الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكنتُ قديماً أرى أنَّ الحيض هو الدَّم الأسود فقط، لظاهر حديث فاطمة بنت حبيش رضي الله عنها المذكور في الكتاب، ثمَّ بدا لي وأنا أكتب هذه التعليقات؛ أنَّ الحقَّ ما ذكَره السيد سابق: أنَّه الحُمرة والصُّفرة والكُدرة أيضاً قبل الطهر؛ لهذا الحديث وشاهده، وبدا لي أيضاً أنَّه لا يعارضهما حديث فاطمة؛ لأنه وارد في دم الاستحاضة التي اختلط عليها دم الحيض بدم الاستحاضة، فهي تُميِّز بين دم الاستحاضة ودم الحيض بالسَّواد، فإِذا رأته تركَت الصَّلاة، وإِذا رأت غيره صلَّت، ولا يَحتَمل الحديث غير هذا، والله أعلم".
وجاء في "المحلّى"، (2/ 229): "وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإِسحاق وعبد الرحمن بن مهدي: الصّفرة والكُدرة في أيّام الحيض حيض، وليست في غير أيّام الحيض حيضاً.
وقال اللَّيث بن سعد: الدَّم والصُّفرة والكُدرة في غير أيام الحيض ليس شيء من ذلك حيضاً، وكلّ ذلك في أيام الحيض حيض".
جاء في "المغني"(1/ 349): "والصُّفرة والكُدرة في أيَّام الحيض من الحيض؛ يعني إِذا رأت في أيام عادتها صُفرة أو كُدرة فهو حيض، وإنْ رأته بعد أيام حيضها لم يُعتدَّ به؛ نصَّ عليه أحمد وبه قال يحيى الأنصاري وربيعة ومالك والثوري والأوزاعي وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وإسحاق".
مدَّته:
اختلف العلماء في أقلِّه وأكثره، فمِن قائل: أقلّ الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً، وقد رُوي هذا عن عطاء بن أبي رباح وأبي ثور، وروي عن
أحمد أنَّ أقلَّه يوم، وأنَّ أكثره سبعة عشر (1).
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 425): "اختلف العلماء في أقلّ الحيض وأقلّ الطهر، ونقل الداودي أنَّهم اتفقوا على أنَّ أكثره خمسة عشر يوماً، وقال أبو حنيفة: لا يجتمع أقل الطُّهر وأقلّ الحيض معاً، فأقل ما تنقضي به العدَّة عنده ستون يوماً، وقال صاحباه: تنقضي في تسعة وثلاثين يوماً؛ بناءً على أنَّ أقلَّ الحيض ثلاثة أيام، وأنَّ أقل الطّهر خمسة عشر يوماً، وأنَّ المراد بالقُرء الحيض، وهو قول الثوري، وقال الشافعي: القُرء: الطُّهر، وأقله خمسة عشر يوماً، وأقل الحيض يوم وليلة
…
".
"ويُذكر عن عليّ وشُريح (2) إِن امرأة جاءت ببيّنة من بطانة أهلها، ممّن
يُرضى دينُه أنَّها حاضت ثلاثاً في شهر صُدِّقت.
وقال عطاء (3): الحيض يومٌ إِلى خمسَ عشرة".
(1) انظر "الشرح الكبير"(1/ 320).
(2)
قال شيخنا في "المختصر"(1/ 91): "وصله الدارمي (1/ 212 - 213) بسندٍ صحيح عنهما به نحوه، وفيه قصَّة". وسياق هذه القصّة ما رواه الشعبي أنَّه "جاءت امرأة إِلى عليّ تُخاصِم زوجها طلقها، فقالت: حِضت في شهر ثلاث حِيَض، تطهر عند كلِّ قرء، وتصلّي جاز لها، وإلَاّ فلا، قال علي: قالون".
قال الحافظ (1/ 425): قال "وقالون بلسان الروم: أحسنت، فهذا ظاهر في أنَّ المراد أن يشهد له بأنَّ ذلك وقع منها".
(3)
قال الحافظ (1/ 425): وصله الدارمي بإِسناد صحيح، قال: أقصى الحيض خمس عشرة، وأدنى الحيض يوم".
وقال شيخنا في "المختصر"(1/ 91): وصله الدارمي (1/ 210 - 211) مفرّقاً =
والحقّ أنَّه لم يأتِ في تحديد مدّة الحيض ما ينهض للاحتجاج، وتحديد ذلك يعود للمرأة، ويكون على حالات، كما سيأتي قريباً -إِن شاء الله تعالى-.
قال في "المغني"(1/ 321): "ولنا أنَّه ورد في الشرع مطلقاً من غير تحديد، ولا حدَّ له في اللغة ولا في الشريعة؛ فيجب الرّجوع فيه إِلى العُرف والعادة
…
".
ثمَّ ذكر حالات نادرة عن علماء السلف في الحيض والطهر.
ثمَّ قال: "
…
وقولهنَّ يجب الرجوع إِليه لقوله تعالى: {ولا يحلّ لهنَّ أن يكتُمن ما خَلَقَ الله في أرحامهنَّ} (1) فلولا أنَّ قولهنَّ مقبول ما حرَّم عليهنَّ الكِتمَان، وجرى ذلك مجرى قوله:{ولا تكتموا الشَّهادة} (2)
…
".
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 425) بعد إِيراد قوله تعالى: {ولا يحلّ لهنَّ أن يكتُمن ما خَلَقَ اللهُ في أرحامهنَّ} : "وقد روى الطبري بإِسناد صحيح عن الزُّهري قال: بلغنا أنَّ المراد بما خلق الله في أرحامهن: الحمل والحيض؛ فلا يحلّ لهنَّ أن يكتمن ذلك لتنقضي العدَّة، ولا يملك الزوج الرجعة إِذا كانت له.
وروى أيضاً بإِسناد حسن عن ابن عمر قال: "لا يحلّ لها إِنْ كانت حائضاً أن تكتم حَيْضتها، ولا إِن كانت حاملاً أن تكتم حَمْلَها".
= نحوه، وسند "اليوم" حسن، وسند الباقي صحيح.
(1)
البقرة: 228
(2)
البقرة: 283
ومطابقة الترجمة للآية؛ من جهة أنَّ الآية دالَّة على أنَّها يجب عليها الإِظهار، فلو لم تُصدَّقْ فيه لم يكن فيه فائدة.
قال معتمر عن أبيه: سألتُ ابنَ سيرين عن المرأة ترى الدَّم بعد قُرئها بخمسة أيّام؟ قال: النِّساء أعلم بذلك" (1).
(1) ذكر الحافظ في "الفتح"(1/ 425) وَصْل الدارمي له وصحح شيخنا إِسناده في "المختصر"(1/ 91).