الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأيتنَّ- بماءٍ وسِدْر
…
" (1).
قال ابن المنذر: "وأجمعوا أنَّ الميِّت يُغسَّل غُسْل الجنابة"(2).
خامساً: الكافر إِذا أسلم:
لحديث قيس بن عاصم: "أنَّه أسلم، فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يغتسلَ بماء وسدر"(3).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصَّة ثمامة بن أُثال عندما أسلم: "أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمَره أن يغتسل"(4).
سادساً: غُسل الجُمُعة:
عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "غُسْل يوم الجُمُعة واجبٌ على كلِّ محتلم"(5).
قال الحافظ في "الفتح"(2/ 357): "وهو بمعنى اللزوم قطعاً".
(1) أخرجه البخارى: 1253، ومسلم: 939، وغيرهما، وتقدّم.
(2)
" الإِجماع"(ص 42).
(3)
أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي وهو في "صحيح سنن النسائي"(182)، وغيرهم. وانظر "الإِرواء"(128).
(4)
أخرجه البيهقيّ. وقال شيخنا في "الإِرواء"(128): "وهذا سند صحيح على شرط الشيخين
…
".
(5)
أخرجه البخاري: 879، ومسلم: 846، وغيرهما.
وفي رواية (1): "قال عمرو (2): أما الغُسل؛ فأشهد أنَّه واجب، وأمَّا الاستنان والطيب؛ فالله أعلم
…
".
وفي الحديث: "
…
إِذا جاء أحدُكم الجمعة؛ فليغتسل" (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لله تعالى على كلِّ مسللِ حقٌّ أن يغتسل في كلِّ سبعة أيام يوماً"(4).
وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنَّ عمر ابن الخطاب بينما هو قائمٌ في الخطبة يوم الجمعة؛ إِذ دخل رجلٌ من المهاجرين الأوَّلين من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فناداه عمر: أيَّةُ ساعةٍ هذه؟! قال: إِنِّي شُغِلْتُ، فلم أنْقَلِبْ إِلى أهلي حتى سمِعْتُ التَّأذين، فلم أزِدْ أن توضّأت. فقال: والوضوء أيضاً! وقد عَلِمْتَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمُرُ بالغُسْل"(5).
"وحكى ابن المنذر عن إِسحاق بن راهويه أنَّ قصَّة عمر وعثمان تدلُّ على وجوب الغسل، لا عدم وجوبه، من جهة تَرْك عمر الخطبة، واشتغاله بمعاتبة عثمان، وتوبيخ مِثله على رؤوس الناس، فلو كان ترْك الغسل مباحاً؛ لما فعل
(1) البخاري: 880
(2)
هو عمرو بن سليم الأنصاري الراوي عن أبي سعيد الخدري.
(3)
أخرجه البخاري: 877، ومسلم: 844
(4)
أخرجه البخاري: 898، ومسلم: 849، وغيرهما، قال ابن دقيق العيد في "إِحكام الأحكام" (1/ 331): الحديث صريح في الأمر بالغُسل للجمعة، وظاهر الأمر الوجوب، وقد جاء مُصرَّحاً به بلفظ الوجوب في حديث آخر
…
(5)
أخرجه البخاري: 878، ومسلم: 845
عمر ذلك، وإِنَّما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت، إِذ لو فعل؛ لفاتته الجمعة، أو لكونه كان اغتسل كما تقدَّم" (1).
قال في "نيل الأوطار"(1/ 292): "ولعلَّ النَّووي ومن معه ظنّوا أنَّه لو كان الاغتسال واجباً؛ لنزل عمر عن منبره، وأخذ بيد ذلك الصَّحابي، وذهب به إِلى المغتسل، أو لقال له: لا تقِفْ في هذا الجمع، أو: اذهب فاغتسل فإِننا سننظرك
…
، أو ما أشبه ذلك، ومِثل هذا لا يجب على من رأى الإِخلال بواجب من واجبات الشريعة، وغاية ما كُلِّفنا به في الإِنكار على من ترك واجباً هو ما فعَله عمر في هذه الواقعة، على أنَّه يُحتمل أن يكون قد اغتسل في أوَّل النَّهار، كما قال الحافظ في "الفتح"".
ثمَّ ذكر ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(2/ 21) حديث مسلم (231) عن حُمران بن أبان؛ قال: "كنت أضع لعثمان طهوره، فما آتي عليه يومٌ؛ إلَاّ وهو يُفيض، عليه نُطفة (2) ".
ثمَّ قال: "فقد ثبت بأصحِّ إِسناد أنَّ عثمان كان يغتسل كلَّ يوم، فيوم الجمعة يوم من الأيَّام بلا شكٍّ
…
".
وجاء في "نيل الأوطار"(1/ 290): "
…
قال النَّووي: فحُكي وجوبه عن طائفة من السلف، حكوه عن بعض الصحابة، وبه قال أهل الظاهر.
وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه الخطَّابي عن الحسن البصري
(1)"الفتح"(2/ 362)، وغيره.
(2)
قال النووي: "النُّطفة؛ بضم النون: وهي الماء القليل ومراده: لم يكن يمرُّ عليه يوم إلَاّ اغتسل"، وفي "النهاية": سمّي المنيّ نُطفة لقلّته.
ومالك، وحكاه ابن المنذر أيضاً عن أبي هريرة وعمَّار وغيرهما.
وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع من الصحابة ومن بعدهم، وحُكي عن ابن خزيمة، وحكاه شارح الغنية لابن سريج قَوْلاً للشافعي
…
".
وقال: "وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إِلى أنَه مستحبٌّ"(1).
وعن عبد الله بن أبي قتادة؛ قال دخل عليَّ أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: غُسلك هذا من جنابة أو للجمعة؛ قلت: من جنابة. قال: أعِد غُسلاً آخر؛ إِنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة؛ كان في طهارة إِلى الجمعة الأخرى"(2).
واحتجَّ من رأى عدم وجوب الغسل بحديث مسلم (857): "من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت؛ غُفِر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيَّام، ومن مسَّ الحصى؛ فقد لغا".
وعدُّوه من أقوى الأدلة على الاستحباب؛ كما في "التَّلخيص الحبير"
(1)"نيل الأوطار"(1/ 290). وانظر ما قاله في "المحلّى"(2/ 23 - 25) حول قصة عمر وعثمان رضي الله عنهما.
وممّا قاله رحمه الله: "
…
فصحَّ ذلك الخبر حُجَّة لنا وإجماعاً من الصحابة رضي الله عنهم إِذ لم يكن فيهم آخر يقول لعمر: ليس ذلك عليه واجباً".
(2)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده قريب من الحسن؛ قاله شيخنا في "صحيح الترغيب والترهيب"(703). وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، وانظر "الصحيحة"(2321). وذكَر الحافظ في "الفتح"(2/ 361) أنَّ الطحاوي أخرجه.
لابن حجر.
قال في "الفتح"(2/ 362): "ليس فيه نفي الغُسل، وقد ورد من وجه آخر في "الصحيحين" بلفظ: "من اغتسل"؛ فيحتمل أن يكون ذِكر الوضوء لمن تقدَّم غُسله على الذّهاب، فاحتاج إِلى إِعادة الوضوء".
قلت: وفي المعنى الذي أشار إِليه الحافظ أحاديث:
1 -
ما رواه البخاري (910) من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة، وتطهَّرَ بما استطاع من طُهرٍ، ثمَّ ادَّهن أو مسَّ من طيب، ثمَّ راح، فلم يفرِّق بين اثنين، فصلَّى ما كُتبَ له، ثمَّ إِذا خرج الإِمام أنصت؛ غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعة الأخرى".
2 -
ما رواه مسلم في "صحيحه"(857) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال: "من اغتسل، ثمَّ أتى الجُمُعة، فصلَّى ما قُدِّر له، ثمَّ أنصتَ حتى يفرُغ من خُطبته، ثمَّ يصلِّي معه؛ غفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعة الأخرى، وفَضْل ثلاثة أيام".
3 -
ما رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1763) من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة، فأحسن الغسل، ثمَّ لَبِس من صالح ثيابه، ثمَّ مسَّ من دهن بيته ما كتبَ الله له، أو من طيبه، ثمَّ لم يفرِّق بين اثنين؛ كفَّر الله عنه ما بينه وبين الجمعة قبلها".
قال سعيدٌ (1): "فذكرتُها لعمارة بن عمرو بن حزم؛ قال: صدق، وزيادة
(1) هو سعيد المقبري؛ أحد رواة الحديث.
ثلاثة أيّام" (1).
4 -
ما رواه أبو داود (2) وغيره، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة، ولَبِس من أحسن ثيابه، ومسَّ من طيب إِنْ كان عنده، ثمَّ أتى الجمعة، فلم يتخطَّ أعناق النَّاس، ثمَّ صلَّى ما كتَب الله له، ثمَّ أنصتَ إِذا خرج إِمامُه حتى يفرغَ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها".
قال ويقول أبو هريرة: "وزيادة ثلاثة أيّام"، ويقول:"إِنَّ الحسنة بعشر أمثالها".
واحتجُّوا أيضاً باستحبابه بما ثبت عن عكرمة: أنَّ أُناساً من أهل العراق جاؤوا فقالوا: يا ابن عبّاس! أترى الغُسل يوم الجمعة واجباً؛ قال: لا، ولكنّه أطهر وخيرٌ لمن اغتسل، ومن لم يغتسل؛ فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغُسل:
كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيِّقاً، مقاربَ السقف، وِإنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حارّ، وعَرَق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله تلك الريح؛ قال:"أيّها الناس! إِذا كان هذا اليوم؛ فاغتسلوا، وليمسَّ أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه".
(1) قال شيخنا: "إِسناده حسن". ورواه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(900)، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب"(704).
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(331) وغيره، وانظر "المشكاة"(1387).
قال ابن عباس: ثمَّ جاء الله بالخير، ولَبِسوا غير الصوف، وكُفُوا العمل، ووُسِّعَ مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق" (1).
قال الحافظ في "الفتح"(2/ 362): "وعلى تقدير الصحَّة؛ فالمرفوع منه وردَ بصيغة الأمر الدالَّة على الوجوب، وأمّا نفي الوجوب؛ فهو موقوف؛ لأنَّه من استنباط ابن عباس، وفيه نظر، إِذ لا يلزم من زوال السَّبب زوال المسبِّب".
وتُشعرنا الحال التي ذكرها ابن عباس رضي الله عنهما (2)؛ أنَّ هذا كان قبل أحاديث الإِيجاب، والله أعلم، فتأمَّل قوله: "ثمَّ جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصُّوف، وكُفوا العمل، ووُسّع مسجدهم
…
".
فهذا يدلُّ على التَّقادم الزَّمني كما هو ظاهر.
"ويُجاب أيضاً عن ربط الغُسل بالعِلَّة بأنَّه يقتضي سقوط الغُسل أصلاً، فلا يعدُّ فرضاً ولا مندوباً"(3).
واحتجُّوا أيضاً بما ثبت عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: كان النَّاس ينتابون (4) يوم الجمعة من منازلهم، والعوالي (5)، فيأتون في الغبار،
(1) حسّنه شيخنا كما في "صحيح سنن أبي داود"(340). وقال الحافظ في "الفتح"(2/ 362): "أخرجه: أبو داود، والطحاوي، وإسناده حسن".
(2)
وأيضاً عائشة رضي الله عنها في النقطة التالية.
(3)
انظر "الفتح"(2/ 363).
(4)
أي: يحضرونها نوباً، والانتياب: افتعال من النوبة. "فتح".
(5)
هي القرى التي حول المدينة على أربع أميال فصاعداً من المدينة.
ويصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إِنسانٌ منهم -وهو عندي- فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"لو أنَّكم تطهَّرتم ليومكُم هذا"(1).
واحتجُّوا بقولها أيضاً: "كان الناس مَهَنَةَ أنفسهم، وكانوا إِذا راحوا إِلى الجمعة، راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم"(2)
قال الحافظ: "وأجيب بأنَّه ليس فيه نفيُ الوجوب، وبأنَّه سابقٌ على الأمر به والإِعلام بوجوبه
…
" (3).
قلت: وهذا الحال الذي ذَكَرَته عائشة رضي الله عنها والأمر الذي وصفت يؤكِّد الوجوب؛ كما هو بيِّن؛ فليس هذان النصّان فقط ممّا يُقتصر على الاستدلال بهما على الوجوب؛ ليعلَّل بإِزالة الغبار والعرق.
وإِذا كانت كلمة (لو) هي الدالَّة على الاستحباب في نظر البعض في قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أنّكم تطهّرتم ليومكم هذا"، فهي كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"لو أنَّكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّله؛ لرزَقَكُمْ كما يرزُقُ الطَّير؛ تغدو خماصاً، وتروح بطاناً"(4).
(1) أخرجه البخاري: 902، ومسلم: 847
(2)
أخرجه البخارى: 903، ومسلم: 847
(3)
"الفتح"(2/ 363).
(4)
أخرجه أحمد، والترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح"، والحاكم، وقال:"صحيح الإسناد"، وأقره الذهبي.
وقال شيخنا: "بل هو صحيح على شرط مسلم؛ فإِنّ رجاله رجال الشيخين، غير ابن هبيرة وأبي تميم؛ فمن رجال مسلم وحده، وقد تابعه ابن لهيعة عن ابن هبيرة به". وانظر: "الصحيحة"(310).
واحتجُّوا أيضاً بحديث سمرة بن جندب؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضّأ يوم الجمعة؛ فبها ونعمت، ومن اغتسل؛ فالغُسْل أفضل"(1).
قال ابن حزم -رحمه الله تعالى- في "المحلَّى"(2/ 25): "
…
فسقَطَتْ هذه الآثار كلّها، ثمَّ لو صحَّت؛ لم يكن فيها نصٌّ ولا دليل على أنّ غسل الجمعة ليس بواجب، وإِنَّما فيها أنَّ الوضوء نعم العمل، وأنَّ الغُسل أفضلِ، وهذا لا شكَّ فيه، وقد قال الله تعالى:{ولوْ آمنَ أَهْلُ الكتابِ لكانَ خَيراَ لَهمْ} (2)؛ فهل دلَّ هذا اللفظ على أنَّ الإِيمان والتقوى ليس فرضاً؟! حاشا لله من هذا".
وقال -رحمه الله تعالى (3) -: "وكلُّ ما أخبرَ عليه السلام أنَّه واجب على كلِّ مسلم وحقُّ الله تعالى على كلِّ محتلم؛ فلا يحلُّ ترْكه، ولا القول بأنَّه منسوخ، أو أنَّه ندبٌ؛ إلَاّ بنصٍّ جليٍّ بذلك مقطوع؛ على أنَّه وارد بعده مبيِّن أنَّه ندْب، أو أنَّه قد نُسِخ؛ لا بالظُّنون الكاذبة المتروك لها اليقين".
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: "وأقوى ما عارضوا به حديث: "من توضّأ يوم الجمعة؛ فبها ونِعْمَت، ومن اغتسل؛ فالغسل أفضل"، ولا يُقاوم
(1) أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن، والنسائي، والدارمي، وانظر "المشكاة"(540).
(2)
آل عمران: 110
(3)
"المحلّى"(2/ 21).
سنده سندَ هذا الحديث (1)
…
" (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن اغتسل؛ فالغسل أفضل": لا ينفي الوجوب، فالأفضليَّة تجامع الوجوب ولا شكَّ، وهي في القول بالوجوب آكد من القول بسنِّيَّتها (3).
وقال الصنعاني رحمه الله: "وإِن كان حديث الإِيجاب أصحَّ؛ فإِنَّه أخرجه السبعة (4)؛ بخلاف حديث سمُرة، فلم يُخْرِجه الشيخان، فالأحوط للمؤمن أن لا يترك غُسل الجمعة"(5).
وذكر الصنعاني رحمه الله أيضاً في "سبل السلام"(1/ 156) أنَّ وجوب غسل يوم الجمعة أقوى من وجوب عدد من المسائل الفقهيَّة المختلف فيها.
وقال شيخنا -حفظه الله- في "تمام المنَّة"(12): "وجملة القول أنَّ الأحاديث المصرِّحة بوجوب غُسل الجمعة فيها حُكم زائد على الأحاديث المفيدة لاستحبابه، فلا تعارُض بينهما، والواجب الأخذ بما تضمَّن الزيادة فيها".
(1) أي: حديث: "من جاء منكم الجمعة فليَغتَسِل". رواه البخاري: 894 ومسلم: 846، وتقدّم في أول (غُسل الجمعة) بلفظ مقارب.
(2)
"إِحكام الأحكام"(1/ 332).
(3)
قاله شيخنا -حفظه الله- بمعناه.
(4)
وهم: أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
(5)
"سبل السلام"(1/ 156).
وقال في "نيل الأوطار"(1/ 292): "
…
وبهذا يتبيَّن لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلَّة على عدم الوجوب، وعدم إِمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب؛ لأنَّه وإِن أمكن بالنِّسبة إِلى الأوامر؛ لم يُمْكن بالنسبة إِلى لفظ (واجب) و (حقّ)؛ إلَاّ بتعسُّف لا يُلجئ طلبُ الجمع إِلى مِثله.
ولا يشكُّ من له أدنى إِلمام بهذا الشَّأن أنَّ أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدمه
…
".
قال الحازمي في "الاعتبار"(1): "الوجه الرابع والأربعون في ترجيح أحد الحديثين على الآخر: أن يكون في أحدهما احتياطٌ للفرض وبراءة الذمَّة بيقين، ولا يكون الآخر ذلك؛ فتقديم ما فيه الاحتياط للفرض وبراءة الذمَّة بيقين أولى".
وقال ابن دقيق العيد في "إِحكام الأحكام"(1/ 332): "
…
وأمَّا غير هذا الحديث (2) من المعارَضات المذكورة لما ذكرناه من دلائل الوجوب؛ فلا تقوى دلالته على عدم الوجوب؛ لقوَّة دلائل الوجوب عليه، وقد نصَّ مالك على الوجوب، فحمله المخالفون -ممَّن لم يمارس مذهبه- على ظاهره، وحُكي عنه أنَّه يروي الوجوب، ولم يرَ ذلك أصحابه على ظاهره".
قال الشيخ أحمد محمد شاكر: "الحقُّ الذي نذهب إِليه ونرضاه: أنَّ غُسل يوم الجمعة واجبٌ حتْم، وأنَّه واجب لليوم وللاجتماع، فمن تركه؛ فقد قصَّر فيما وجب عليه، ولكن صلاته صحيحة إِذا كان طاهراً.
(1) ص 37
(2)
أي: "من توضّأ يوم الجمعة؛ فبها ونعْمَت
…
".
وأيضاً؛ فإنَّ الأصل في الأمر أنَّه للوجوب، ولا يُصرف عنه إِلى النَّدب إلَاّ بدليل، وقد ورد الأمر بالغُسل صريحاً، ثمَّ تأيَّد في معنى الوجوب بورود النص الصريح الصحيح بأنَّ غُسل يوم الجمعة واجب، ومثل هذا الذي هو قطعيُّ الدّلالة، والذي لا يحتمل التَّأويل؛ لا يجوز أن يؤوَّل لأدلَّة أخرى، بل تؤوَّل الأدلَّة الأخرى إِنْ كان في ظاهرها المعارضة له، وهذا بيِّن لا يحتاج إِلى بيان" (1).
(1) انظر التعليق على "الرسالة" للإِمام الشافعي -رحمه الله تعالى- (ص 307) بشيء من الحذف.