الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحيحة المقتضية لعدم نجاسة ذوات المشركين؛ كما ورد في أكل ذبائحهم وأطعمتهم والتوضُّؤ في آنيتهم والأكل فيها؛ كان ذلك دليلاً على أنَّ المراد بالنجاسة المذكورة في الآية غير النجاسة الشرعية".
وجاء في "السيل الجرَّار"(1/ 35): "وليس في نجاسة المسكر دليل يصلح للتمسُّك به
…
".
ثمَّ ذكر أن الرِّجْس في آية المائدة إِنَّما هو الحرام وليس النجس؛ بدلالة السياق.
ثالثاً: روث وبول ما يؤكل لحمه:
عن أنس رحمه الله قال: "قدِم أناس من عُكْل أو عُرَيْنة، فاجْتَوَوا (1) المدينة، فأمرهم النّبيُّ صلى الله عليه وسلم بلقاح (2)، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلمَّا صحُّوا، قَتَلوا راعيَ النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النَّعم، فجاء الخبر في أوَّل النهار، فبعَثَ في آثارهم، فلما ارتفع النهار؛ جيء بهم، فأَمَر، فقَطَع أيدِيَهم وأرجُلَهم، وسُمِّرت (3) أعينُهم، وأُلقوا في الحَرَّة (4) يَستسْقون فلا
(1) أي: كرهوا المقام فيها لتضرّرهم بالإِقامة. قال ابن العربي: الجوى: داء يأخذ من الوباء، وهي بمعنى: استوخموا، وقد جاءت في رواية أخرى للبخاري: 4192، بهذا اللفظ.
(2)
أى: فأمرهم أن يلحقوا بها. واللِّقاح: النُّوق ذوات الألبان، واحدها لِقْحة بكسر اللام وِإسكان القاف، وقال أبو عمرو: يقال لها ذلك إِلى ثلاثة أشهر، ثمَّ هي لَبون. "فتح".
(3)
سُمّرت: لغة في السَّمل، وهو فقء العين بأي شيء كان، وقد يكون من المسمار، يريد أنَّهم كُحلوا بأميال قد أُحميت. "فتح".
(4)
الحرَّة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة.
يُسقون".
قال أبو قِلابة: "فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد أيمانِهم وحاربوا الله ورسولَه"(1).
قال الإِمام أبو البركات ابن تيمية رحمه الله: "
…
فإِذا أُطْلِق الإِذن في ذلك (2)، ولم يشترط حائلاً يقي من الأبوال، وأُطلق الإِذن في الشرب لقوم حديثي العهد بالإِسلام، جاهلين بأحكامه، ولم يأمر بغَسْل أفواههم وما يصيبهم منها؛ لأجل صلاة ولا غيرها، مع اعتيادهم شربها؛ دلَّ ذلك على مذهب القائلين بالطهارة" (3).
وقال رحمه الله: "فتحليل التداوي بها دليل على طهارتها، فأبوال الإِبل وما يلحق بها طاهرة"(4).
وقال: "والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه؛ تمسُّكاً بالأصل، واستصحاباً للبراءة الأصلية، والنجاسة حُكم شرعيٌّ ناقل عن الحُكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة، فلا يُقبل قول مدَّعيها إلا بدليل يصلُح للنقل عنهما، ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلاً كذلك
…
" (5).
(1) أخرجه البخاري: 233، ومسلم: 1671
(2)
أي: الشرب من هذه الأبوال.
(3)
"نيل الأوطار"(1/ 62).
(4)
"نيل الأوطار"(1/ 60).
(5)
"نيل الأوطار"(1/ 61).
واستدلَّ بهذا الحديث من قال بطهارة بول ما يُؤكل لحمه (1).
واستدلوا معه أيضاً بقول ابن مسعود رحمه الله: "إِنَّ الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم"(2)، وذلك أنَّ التحليل يستلزم الطهارة (3).
وفي الحديث: "صلّوا في مرابض الغنم (4)، ولا تصلُّوا في أعطان الإِبل (5) "(6).
وفي بعض الروايات: "فإِنَّها خُلقت من الشياطين"(7).
وعن جابر بن سَمُرة رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أأتوضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: "إِن شئت؛ فتوضأ، وإن شئت؛ فلا توضَّأ".
(1) انظر "نيل الأوطار"(1/ 60).
(2)
إِسناده صحيح موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه وعلَّقه البخاري بصيغة الجزم (كتاب الأشربة، باب شراب الحلواء والعسل، "الفتح" (78)، وقال شيخنا الألباني في "الصحيحة" تحت رقم (1633):"إِسناده صحيح".
(3)
ولكنَّ التحريم لا يستلزم النجاسة؛ كما تقدَّم.
(4)
جمع مَربِض -بفتح الميم وكسر الباء- وهو المأوى والمقرّ.
(5)
جمع عَطن؛ قيل: موضع إِقامتها عند الماء خاصّة، وقيل: هو مأواها المطلق، وسواء كان هذا أو ذاك؛ فالأبوال والأرواث حاصلة.
(6)
أخرجه الترمذي، وقال "حديث حسن صحيح" وانظر "الإرواء"(176). و"المشكاة"(739)، والنهي عن الصلاة في أعطان الإبِل لا يقتَضي القولَ بنجاستِها؛ كما لا يخفى.
(7)
أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(623)، وانظر "الإِرواء"(176).
قال: أتوضَّأ من لحوم الإِبل؟ قال: "نعم؛ فتوضَّأ من لحوم الإِبل". قال: أصلِّي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم". قال: أصلِّي في مبارك الإِبل؟ قال: "لا"(1).
جاء في "الفتاوى": "وسُئل عن بول ما يؤكل لحمه؛ هل هو نجس؟
فأجاب: أمّا بول ما يؤكل لحمه وروث ذلك، فإِنَّ أكثر السلف على أنَّ ذلك ليس بنجس وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما، ويُقال: إِنَّه لم يذهب أحد من الصحابة إِلى تنجيس ذلك، بل القول بنجاسة ذلك قول مُحْدَث، لا سَلَف له من الصحابة، وقد بَسَطنا القول في هذه المسألة في كتاب مفرد، وبيَّنَّا فيه بضعة عشر دليلاً شرعيّاً، وأنَّ ذلك ليس بنجس، والقائل بتنجيس ذلك ليس معه دليل شرعيٌّ على نجاسته أصلاً" (2).
وجاء فيه أيضاً: "
…
أنَّ هذه الأعيان لو كانت نجسة؛ لبيَّنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يبيِّنْه؛ فليست نجسة، وذلك لأنَّ هذه الأعيان تكثر ملابسة الناس لها، ومباشرتهم لكثير منها، خصوصاً الأمَّة التي بُعِث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإِنَّ الإِبِل والغنم غالب أموالهم، ولا يزالون يُباشرونها ويباشرون أماكنها في مقامهم وسفرهم، مع كثرة الاحتفاء فيهم.
فلو كانت نجسة يجب غسل الثياب والأبدان والأواني منها، وعدم مخالطته، ويمنع من الصلاة مع ذلك، ويجب تطهير الأرض ممَّا فيه ذلك إِذا صُلّي فيها، ويحرُم شرب اللبن الذي يقع فيه بعْرها، وتُغسل اليد إِذا أصابها البول أو رطوبة البعر، إِلى غير ذلك من أحكام النجاسة؛ لوجب أن يبيِّن النّبيّ
(1) أخرجه مسلم: 360
(2)
انظر "الفتاوى"(21/ 613) وما بعدها.
- صلى الله عليه وسلم بياناً تحصل به معرفة الحكم، ولو بيَّن ذلك؛ لنُقِل جميعه أو بعضه؛ فإِنَّ الشريعة وعادة القوم توجب مِثل ذلك، فلمَّا لم ينقل ذلك؛ عُلِم أنَّه لم يبيِّن لهم نجاستها.
وعدم ذِكْر نجاستها دليل على طهارتها من جهة تقريره لهم على مباشرتها وعدم النَّهي عنه، والتقرير دليل الإِباحة، ومِن وجْه أنّ مِثل هذا يجب بيانه بالخطاب، ولا تُحال الأمّة فيه على الرَّأي؛ لأنَّه من الأصول، لا من الفروع
…
" (1).
وجاء فيه أيضاً: "ومتى قام المقتضي للتحريم أو الوجوب ولم يذكُروا وجوباً ولا تحريماً؛ كان إِجماعاً منهم على عدم اعتقاد الوجوب والتحريم، وهو المطلوب، وهذه الطريقة معتمدة في كثير من الأحكام"(2).
وفيه أيضاً: "
…
وهو إِجماع الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم في كل عصر ومصر على دياس الحبوب من الحنطة وغيرها بالبقر ونحوها، مع القطع ببولها وروثها على الحنطة، ولم ينكر ذلك منكر، ولم يغسل الحنطة لأجل هذا أحدٌ، ولا احترز عن شيء ممَّا في البيادر؛ لوصول البول إِليه، ولا أعلم لمن يخالف هذا شبهة" (3).
وفيه أيضاً: "ما ثبت واستفاض من أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته، وأدخَلها المسجد الحرام الذي فضَّله الله على جميع بقاع الأرض، ومعلوم أنَّه
(1) انظر "الفتاوى"(21/ 578 وما بعدها) بحذف يسير.
(2)
انظر "الفتاوى"(21/ 581).
(3)
"الفتاوى"(21/ 583 و 584)؛ بحذف يسير.
ليس على الدواب من العقل ما تمنع به من تلويث المسجد المأمور بتطهيره؛ للطائفين والعاكفين والرُّكَّع السجود، فلو كانت أبوالها نجسة؛ لكان فيه تعريض المسجد الحرام للتنجيس
…
" (1).
قال ابن عباس: "طاف النّبيّ صلى الله عليه وسلم على بعيره"(2).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "شكوت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفتُ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلّي إِلى جنب البيت، وهو يقرأ: {والطُّور وكِتابٍ مَسْطورٍ} (3) "(4).
قال ابن بطال: "في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحْمها المسجد إِذا احتيج إِلى ذلك؛ لأنَّ بولها لا ينجسه؛ بخلاف غيرها من الدواب"(5).
قال البخاري رحمه الله: "وصلّى أبو موسى في دار البريد والسِّرْقين
(1)"الفتاوى"(21/ 573 و 574)؛ بحذف يسير.
(2)
أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في "كتاب الصلاة" ووصله في "كتاب الحج" برقم (1607) من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: "طاف النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن" ورواه مسلم: 1272
والمحجن: عصا محنيَّة الرأس، والحجن: الاعوجاج.
(3)
الطور: 1 - 2
(4)
أخرجه البخاري: 1619
(5)
"الفتح" تحت الحديث (464).