الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدّمة المؤلف
إِنّ الحمد لله، نحمَدُه ونستعينهُ ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شرور أَنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالِنا، من يَهدِه الله فَلا مُضِلَّ لهُ، ومَن يُضْلل فلا هاديَ لهُ.
وأَشهَد أنْ لا إله إِلَاّ الله، وحدَه لا شريكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمداً عَبدهُ ورَسولهُ.
أمَّا بعد:
فإِنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدْي محمّد، وشرّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النَّار،
(1) آل عمران: 102
(2)
النساء: 1
(3)
الأحزاب: 70، 71
فإِنَّني رأيتُ حاجة الأمَّة مُلحَّةً لكتاب فقهيٍّ: شامل، ميسَّر، مُدعَّم بالأدلَّة الثابتة، بعيدٍ عن الغُموض والتَّعقيد والخلافات الفقهيَّة، يفيد من أقوال أهل العلم؛ من غير تعصُّب لمذهب من المذاهب أو عالم من العلماء.
وتأمَّلت الكتبَ الموجودة؛ قديمها وحديثها، فرأيتُ الحاجة المُبتغاة مُتناثرة هنا وهناك، ورأيت أقربها إِلى هذا المطلب كتاب "فقه السنَّة" للسَّيد سابق -حفظه الله- تبويباً وترتيباً وتيسيراً وعرضاً وتناولاً؛ فقد أدَّى كتابُه نفعاً عظيماً وجُهداً مباركاً، وقد استفدْتُ منه في كتابي هذا، ولا سيّما في كثيرٍ من العناوين والأدلّة، وكذلك من بعض عناوين المعلِّق على "الروضة الندية" للشيخ محمد الحلاق -حفظه الله- أسأل الله تعالى أن يتقبَّل منِّي ومنه.
بَيْد أنَّ الحاجة -فيما أرى- ما تزال مُلحَّة لوجود الكتاب الذي ذكرْتُ سماته في بداية حديثي، لأمور حديثيَّة وفقهيَّة وغير ذلك.
لذلك؛ شمَّرتُ عن ساعد الجدِّ، وأنا أعلمُ أنَّ الطريق طويلٌ، والجهد عظيمٌ؛ لأقوم بهذا العمل النافع المبارَك بإِذن الله.
وأرجو أن أنتفع من إِخواني بنصيحة أو توجيه أو اقتراح أو تصويب؛ فالمؤمن مرآة المؤمن؛ ليكون الكتاب على خير وجه -بإِذن الله تعالى-.
هذا، وقد رجعْتُ لشيخنا الألباني -شفاه الله تعالى وعافاه- في كثير من المسائل، فاستفدْتُ منه، وأنِسْتُ برأيه، فجزاه الله عنِّي وعن المسلمين خيراً.
ولعلك سترى بعد ذكر كلمة (شيخنا)(1) مرّة -حفظه الله تعالى- ومرّة -شفاه الله وعافاه- وقد ترى كلمة -شفاه الله وعافاه- قبل أو بعد
(1) شفاه الله وعافاه.
-حفظه الله تعالى- ذلكم أنه قد اشتدّ بشيخنا المرض في فترةٍ من الفترات، ثمَّ تحسَّن حاله، ثمَّ عاوده المرض.
كما أننّي كتبتُ بعض العبارات وهو يستمتع بالصحة والعافية، وعند تصحيح التجارب كان في مرضه، وهأنذا الآن على وشك الانتهاء من الكتاب، وقد اشتدّ به المرض، وهو على حالٍ لا أستطيع وصْفها تُذكِّرنا بمقولة قتيبة ابن سعيد -في حياة أحمد بن حنبل رحمه الله قال:"مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السنن، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع".
أخرجه ابن الأعرابي في "معجمه"(1254) والبيهقي في "مناقب الشافعي"(2/ 250)(1).
ولا أدري ما أقول! هل فقْدنا شيخنا الوالد عبد العزيز بن باز رحمه الله هيّأنا للمصاب الجلل الذي سيحلّ بالأمّة، أم أنّ ما نترقبّه من عظيم المصاب يهيّج أحزاننا على فراقه، وهذا كما قال الشاعر:
فقُلت له إِنّ الشجى يبعث الشجى
…
فدعني فهذا كلّه قبر مالك
أسأل الله العظيم، ربَّ العرش العظيم أن يتقبَّلَ منِّي عملي، وأن ينفَعني به وإِخواني المسلمين، وأن لا يجعل لأحدٍ منه شيئاً؛ إِنَّه سبحانه على كلِّ شيء قدير.
ثمَّ وقعت مصيبة الموت وكان ذلك قبل مغرب يوم السبت بساعة ونصف تقريباً لثمانية أيّام بقين من شهر جمادى الآخر سنة 1420 هـ الموافق
(1) وهذا من إِتحافات أخي الشيخ مشهور -حفظه الله ورعاه- في بعض دروسه النافعة في المساجد.
2/ 10/1999م فإِنّا لله وإِنّا إِليه راجعون، ونقول:"إِنَّ العين لتدمع، وإِنَّ القلب ليحزن، وإِنّا بفراقك يا شيخنا الألباني لمحزونون".
ورحم الله فقيه المحدثين ومحدّث الفقهاء وشيخ الإِسلام في هذا الزمان، وأجزل له المثوبة والأجر، وجمَعنا به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وقد قلت أيام حياته -رحمه الله تعالى-:
لولا تفضُّلُ ربِّنا الرحمنِ
…
بلقائكم يا شيخنا الألباني
ما كنتُ أشعر بالحياة وطعمها
…
ولَما استطَبْتُ العيش في عمّانِ
علّمتنا كيف النّجاة ننالُها
…
فالحمد للغفّار للمنّانِ
إِني سألْتُ الله أن ألقاكمُ
…
في جنّة الفردوس خير جنانِ
ومع الأحبّة والأعزّة كلُّهم
…
يا حبّذا عيشي مع الإِخوانِ
لا تحسبنّ القول نفثة شاعر
…
أو أنّني قد هِمْت في الودْيانِ
فالكذْب ليس بجائز في ديننا
…
لكنّها مِن غربة الإِيمانِ
وأقول الآن بعد مماته رحمه الله:
ودّعتنا يا شيخنا الألباني
…
وادَمعَتَا للعالِم الرباني
فارقْتنا والحزن ليس مفارقي
…
والدمع يعشق بعدكم أجفاني
أسفي على الدنيا بفقد إِمامنا
…
والحزن بعدك شيخنا يهواني
يا شيخنا إِنّ القلوب تفطرت
…
هذا عزائي أيها الثقلان
سأظل أذكركم ويذكرني الشجى
…
حتى يوافيَ قبريَ الملكان
قلبي يتاجر بالهموم فمن أتى
…
سيرى به سوقاً من الأحزانِ
أنظل نفرح بالربيع وزهره
…
وكذا بماءٍ صبَّ في الوديانِ
أم سوف يبهجنا هديل حمائمٍ
…
لما تبدّى الحزن من عمّانِ
أم سوف يُمتعنا السكون بليله
…
حين اختفى عن أمّتي القمرانِ
لمّا قضى عبد العزيز إِمامنا
…
ثمّ افتقَدنا بعده الألباني
ماذا يعيد إِلى القلوب سرورَها
…
ماذا يبدّد مبعثَ الأشجان
كيف السبيل إِلى ابتسام شفاهنا
…
تالله ليس لنا سوى الرحمنِ
ذاك الثرى قد ضمّ أغلى عالمٍ
…
فلتهنئي يا تربة (الهملان)(1)
ورجاؤنا استغفار نملٍ شيخنا
…
لكمُ ونرجو ذاك في الحيتان
منهاجَ خير الناس قد بصّرتنا
…
أرشدتنا نحيا مع البرهانِ
عرَّفتنا هدي النبي وصحبه
…
تالله هذا منهج القرآن
علّمتنا حبّ النبي وآله
…
حفّزتنا نسعى إِلى الغفرانِ
في دقّة الأقوال قد مرّستنا
…
درّبتنا نمضي إِلى الإِحسان
تالله شمس علومكم ما كُوّرت
…
تكوير شمسٍ جاء في القرآنِ
وبحار فهمك شيخنا ما سُجّرت
…
ستظل مغدقةً مع الأزمانِ
لكن بحار الكون يأتيها الفنا
…
تسجيرها آتٍ بغير توانِ
أمّا انكدار النجم فهو محقّقٌ
…
هذي عقيدتنا بلا نكرانِ
حين انكدار النجم يلمع علمكم
…
وبه المفازة بالمنى وجنان
من للحديث مصححاً ومضعّفاً
…
إِني شكوت البثّ للرحمن
(1) هي المقبرة التي دُفن فيها شيخنا -رحمه الله تعالى-.
من للفتاوى حين يعضل أمرها
…
مِن بعد فقدِك رائد الفرسان
من ذا يصدُّ المُحدِثين وكيدَهم
…
ويردُّ ما قالوا من الطغيان
من ذا سيُفحم كل صاحب بدعةٍ
…
من ذا سيلجم هجمة الفتانِ
إِنً الذي قد قال إِنك مرجئٌ
…
لا يعرف التأصيل في الإيمان
كبُر الكلام خروجه وقبوله
…
من فيه شخصٍ خاض في البهتان
من قال ذا الإِيمانُ ليس بثابتٍ
…
هو في ازديادٍ بل وفي نقصانِ
أو قال إنَّ الضُّر قد مس الفتى
…
حين اقتراف الذنب والعصيانِ
أو قال سبُّ المسلمين مُفسِّقٌ
…
وقتالهم يهدي إِلى الكفرانِ
كان المصيبَ وليس ذاك بمرجئ
…
هذا -وربي- الحقُّ يا إِخواني
فاترك هواك فإِنه لك قاتلٌ
…
وحذارِ أن تبقى على الهذيانِ
إِنَّ الهوى في قتلكم متجاهلٌ
…
دِيَةً ولم يورِث سوى الخسران
أو قائل ما أنت غيرَ محدّث
…
في الفقه ما عرفوا لكم من شانِ
ذاك امرؤٌ في جهله متخبّطٌ
…
إِنّ الجحود طبيعة الإِنسان
روّى الورى من فقهه فتأمّلن
…
"صفةَ الصلاة" مصنفَ الألباني
"أدب الزفاف" دقائقٌ ولطائفٌ
…
"إِرواؤُه" كالماء للعطشانِ
وكفى بـ "حكام الجنائز" درّةً
…
بيّنتَها للناس خير بيان
إنّ "الصحيحة" قد تعاظم نفْعها
…
منها عبيق المسك والريحان
و"مناسك الحج" التي صنّفتها
…
كانت وربّي تحفة الخلاّنِ
إِغفالكم إِغفال سنّة أحمدٍ
…
نسيانكم ضربٌ من العصيان
مهما حييتُ فلست أنسى فضلكم
…
إِني أخاف الله أن ينساني
لو كان ذلك جائزاً لوجدتني
…
والله في عجزٍ عن النسيانِ
أنا في قيامي للصلاة لخالقي
…
لا بد من ذكري إِمامي الحاني
لا بُدّ من ذكر الذي قد قاله
…
في ذي الصلاة وسائر الأركانِ
في الحجّ ماذا قال أو أفتى به
…
في الصوم في الصدقات في الإِحسانِ
لمّا يسبّح بعضهم في سبحةٍ
…
قد كان يذكر أحمد العدناني
فيقول هذا لم يَرِدْ في ديننا
…
ولذا تمثّل في جميع بناني
فإِذا السنون فنت سيبقى علمكم
…
تالله ما قدّمتَ ليس بفانِ
كم من فتاوى كنت تُفتينا بها
…
ستظل تذكركم بكل أمان
رباه ما أبغي الغلوّ فإِنّه
…
يدعو إِلى النيران والشيطان
لكن أردت أداء حقِّ إِمامنا
…
يا رب باعِدني عن الكفرانِ
رحم الإِله الشيخ أوسع رحمةٍ
…
وحباه ما يرجو من الرضوان
وكتب:
حسين بن عودة العوايشة
ثمَّ بلَغَنا وفاة الشيخ السيد سابق رحمه الله فكان عامنا هذا حافلاً بالأحزان لفَقْد جَمْعٍ من العلماء، وأقول ما قاله الإِمام البخاري حين بلغه نبأ وفاة الإِمام الدارمي -رحمهما الله تعالى-:
إِنْ تبْقَ تُفَجعْ بالأحبّة كلهم
…
وفناء نفسك -لا أبالك أفجع-.