الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا في "آداب الزفاف"(ص 123): "قال أبو داود في "المسائل" (26): "سمعت أحمد سُئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض؛ قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه! (قلت: يعني: هذا).
قلت: وتذهب إِليه؟ قال: نعم؛ إِنَّما هو كفَّارة.
قلت: فدينار أو نصف دينار؟ قال: كيف يشاء".
وذهب إِلى العمل بالحديث جماعةٌ آخرون من السلف؛ ذكر أسماءهم الشوكاني في "النيل"(1/ 244) وقوَّاه.
قلت: -أي شيخنا حفظه الله- ولعلَّ التمييز بين الدينار ونصف الدينار، يعود إِلى حال المتصدّق من اليسار أو الضّيق؛ كما صرَّحت بذلك بعض روايات الحديث؛ وإِنْ كان سنده ضعيفاً، والله أعلم".
متى يجوز إِتيان الحائض إِذا طهُرت
؟
قال في "روح المعاني"(2/ 122): " {حتى يطهُرن} والغاية انقطاع الدَّم عند الإِمام أبي حنيفة رضي الله عنه فإنْ كان الانقطاع لأكثر مدَّة الحيض حلَّ القربان بمجرَّد الانقطاع، أو إِنْ كان لأقلّ منها لم يحلّ إلَاّ بالاغتسال، أو ما هو في حُكمه من مضيّ وقت الصَّلاة، وعند الشافعية هي الاغتسال بعد الانقطاع، قالوا: ويدلُّ عليه صريحاً قراءة حمزة والكسائي وعاصم في رواية ابن عباس (يطَّهرن) -بالتشديد- أى: (يتطهَّرن) والمراد به: يغتسلن، لا لأنَّ الاغتسال معنى حقيقي للتطهير؛ كما يوهمه بعض عباراتهم -لأنَّ استعماله فيما عدا الاغتسال شائع في الكلام المجيد
والأحاديت؛ على ما لا يخفى على المتتبّع -بل لأنَّ صيغة المبالغة يُستفاد منها الطهارة الكاملة، والطهارة الكاملة للنساء عن المحيض هو الاغتسال- فلمَّا دلّت قراءة التشديد على أنَّ غاية حرمة القربان هو الاغتسال، -والأصل في القراءات التوافق- حُملت قراءة التخفيف عليها، بل قد يُدّعى أنَّ الطهر يدلّ على الاغتسال أيضاً، بحسب اللغة.
ففي "القاموس" طهُرت المرأة: انقطع دمها، واغتسلت من الحيض كتطهَّرت. وأيضاً قوله تعالى:{فإِذا تطهَّرن فأتوهنَّ} يدلّ التزاماً على أنَّ الغاية هي الاغتسال، لأنَّه يقتضي تأخّر جواز الإِتيان عن الغسل، فهو يُقوّي كون المراد بقراءة التخفيف الغُسل لا الانقطاع، وربما يكون قرينة على التجوز في الطهر، بحمله على الاغتسال إِن لم يسلّم ما تقدّم، وعلى فرض عدم التسليم هذا وذاك، والرجوع إِلى القول بأنَّ قراءة التخفيف من الطهر، وهو حقيقة في انقطاع الدم لا غير، ولا تجوُّز ولا قرينة، وقراءة التشديد من التطهر، ويستفاد منه الاغتسال".
وقال البغوي رحمه الله (1/ 197): تطهَّرن: يعني: اغتسلن.
قال في "المغني"(1/ 353): "فإِن انقطع دمها فلا توطأ حتى تغتسل".
وجملته أنَّ وطء الحائض قبل الغسل حرام، وإِن انقطع دمها في قول أكثر أهل العلم.
قال ابن المنذر: هذا كالإِجماع منهم، وقال أحمد بن محمد المروزي: "لا أعلم في هذا خلافاً
…
".
ولنا قول الله تعالى: {ولا تقربوهنَّ حتى يطهُرن فإِذا تطهَّرن فأتوهنَّ من حيث أمَركم الله} يعني: إِذا اغتسلن هكذا فسَّره ابن عباس، ولأنَّ الله تعالى قال في الآية:{ويحبُّ المتطهِّرين} فأثنى عليهم، فيدلّ على أنَّه فِعْل منهم؛ أثنى عليهم به، وفِعْلهم هو الاغتسال؛ دون انقطاع الدم، فشَرط لإِباحة الوطء شرطين:
انقطاع الدم والاغتسال، فلا يباح إلَاّ بهما؛ كقوله تعالى:{وابتلوا اليتامى حتى إِذا بَلَغُوا النكاح فإِنْ آنستم منهم رُشْداً فادفعُوا إِليهم أموالَهم} (1)، لمّا اشترط لدفع المال عليهم بلوغ النكاح والرّشد، لم يُبَح إلَاّ بهما، كذا هاهُنا، ولأنها ممنوعة من الصلاة لحدث الحيض، فلم يُبَح وطؤها كما لو انقطع لأقل الحيض، وما ذكروه من المعنى منقوض؛ بما إِذا انقطع لأقل الحيض، ولأنَّ حدث الحيض آكد من حدث الجنابة، فلا يصحّ قياسه عليه.
جاء في "الفتاوى"(21/ 624): "أمَّا المرأة الحائض إِذا انقطع دمها؛ فلا يطؤها زوجها حتى تغتسل إِذا كانت قادرة على الاغتسال، وإلا تيمَّمت كما هو مذهب جمهور العلماء، كمالك وأحمد والشافعي.
وهذا معنى ما يُروى عن الصحابة حيث روي عن بضعة عشر من الصحابة -منهم الخلفاء- أنَّهم قالوا: في المعتدَّة هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
والقرآن يدلُّ على ذلك، قال الله تعالى: {ولا تقربوهنَّ حتى يطهُرن فإِذا
(1) النساء: 6
تطهَّرن فأتوهنَّ من حيث أمركم الله} (1).
قال مجاهد: {حتى يطهُرن} يعني: ينقطع الدَّم، {فإِذا تطهَّرن}: اغتسلن بالماء، وهو كما قال مجاهد.
وإِنَّما ذكر الله غايتين على قراءة الجمهور، لأنَّ قوله:{حتى يطهُرن} غاية التحريم الحاصل بالحيض، وهو تحريم لا يزول بالاغتسال ولا غيره، فهذا تحريم يزول بانقطاع الدَّم، ثمَّ يبقى الوطء بعد ذلك جائزاً بشرط الاغتسال، لا يبقى محرَّماً على الإِطلاق، فلهذا قال:{فإذا تطهَّرن فأتوهنَّ من حيث أمركُم الله} .
وهذا كقوله: {فإِن طلَّقها فلا تحلُّ له من بعدُ حتى تَنكحَ زوجاً غيره} (2).
فنكاح الزوج الثاني غاية التحريم الحاصل بالثلاث، فإِذا نَكَحت الزوج الثاني زال ذلك التحريم، لكن صارت في عصمة الثاني؛ فحرمت لأجل حقّه، لا لأجل الطَّلاق الثلاث، فإِذا طلَّقها جاز للأوَّل أن يتزوَّجها.
وقد قال بعض أهل الظاهر: المراد بقوله: {فإذا تطهَّرن} أي: غسلْن فرجهنّ، وليس بشيء، لأنَّ الله قد قال:{وإِن كنتم جُنُباً فاطَّهروا} (3)؛ فالتطهّر في كتاب الله هو الاغتسال، وأمَّا قوله: {إنَّ الله يحبّ التَّوابين ويُحبُّ
(1) البقرة: 222
(2)
البقرة: 230
(3)
المائدة: 6
المتطهِّرين} (1) فهذا يدخل فيه المغتسل والمتوضئ والمستنجي، لكن التطهّر المقرون بالحيض؛ كالتطهر المقرون بالجنابة، والمراد به الاغتسال.
وأبو حنيفة رحمه الله يقول: إِذا اغتسلت، أو مضى عليها وقت صلاة، أو انقطع الدَّم لعشرة أيام حلَّت؛ بناءً على أنَّه محكوم بطهارتها في هذه الأحوال، وقول الجمهور هو الصواب كما تقدَّم، والله أعلم".
وجاء في الكتاب السابق أيضاً (ص624): "وسئل رحمه الله عن إِتيان الحائض قبل الغسل، وما معنى قول أبي حنيفة: فإِن انقطع الدَّم لأقل من عشرة أيام، لم يَجُزْ وطؤها حتى تغتسل؟ وإِن انقطع دمها لعشرة أيام جاز وطؤها قبل الغسل؟ وهل الأئمة موافقون على ذلك؟
فأجاب: أمَّا مذهب الفقهاء؛ كمالك والشافعي وأحمد فإِنَّه لا يجوز وطؤها حتى تغتسل، كما قال تعالى:{ولا تقربوهنَّ حتى يطهُرن فإِذا تطهَّرن فأتوهنَّ من حيثُ أمركم الله} ، وأمَّا أبو حنيفة فيجوِّز وطأها إِذا انقطع لأكثر الحيض، أو مرَّ عليها وقت الصَّلاة فاغتسلت، وقول الجمهور هو الذي يدلّ عليه ظاهر القرآن والآثار".
وقد رأيت قول شيخ الإِسلام رحمه الله المتقدِّم قد رجَّح عدم الوطء إلَاّ بعد الاغتسال، حين قال رحمه الله: "وقال بعض أهل الظاهر: المراد بقوله: {فإِذا تطهّرن} أي: غسلن فروجهنَّ، وليس بشيء؛ لأنَّ الله قد قال:{وإِن كنتم جُنُباً فاطَّهروا} .
فالتطهُّر في كتاب الله هو الاغتسال، وأمَّا قوله: {إِنَّ الله يحبُّ التوَّابين
(1) البقرة: 222
ويحبُّ المتطهِّرين}، فهذا يدخل فيه المغتسل والمتوضئ والمستنجي، لكن التطهّر المقرون بالحيض؛ كالتَّطهر المقرون بالجنابة والمراد به الاغتسال".
قلت: وزاد هذا الترجيح عندي ما جاء في "اللسان": "طَهَرت المرأة وطَهُرت وطَهِرت: اغتسلت من الحيض وغيره".
وطهُرت المرأة وهي طاهر: انقطع عنها الدَّم ورأت الطُّهر فإِذا اغتسلت؛ قيل تطهَّرت واطَّهَّرت، قال الله عز وجل:{وإِن كنتم جُنُباً فاطَّهَّروا} .
وروى الأزهري عن أبي العباس أنَّه قال في قوله عز وجل: {ولا تقربوهنَّ حتى يطُهرن فإِذا تطهَّرن فأتوهنَّ من حيث أمركم الله} وقرأ: {حتى يطَّهَّرْن} ، قال أبو العبّاس والفرّاء:"يطّهّرن لأنَّ من قرأ: {يطْهرن} أراد: انقطاع الدَّم، فإِذا تطهَّرن اغتسلن؛ فصيَّر معناهما مختلفاً، والوجه أن تكون الكلمتان بمعنى واحد؛ يُريد بهما جميعاً الغسل، ولا يحلّ المسيس إِلا بالاغتسال، وتُصدِّق ذلك قراءة ابن مسعود: {حتى يَتَطهَّرْن} ".
وقال ابن الأعرابي: "طَهَرت المرأة هو الكلام، قال: ويجوز طهُرت، فإِذا تَطَهَّرن: اغتسلن. وقال: تطهَّرت المرأة: اغتسلت".
وخلاصة القول: عدم جواز إِتيان الحائض إِذا طهُرت إِلا بعد الاغتسال (1).
(1) انتهيت إِلى هذا وأنا أعلم من شيخنا، أنه يرى جواز إتيان المرأة قبل الاغتسال بعد الطهر من الحيض أو النفاس؛ كما في الطبعة الأولى من الطبعة الجديدة من "آداب الزفاف" سنة 1409هـ. ثم سألته "هل رأيتم غير ذلك؟ "، فقال:"نعم، يَطْهُرن غير يَطَّهْرن، فلا بد من الاغتسال".