الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جموع ما جاء في المرأة المسلمة من حقوقها، والواجبات عليها، وحسن العشرة بها
1 - باب حسن المعاشرة مع الأهل
قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
• عن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدْنَ وتعاقدْنَ أن لا يكتُمنَ من أخبار أزواجهن شيئًا، قالت الأولى: زوجي لحمُ جملٍ غثٍّ، على رأس جبل: لا سهلٍ فيُرتقى ولا سمينٍ فيُنتقَل، قالت الثانية: زوجي لا أبُثُّ خبرَه، إني أخاف أن لا أذرَه إن أذكرْه أَذكرْ عُجَره وبُجَره قالت الثالثة: زوجي العشَنَّق، إنْ أنطقْ أُطلَّقْ، وإن أسكُتْ أُعلَّقْ قالت الرابعة: زوجي كلَيْل تِهامَة، لا حَرٌّ ولا قَرٌّ، ولا مخافةَ ولا سآمةَ، قالت الخامسة: زوجي إنْ دخل فهِدَ، وإن خرج أسِدَ، ولا يسأل عما عهِدَ، قالت السادسة: زوجي إنْ أكلَ لفَّ، وإن شرِبَ اشتفَّ، وإن اضطجع التفَّ، ولا يولج الكفَّ لِيعلمَ البثَّ، قالت السابعة: زوجي غياياءُ أو عياياء طباقاءُ، كلُّ داء له داء، شجَّكِ أو فَلَّكِ أو جمعَ كُلا لكِ، قالت الثامنة: زوجي المسُّ مسُّ أرنبٍ، والريح ريحُ زرنبٍ، قالت التاسعة: زوجي رفيعُ العماد، طويلُ النجاد، عظيمُ الرماد، قريبُ البيتِ من النادِ، قالت العاشرة: زوجي مالِكٌ، وما مالكٌ، مالك خير من ذلك، له إبل كثيراتُ المَباركِ، قليلاتُ المسارحِ، وإذا سمعنَ صوتَ المِزْهرِ، أيقن أنهن هوالكُ، قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زَرْعٍ، فما أبو زرع، أناسَ من حلي أذنيَّ، وملأ من شحم عضديَّ، وبَجَّحني فبجحتْ إليَّ نفسي، وجدَني في أهل غُنيمةٍ بشقٍّ، فجعلني في أهل صهيلٍ وأطيطٍ، ودائسٍ ومُنقٍّ، فعنده أقول فلا أُقَبَّح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح، أمُّ أبي زرع، فما أمُّ أبي زرع عُكومها رداح، وبيتُها فساحٌ، ابنُ أبي زرع، فما ابن أبي زرع، مضجعُه كمسلِّ شَطْبة، ويُشبعه ذراعُ الجفرة، بنتُ أبي زرع، فما بنتُ أبي زرع، طوعُ أبيها، وطوع أمِّها، وملءُ كسائها، وغيظُ جارتها، جاريةُ أبي زرع، فما جاريةُ أبي زرع، لا تبُثُّ حديثنا تبثيثًا، ولا تُنَقِّت مِيرتَنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تُمخض، فلقي امرأةً معها ولدان لها
كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برُمَّانتين، فطلقني ونكحها، فنكحتُ بعده رجلا سَرِيًّا، ركب شَرِيًّا، وأخذ خطّيا، وأراح علي نعما ثريًّا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال، كُلِي أم زرع، وميري أهلَكِ، قالت: فلو جمعتُ كلَّ شيءٍ أعطانيه، ما بلغ أصغرَ آنيةِ أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ".
متفق عليه: رواه البخاري في النكاح (5189) ومسلم في فضائل الصحابة (2448) كلاهما عن علي بن حُجر، أخبرنا عيسى بن يونس، حدّثنا هشام بن عروة، عن عبد اللَّه بن عروة، عن عروة، عن عائشة، فذكرته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ" يعني في الوفاء والألفة لا في الطلاق والفرقة.
فقالت عائشة: "بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، بل أنت خير إليّ من أبي زرع" رواه النسائي في الكبرى (9092) من طريق عباد بن منصور، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة، عن عائشة مرفوعًا.
ورواية الشيخين من تأمل تتبين له أنها مرفوعة أيضًا.
وقولها: "غث" المراد منه المهزول.
وقولها: "على رأس جبل وعر" أي صعب الوصول إليه. ومعناه: أنه قليل الخير من أوجه.
وقال الخطابي: قولها: على رأس جبل - أي يرتفع، ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها كثيرًا. أي أنه يجمع إلى قلة خيره، تكبره وسوء الخلق.
وقولها: "إني أخاف أن لا أذره" فيه تأويلان: أحدهما: أن خبره طويل، إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته.
والثاني: إني أخاف أن يطلقني فأذره. وتكون لا زائدة.
وقولها: "عجره وبُجره": المراد بهما عيوبه.
وقولها: "العشنق": هو الطويل ومعناه أنه ليس فيه إلا الطول بلا نفع.
وقولها: "كَلَيْلِ تهامة": أي ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة كليل تهامة.
وقولها: "إنْ دخل فهِدَ. . . " أي أنه ينام كثيرا ولا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه.
وقولها: "إنْ أكل لفَّ. . . " أي أنه يُكثر في الطعام والشراب حتى لا يبقى منهما شيء.
وقولها: "وإن اضطجع التف. . . " أي إذا رقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته.
وقولها: "عياياء" هو الذي لا يلقح وقيل: هو العنّين.
وقولها: "طباقاء" أي المطبقة عليه أموره حمقا.
وقولها: "شجك أو فلك. . . " أي إنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما.
وقولها: "ريح زرنب. . . " الزرنب نوع من الطيب معروف والمسُّ مسُّ أرنب أي إنه ليِّنُ الجانب وكريم الخلق.
وقولها: "رفيع العماد. . . " تصفه بالشرف وسناء الذكر، وبطول القامة، وبالجود وكثرة الضيافة.
وقولها: "وإذا سمعن صوت المزهر. . . " المزهر العود الذي يُضرب أرادت أن زوجها عود إبله إذا نزل بهم الضيوف نحر لهم منها.
وقولها: "أناس من حليٍ أذنيَّ" أي حلّاني قرطة وشنوفا فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها.
وقولها: "بجحني فبجحت": أي فرحني ففرحتُ.
وقولها: "بشقٍّ" وهو اسم موضع.
وقولها: "جعلني في أهل صهيل. . . " يعني أهلها كانوا أصحاب غنم فقراء وزوجها من الأغنياء صاحب الإبل والخيول.
وقولها: "عكومها رداح" العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام و"رداح" أي عظام كبيرة.
وقولها: "مضجعه كمسل شطبة" أي إنه مهفهف خفيف اللحم كالسعفة.
وقولها: "ولا تنقث ميرتنا تنقيثا" الميرة الطعام المجلوب، ومعناه لا تفسده.
وقولها: "ولا تملأ بيتنا تعشيشا" أي لا تترك الكُناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطير.
وقولها: "رجلا سريا، ركب شريا" السري السيد الشريف، والشري هو الفرس الذي يمضي في سيره بلا فتور ولا انكسار.
وقولها: "وأخذ خطيا" الخطي الرمح منسوب إلى الخط قرية من سيف البحر. من شرح النووي لصحيح مسلم.
• عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عاليا، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر:"كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ " قال: فمكث أبو بكر أياما، ثم استأذن على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد فعلنا، قد فعلنا".
صحيح: رواه أبو داود (4999) وأحمد (18394) كلاهما من حديث أبي إسحاق، عن العيزار ابن حريث، عن النعمان بن بشير، فذكره، واللفظ لأبي داود. ولم يذكر أحمد قوله:"قد فعلنا، قد فعلنا".
وأبو إسحاق هو السبيعي مدلس مختلط، ولكن رواه النسائي في الكبرى (9110) من وجه
آخر عن عمرو بن محمد العنقري، قال: أنا يونس بن أبي إسحاق، عن عيزار بن حريث. ولم يذكر أبا إسحاق.
ويونس بن أبي إسحاق شارك في شيوخ أبيه كثيرا كما هنا، فإنه روى الحديث من وجهين، وبهذا صح الحديث بدون أبي إسحاق.
• عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس. فقال: "غَرِّبْها إن شئت". قال: إني أخاف أن تتبعها نفسي، قال:"استمتع بها".
حسن: رواه أبو داود (2049) والنسائي (3464) والبيهقي (7/ 154) من طريق أبي داود - كلاهما عن حسين بن حُريث المروزي، ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره. غير إن أبا داود قال: كتب إليّ حسينُ بن حريث المروزي - يعني أنه رواه عنه كتابة.
وإسناده حسن من أجل الحسين بن واقد فإنه وإن كان من رجال مسلم إلا أنه حسن الحديث. لا يرتقي إلى درجة "ثقة".
ورواه البيهقي من وجه آخر عن أبي عبد اللَّه الصفار الوزان، ثنا الحسين بن حريث بإسناده وفيه:"فاستمتع بها إذًا" وقال: ليس في رواية أبي داود: "إذًا".
وللحديث أسانيد أخرى منها:
ما رواه النسائي (3465) عن إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا النضر بن شُميل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أنبأنا هارون بن رئاب، عن عبد اللَّه بن عبيد بن عمير، عن ابن عباس أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه، إن تحتي امرأة لا ترد يد لامس. قال:"طلقها" قال: إني لا أصبر عنها. قال: "فأمسكها".
قال النسائي: "هذا خطأ، والصواب مرسل".
ومنها ما رواه أيضًا (3229) عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا حماد بن سلمة وغيره، عن هارون بن رئاب، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمير. وعبد الكريم عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمير عن ابن عباس. عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس، وهارون لم يرفعه، قالا: جاء رجلٌ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي امرأة هي من أحبِّ الناس إلي، وهي لا تمنع يدَ لامسٍ. قال:"طلقها" قال: لا أصبر عنها. قال: "استمتع بها".
ومنها ما رواه أيضًا البيهقي من وجه آخر عن حماد بن سلمة، ثنا عبد الكريم بن أبي المخارق وهارون بن رئاب الأسدي، عن عبد اللَّه بن عبيد بن عمير الليثي، قال حماد: قال أحدُهما: عن ابن عباس أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه، إن عندي بنت عم لي جميلة، وإنها لا ترد يد لامس. قال:"طلقها" قال: لا أصبر عنها، قال:"فأمسكها إذًا".
قال: "ورواه ابن عيينة عن هارون بن رئاب مرسلا".
وقال النسائي: "هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه، وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم". انتهى.
قلت: وهو كما قال، فإن عبد الكريم وهو ابن أبي المخارق ضعيف عند جمهور أهل العلم.
وأما هارون بن رئاب -بكسر الراء- التميمي فهو ثقة، وثّقه أحمد، وابن معين، والنسائي وغيرهم. روى عنه أبن عيينة وحماد بن سلمة وغيرهما مرسلًا إلا أن هذا المرسل يقوي رواية حسين بن حريث المروزي الذي سبق ذكره في أول الحديث لاختلاف مخارجهما كما هو المقرر في المصطلح الحديث.
فإذا ثبت هذا فقول النسائي: "هذا الحديث ليس بثابت". يحمل على الإسنادين الذين ساقهما، وإلا فالحديث حسن بالإسناد الأول كما مضى، وسكت عليه النسائي. وقد أطلق النووي عليه الصحة كما في "التلخيص"(3/ 225) لعله لوجود مجموع هذه الطرق. واللَّه تعالى أعلم.
• عن جابر بن عبد اللَّه أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، إن لي امرأة وهي لا تدفع يد لامس. قال:"طلِّقْها". قال: إني أحبها، وهي جميلة. قال:"فاستمتعْ بها".
حسن: رواه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 154 - 155) من طرق عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه فذكره.
وله شاهد من حديث ابن عباس كما مضى. وإسناده حسن من أجل أبي الزبير.
وقوله: "لا تمنع يد لامس" أشكل على العلماء معناه فقيل: معناه الفجور، وأنها لا تمتنع ممن يطلب منها الفاحشة، وبهذا قال أبو عبيد والخلال والنسائي والخطابي والغزالي والنووي وغيرهم.
فإن صحّ هذا المعنى فكيف يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإبقاء، ولذا ذهب الإمام أحمد وغيرُه إلى معنى التبذير، بأنها لا تمنع أحدًا طلب منها شيئًا من مال زوجها.
ولكن اعترض عليه بأن السخاء مندوب إليه، فلا يكون موجبا لقوله:"طلّقها".
وقيل: معناه أنها لا تمتنع ممن يمد يده ليتلذذ بلمسها، فهم منها زوجها من حالها أنها لا تمتنع ممن أراد منها الفاحشة، لا أن ذلك وقع منها. هذه المعاني كلها ذكرها الحافظ في "التلخيص".
والذي أميل إليه أن الرجل وقع في قلبه ريبة منها، وفي الوقت نفسه لا يستطيع مفارقتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء معها، والصبر عليها، لعلها يتحسن حالُها بخلاف من ذهب إلى الفجور.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم "استمتع بها" إشارة إلى كثرة الجماع منها لكسر شهوتها حتى لا تعرض نفسها على كل من يتقدم إليها. واللَّه تعالى أعلم.