الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقَّق قوله تعالى: {فتيمَّموا صَعِيداً طيِّباً} (1) أم لا؟
وكذلك الأرض الرملية سواء مُطرت أم لم تُمطر؛ عند الضرب فلا غبار عليها، فهذا تكليف بما لا يُطاق.
ثمَّ ذكر سفر النّبيّ صلى الله عليه وسلم من المدينة إِلى تبوك وأكثرها رملية، ولم يصطحب عليه الصلاة السلام معه تراباً عند سفره.
ومن اشترط التراب فقد أوجب على المسافرين الذين يجتازون تلك المناطق؛ أن يصطحبوا معهم التراب.
وهذا يتناسب مع قاعدة: "يسِّروا ولا تعسِّروا"؛ وهو المُطابق لمزيَّة ما خَصَّه الله تعالى للنّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: "أعطيت خمساً لم يعطهنَّ أحد قبلي: نُصرت بالرُّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ
…
" (2). فإِذا أدركته في الرِّمال فهل يبحث عن الغُبار؟ واشتراط خروج شيء من الممسوح غير وارد"(3). وخلاصة القول: يجوز التيمُّم بالصعيد الطيّب سواء كان له غبار أم لا، وسواء كان تراباً أم لا، كما يجوز التيمُّم بالسبخة والرمال والجدار والصخرة الملساء ونحو ذلك، والله أعلم.
من يستباح له التيمُّم:
يُستباح التيمُّم لمن أحدث حدثاً أصغر أو أكبر، سواء كان في سفر أو
(1) النساء: 43
(2)
تقدّم.
(3)
كذا قاله شيخنا -حفظه الله تعالى- بمعناه.
حضر، للأسباب الآتية:
1 -
إِذا لم يجد الماء، لقوله تعالى: {
…
فَلَمْ تَجِدوا مَاءً فَتَيَمَّموا صَعِيداً طيباً} (1).
ولحديث عمران بن حصين "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يُصلِّ في القوم، فقال: يا فلان! ما منَعك أن تصلي في القوم، فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإِنَّه يكفيك"(2).
ولحديث أبي ذر رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإِن لم يجد الماء عشر سنين، فإِذا وجد الماء فليُمسّه بشره (3) فإِنَّ ذلك خير"(4).
ويدخل في معنى عدم وجود الماء؛ بُعده أو وجوده في بئر عميقة، أو صعوبة استخراجه لفقد الحبل أو الدلو، أو وجود حيوان مفترس عنده أو عدوّ آدمي؛ بحيث يتعذَّر الانتفاع به أو إِذا احتاجه لشُرب (5) أو لعجن، أو طبخ" أو
(1) النساء: 43
(2)
أخرجه البخاري: 348، ومسلم: 682 نحوه.
(3)
في بعض كتب الحديث بشرته، والمعنى واحد، قال في "مختار الصحاح": البشرة، والبشر: ظاهر جلد الإنسان.
(4)
أخرجه أحمد، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(107)، وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(321)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(311)، وانظر "المشكاة"(530)، و"الإِرواء"(153)، وتقدّم.
(5)
قال ابن حزم في "المحلى"(مسألة 242): ومن كان معه ماءٌ يسير يكفيه =
إِزالة نجاسة.
قال الحسن في المريض عنده الماء ولا يجد من يُناوله: "يتيمّم"(1).
جاء في "المغني"(1/ 238): "ومن حال بينه وبين الماء سبع أو عدو أو حريق أو لص فهو كالعادم، ولو كان الماء بمجمع الفساق، تخاف المرأة على نفسها منهم فهي عادمة
…
".
وفيه أيضاً (1/ 239): "ومن كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء، فهو كالعادم
…
".
قال في "الدراري"(1/ 85): "فإِنَّ من تعذّر عليه استعمال الماء فهو عادم للماء، إِذ ليس المراد الوجود الذي لا ينفع؛ فمن كان يشاهد ماءً في قعر بئر يتعذّر عليه الوصول إِليه بوجه من الوجوه؛ فهو عادم.
2 -
إِذا خشي الضرر من استعمال الماء؛ لمرض أو جرح أو شدَّة برودة، وكان عاجزاً عن تسخينه؛ لقوله تعالى:{ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم إنَّ اللهَ كان بكم رحيماً} (2).
وعن جابر قال: "خرجنا في سفر؛ فأصاب رجلاً منّا حجر، فشجّه في رأسه، ثمَّ احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمُّم؟
= لشربه فقط؛ ففرْضه التيمُّم، لقوله الله تعالى:{ولا تقتُلُوا أَنْفسكُم} [النساء: 29]
(1)
أورده البخاري معلّقاً بصيغة الجزم، ووصَله إِسماعيل القاضي في "الأحكام" من وجه صحيح كما ذكر الحافظ في "الفتح"(1/ 441).
(2)
النساء: 29
فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلمّا قدِمنا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك فقال: قتلوه قتَلهم الله، ألا سألوا إِذ لم يعلموا؛ فإِنّما شفاء العِيّ السؤال" (1).
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفَقتُ إِن اغتسلتُ أن أهلِك، فتيمَّمْتُ، ثمَّ صلّيت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عمرو! صلّيت بأصحابك وأنت جُنُب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إِني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنْفُسَكم إِنَّ اللهَ كان بكم رحيماً} .
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً" (2).
وفي رواية: "فغسَل مغابنه وتوضّأ وضوءه للصلاة، ثمَّ صلّى بهم، فذكر نحوه
…
" (3).
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(325)، وابن ماجه، والدارقطنيّ، وصححه ابن السكن كما في "الدراري المضية"(1/ 821)، و"المشكاة"(531).
وقال شيخنا في "تمام المنة"(131): "هذا الحديث ضعَّفه البيهقي والعسقلاني وغيرهما، لكن له شاهد من حديث ابن عباس يرتقي به إِلى درجة الحسن
…
".
(2)
أخرجه أحمد، وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(323)، والدارقطنيّ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه النووي أيضاً وغيرهم، وعلّقه البخاري (1/ 95)، وقواه الحافظ ابن حجر كما في "الفتح"(1/ 454)، وصححه شيخنا وذكر أنه على شرط مسلم، وانظر "الإِرواء"(154).
(3)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(324)، والدارقطني وغيرهما، وانظر "الإِرواء"(154).