الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الباب ما رُوي عن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء بها الذين سرقتْهم. فقالوا: يا رسول الله! إن هذه المرأة سرقتا قال قومها: فنحن نفْديها. يعني أهلها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقطعوا يدها، فقالوا: نحن نفديها بخمس مائة دينار. قال: "اقطعوا يدها" قال: فقطعت يدها اليمنى. فقالت المرأة: هل من توبة يا رسول الله؟ قال: "نعم، أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك، فأنزل الله عز وجل في سورة المائدة:{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} [المائدة: 39].
رواه أحمد (1657) عن حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حُيّي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبْلي، حدثه عن عبد الله بن عمرو فذكره.
وابن لهيعة، فيه كلام معروف، وشيخه حيي بن عبد الله المعافري مختلف فكلم فيه أحمد والبخاري والنسائي، ومشّاه ابن معين وابن عدي وذكره ابن حبان في الثقات، فيحسن حديثه إذا لم يأت ما ينكر عليه.
2 - باب النّصاب الذي تقطع فيه يد السّارق
• عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله السارق يسرق البيضةَ فتقطع يده، ويسرقُ الحبلَ فتقطعُ يده".
متفق عليه: رواه البخاري في الحدود (6783) ومسلم في الحدود (1687) كلاهما من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكره.
وزاد البخاري: قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أنه منهما ما يساوي دراهم.
وقول الأعمش: "بيض الحديد" يعني التي تجعل في الرأس في الحرب.
والحديث منهم من حمله على ظاهره، ومنهم من تأوّله.
• عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تُقطع اليد في رُبع دينار فصاعدًا".
وفي لفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا.
متفق عليه: رواه البخاري في الحدود (6789) ومسلم في الحدود (1684) كلاهما من طريق الزهري، عن عمرة، عن عائشة، فذكرته. واللفظ للبخاري، واللفظ الثاني لمسلم.
والرواية الأخرى لمسلم أيضًا من طريق ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره.
ورواه مالك في الحدود (23) عن يحيى بن سعيد (هو الأنصاري) عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: فما طال علي وما نسبت، القطع في رُبُع دينارٍ فصاعدًا".
هذا الموقوف لا يُعل المرفوع، بل يؤيده فإنها كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفتي به.
• عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك". وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهمًا. قال: وكانت سرقته دون ربع الدينار، فلم أقطعه.
حسن: رواه الإمام أحمد (4515) عن هاشم قال: حدثنا محمد يعني ابن راشد، عن يحيى بن يحيى الغساني، قال: قدمت المدينة. فلقيت أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وهو عامل على المدينة، قال: أتيتُ بسارقٍ، فأرسلت إليّ خالتي عمرة بنت عبد الرحمن أن لا تعجل في أمر هذا الرجل حتى آتيك، فأُخبرك ما سمعت عن عائشة في أمر السارق قال: فأتي وأخبرتني أنها سمعت عائشة تقول فذكرت الحديث.
ورواه أيضا البيهقي (8/ 255) من وجه آخر عن محمد بن راشد نحوه.
وإسناده حسن. ومحمد بن راشد هو المكحولي الخزاعي الدمشقي مختلف فيه فوثقه أحمد وابن معين والنسائي، ولكن تكلم فيه غيرهم من ناحية حفظه.
وأما يحيى بن يحيى الغساني فهو أبو عثمان الشامي ثقة وثقه ابن معين ويقعوب بن سفيان. وقال ابن حبان: "كان من فقهاء أهل الشام".
وحديث أبي بكر بن محمد، عن عمرة، عن عائشة أخرجه أيضا مسلم (4: 1684) من وجه آخر عنه ولفظه: "لا تُقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا".
• عن عائشة قالت: لم تُقطع يد سارق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقلّ من ثمن المجنّ، حجفةٍ أو تُرْسٍ، وكلاهما ذو ثمن.
متفق عليه: رواه البخاري في الحدود (1794)، ومسلم في الحدود (1685) كلاهما من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
• عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجنّ ثمنه ثلاثة دراهم.
متفق عليه: رواه مالك في الحدود (21) عن نافع، عن عبد الله بن عمر، فذكره. ورواه البخاري في الحدود (6795) ومسلم في الحدود (6: 1686) كلاهما من طريق مالك، به، مثله.
• عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق تُرسًا من صُفّة النساء، ثمنه ثلاثة دراهم.
صحيح: رواه أحمد (6317) عن عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني إسماعيل بن أمية، أن نافعا مولى عبد الله حدثه فذكره. ومن هذا الطريق رواه أبو داود (4386). ورواه النسائي (4909) من وجه آخر عن ابن جريج به مثله. وإسناده صحيح. والحديث في الصحيحين دون ذكر الصّفة.
وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، وجعلوا الحد فيما يجب فيه القطع ثلاثة دراهم، أو ربع
دينار، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض والأثمان. إلا أن الشافعي جعل قيمة العروض ربع دينار.
وأما ما رواه النسائي (4906) عن عبد الحميد بن محمد قال: ثنا مخلد، قال: ثنا حنظلة، قال: سمعت نافعًا قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن قيمته خمسة دراهم كذا قال.
فقال النسائي بعد أن روي من وجه آخر عن ابن وهب: حدثنا حنظلة أن نافعًا حدثهم أن عبد الله بن عمر قال: قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن ثمنه ثلاثة دراهم قال: هذا الصواب.
أي أن ذكر خمسة دراهم وهم من بعض الرواة، والصواب هو ثلاثة دراهم كما رواه مالك وغيره.
وقال أبو حنيفة وأصحابه أن قدر النصاب هو عشرة دراهم، أو دينار، أو قيمة أحدهما من العروض.
ورُوي عن أيمن بن أم أيمن، عن أمه أم أيمن قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقطع يد السارق إلا في حجفة، وقوّمت يومئذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا، أو عشرة دراهم، إلا أنه مرسل.
ورواه النسائي (4948) والطحاوي في شرحه (2/ 93) كلاهما من حديث شريك، عن منصور، عن عطاء، عن أيمن بن أم أيمن فذكره.
قال البيهقي في المعرفة (12/ 389): قوله في هذا الإسناد: "عن أم أيمن خطأ، إنما قاله شريك بن عبد الله القاضي، وخلط في إسناده، وشريك ممن لا يحتج به فيما يخالف فيه أهل الحفظ والثقة لما ظهر من سوء حفظه".
رواه الحاكم (4/ 379) من حديث سفيان، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد، عن أيمن قال: لم تقطع اليد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بثمن المجن، وثمنه يومئذ دينار.
وقال: سمعت أبا العباس يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: أيمن هذا هو ابن امرأة كعب، وليس بابن أم أيمن، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم. ووافقه الحاكم على ذلك.
وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل"(42): أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل، فيما كتب إلي قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده قال: حدثني محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله قال: قال لي محمد بن الحسن: فقد روى شريك حديثا عن أيمن بن أم أيمن: أخي أسامة بن زيد لأمه. قلت: "لا علم لك بأصحابنا، أيمن أخو أسامة بن زيد قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبل أن يولد مجاهد، ولم يبق بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فيحدث به".
قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه الحسن بن صالح، عن منصور، عن الحكم، عن عطاء ومجاهد، عن أيمن - وكان فقيهًا قال: يقطع السارق في ثمن المجن، وكان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا. قال أبي: هو مرسل، وأرى أنه والد عبد الواحد بن أيمن، وليست اله صحبة". انتهى.
وكذا ذكره ابن حبان والدارقطني وغيرهم بأنه تابعي، لا صحة له.
وأما أيمن عن ابن أم أيمن فهو صحابي كما ذكر البغوي وأبو نعيم وابن منده وابن قانع وغيرهم، واستشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
والحاصل فيه كما قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 358): "الحديث معلول، فإن كان أيمن صحابيًّا فعطاء ومجاهد ثم يدركاه، فهو منقطع، وإن كان تابعيًا فالحديث مرسل".
ثم قال: ولكنه يتقوى بغيره من الأحاديث المرفوعة والموقوفة ثم ذكر هذه الأحاديث. منها: ما روي عن ابن عباس قال: قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن قيمته دينار، أو عشرة دراهم.
رواه أبو داود (4387) والنسائي (4951) كلاهما من حديث محمد بن إسحاق، عن أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس فذكره.
ورواه النسائي من وجه آخر عن محمد بن إسحاق، عن أيوب بن موسى، عن عطاء مرسلًا.
ومحمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن، كما أنه اضطرب فيه فمرة رواه موصولا، وأخرى مرسلًا.
وثالثة رواه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم.
رواه النسائي (4956) عن خلاد بن أسلم، عن عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب بإسناده.
وكذلك رواه أيضا ابن أبي شيبة في مصنفه (28688) عن عبد الأعلى وعبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق بإسناده إلا أنه لم يذكر فيه "عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وأما ما نقله الزيلعي في نصب الراية (3/ 359) من طريق ابن أبي شيبة وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن" فهو سبق النظر، فإن هذا المتن الحديث عبد الله بن عباس السابق. ولكن رواه ابن أبي شيبة (28672) عن عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "القطع في ثمن المجن".
ورواه الإمام أحمد (6900) عن نصر بن باب، عن الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب به مرفوعا:"لا قطع فيما دون عشرة دراهم".
ونصر بن باب قال البخاري: "يرمونه بالكذب، وقال النسائي: "متروك" والحجاج بن أرطاة مدلس، ولم يسمع هذا الحديث من عمرو.
هذه الأحاديث فيها ضعف وشذوذ واضطراب تخالف الأحاديث الصحيحة التي ذكرت في أول الباب بأن ثمن المجن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان ثلاثة دراهم.
وأما كونه قطع يد رجل في مجن قيمته دينار، أو عشرة دراهم، فعلى تقدير صحته فليس فيه موضع التحديد، وإنما فيه ذكر حكم التنفيذ، لأنه إذا كان السارق يقطع في ربع دينار فكونه يقطع