وثّقه ابن معين"، وقال البخاري:"صدوق".
وكذلك روي نحوه من طريق ابن جريج، عن عكرمة. وابن جريج لم يسمع من عكرمة، وفيه إرسال. ونظرًا لضعف هذه الروايات لم يذكرها ابن كثير كعادته من سرد روايات ابن جرير الطبري. وأما ما رُوي عن جابر بن عبد الله قال: ارتدت امرأة عن الإسلام. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرضوا عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا قُتلت. فعرض عليها الإسلام فأبت أن تُسلم، فقتلت. واسمها أم مروان. فهو ضعيف.
رواه الدارقطني (3/ 119) من وجهين عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (4/ 49):"وإسنادهما ضعيفان".
وكذلك لا يصح ما روي عن عائشة أن امرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُستتاب، فإن تابت وإلا قتلت. رواه الدارقطني أيضا من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة فذكرته.
قال الحافظ ابن حجر: "وروي من وجه آخر ضعيف عن الزهري
…
".
ويستفاد من هذه الأحاديث أن المرتدة حكمها حكم المرتد. وقد ثبت أن أبا بكر قتل امرأة في خلافته ارتدت، والصحابة متواجدون، فلم ينكر ذلك عليه أحد.
وقال به ابن عمر والزهري وإبراهيم النخعي كما قال البخاري، وإليه ذهب جمهور أهل العلم: