الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن ابن عمر، قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها (يعني: النِّعال السِّبتيَّة (1)) ويتوضّأ فيها ويمسح عليها"(2).
وثبت عن أبي ظبيان: "أنَّه رأى عليّاً رضي الله عنه بال قائماً، ثمَّ دعا بماء، فتوضّأ، ومسح على نعليه، ثمَّ دخل المسجد فخلعَ نعليه (3) ثمَّ صلَّى"(4).
رابعاً: المسح على الخفِّ أو الجورَب المخرَّق
.
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-: "وأمَّا المسح على الخفِّ أو الجورب
(1) قال في "النهاية": السِّبت بالكسر: جُلود البقر المدبوغة بالقَرَظ يُتخذ منها النّعال، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ شعرها قد سُبِتَ عنها أي: خُلق وأُزيل، وقيل: لأنها انسَبَتت بالدِّباع: أي لانت.
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" من طريق ابن خزيمة، وسنده صحيح؛ وانظر كتاب "المسح على الجوربين" (ص 45). وزاد على ذلك فقال:"له طريق أخرى عن ابن عمر نحو رواية البزَّار، أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 97)، ورجاله ثقات معروفون، غير أحمد بن الحسين اللهبي، وله شاهد من حديث ابن عبَّاس: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضّأ مرّة مرّة، ومسح على نعليه"، أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف" (783)، والبيهقي (1/ 286)؛ من طريقين عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه. وهذا إِسناد صحيح غاية، وهو على شرط الشيخين".
(3)
يُستفاد من هذا أنَّ خلع النعال والجوارب ونحو ذلك بعد المسح لا ينقض الوضوء.
(4)
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" بسند صحيح. وانظر تحقيق "المسح على الجوربين"(ص 47) لشيخنا -حفضها الله تعالى-. وجاء في "تمام المنِّة"(115): "زاد البيهقيّ: "فأمّ الناس"، وِإسناده صحيح على شرط الشيخين".
المخرَّق؛ فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً؛ فأكثرهم يمنع منه، على خلاف طويل بينهم، تراه في مبسوطات الكتب الفقهيَّة و"المحلَّى"، وذهبَ غيرُهم إِلى الجواز، وهو الذي نختاره.
وحجَّتنا في ذلك أنَّ الأصل الإِباحة، فمن منع واشترط السَّلامة من الخرق أو وضع له حدّاً؛ فهو مردود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"كلُّ شرط ليس في كتاب الله؛ فهو باطل"، متفق عليه (1).
وأيضاً؛ فقد صحَّ عن الثَّوريِّ: أنَّه قال: امسحْ عليها ما تعلَّقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلَاّ مخرَّقة، مشقَّقة، مرقَّعة؟! أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف"(753)، ومن طريقه البيهقيُّ (1/ 283).
وقال ابن حزم (2/ 100): فإِن كان في الخفَّين أو فيما لبس على الرجلين خرقٌ صغيرٌ أو كبيرٌ طولاً أو عرضاً، فظهر منه شيء من القدم -أقلّ القدم أو أكثرها أو كلاهما- فكل ذلك سواء، والمسح على كلِّ ذلك جائز، ما دام يتعلَّق بالرجلين منهما شيء، وهو قول سفيان الثوريِّ وداود وأبي ثور وإسحاق ابن راهويه ويزيد بن هارون.
ثمَّ حكى أقوال العلماء المانعين منه على ما بيّنها من اختلاف وتعارُض، ثمَّ ردَّ عليها، وبين أنَّها ممّا لا دليل عليها سوى الرأي، وختم ذلك بقوله:
لكنَّ الحقَّ في ذلك ما جاءت به السنَّة المبيِّنة للقرآن؛ من أنَّ حُكم القدمين اللَّتين ليس عليهما شيء ملبوسٌ يمسح عليه أن يُغسلا، وحُكمهما إِذا كان عليهما شيء ملبوس أن يُمسح على ذلك الشيء، بهذا جاءت السنَّة،
(1) أخرجه البخاري: 2735، ومسلم: 1504
{وما كان ربّكَ نَسِيّاً} (1)، وقد عَلِم رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذ أمرَ بالمسح على الخفَّين وما يُلبس في الرجلين، ومُسِحَ على الجوربين: أنَّ من الخفاف والجوارب وغير ذلك ممَّا يُلبس على الرجلين المخرَّق خرقاً فاحشاً أو غير فاحش وغير المخرَّق، والأحمر والأسود والأبيض، والجديد والبالي، فما خصَّ عليه السلام بعض ذلك دون بعض، ولو كان حكمُ ذلك في الدين يختلف؛ لما أغفله الله تعالى أن يوحي به، ولا أهمَله رسول الله صلى الله عليه وسلم المفترض عليه البيان، حاشا له من ذلك، فصحَّ أنَّ حُكم المسمح على كلِّ حال، والمسح لا يقتضي الاستيعاب في اللغة التي بها خوطِبْنا.
وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "اختياراته"(ص 13): ويجوز المسح على اللَّفائف في أحد الوجهين، حكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخفِّ المخرَّق ما دام اسمه باقياً والمشي فيه ممكناً، وهو قديم قولَي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء.
قلت: ونسبه الرَّافعي في "شرح الوجيز"(2/ 370) للأكثريَّة، واحتجَّ له بأنَّ القول بامتناع المسح يُضيِّق باب الرخصة، فوجب أن يمسح، ولقد أصاب رحمه الله" (2) اهـ.
وأخيراً أقول: إِنَّ إِيراد هذه الاشتراطات التي ليست من الدين في شيء تجعلنا نردُّ رخصة الله علينا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يحبُّ أن تؤتى رخصُه
(1) مريم: 64
(2)
"إِتمام النصح في أحكام المسح"(84 - 86).
كما يكره أن تُؤتى معصيتُه" (1)!
وقال شيخ الإِسلام رحمه الله: "ومعلومٌ أنَّ الخفاف في العادة لا يخلو كثير منها عن فتقٍ أو خرقٍ، لا سيما مع تقادُم عهدها، وكان كثير من الصحابة فقراء، لم يكن يمكنهم تجديد ذلك.
ولما سُئِل النّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الصَّلاة في الثَّوب الواحد، فقال:"أوَ لكلِّكم ثوبان"(2)؟! وهذا كما أنَّ ثيابهم كان يكثر فيها الفتق والخرق حتى يحتاج لترقيع؛ فكذلك الخفاف" (3).
وقال رحمه الله: "وكان مقتضى لفْظه أنَّ كلَّ خفٍّ يلبسه النَّاس ويمشون فيه؛ فلهم أن يمسحوا عليه، وإن كان مفتوحاً أو مخروقاً؛ من غير تحديد لمقدار ذلك؛ فإِنَّ التحديد لا بدَّ له من دليل"(4).
وقال رحمه الله أيضاً: "وأيضاً؛ فأصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم الذين بلَّغوا سنَّته
وعملوا بها؛ لم يُنْقَل عن أحدٍ منهم تقييد الخفِّ بشيء من القيود، بل أطلقوا المسح على الخفّين، مع علمهم بالخفاف وأحوالها، فعُلم أنَّهم كانوا قد فهموا عن نبيِّهم جواز المسح على الخفّين مطلقاً.
وأيضاً؛ فكثير من خفاف النّاس لا يخلو من فتق أو خرق يظهر منه بعض القدم، فلو لم يجز المسح عليها؛ بطل مقصود الرخصة، لا سيِّما والذين
(1) أخرجه أحمد وغيره، وسنده صحيح على شرط مسلم، وانظر "الإِرواء"(564).
(2)
أخرجه البخاري: 358، ومسلم: 515، وغيرهما.
(3)
"الفتاوى"(21/ 174).
(4)
"الفتاوى"(21/ 174).