الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهة أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يُقرّ على ذلك لو كان حراماً، فاستوى الحال بين أن يكون حسَره باختياره، وانحسر بغير اختياره".
وهذا من الحافظ نظر دقيق، ويؤيده أن لا تعارض بين الروايتين، إِذ الجمع بينهما ممكن بأن يقال: حسَر النّبيّ صلى الله عليه وسلم الثوب فانحسر.
وقد جمع الشوكاني بين هذين الحديثين وبين الأحاديث المتقدّمة في أن الفخِذ عورة بأنهما حكاية حال، لا عموم لها. انظر "نيل الأوطار"(1/ 262).
ولعل الأقرب أن يقال في الجمع بين الأحاديث: ما قاله ابن القيم في "تهذيب السنن"(6/ 17): "وطريق الجمع بين هذه الأحاديث: ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمدَ وغيرهم: أنّ العورة عورتان: مخففة ومغلظة، فالمغلظة: السوأتان، والمخففة: الفخذان.
ولا تَنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين لكونهما عورة، وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة. والله أعلم".
قلت: وكأنّ الإمام البخاري رحمه الله أشار إِلى هذا الجمع بقوله المتقدّم: "وحديث أنس أسند، وحديث جَرهَد أحوط" اهـ.
ما يجب على المرأة سِتْره في الصلاة
يجب على المرأة أن تستر بدنها كلّه في الصلاة خلا الوجه والكفين، لقول الله تعالى:{ولا يُبدين زينتهنّ إِلَاّ ما ظَهَر منها} (1).
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره": "أي: لا يُظهرن شيئاً من الزينة
(1) النور: 31
للأجانب إِلا ما لا يمكن إِخفاءه".
قال ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 70): "وقد روينا عن جماعة من أهل التفسير أنهم قالوا في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إِلَاّ ما ظهر منها} الآية، أنّ ذلك الكفان والوجه، فممّن روينا ذلك عنه ابن عباس، وعطاء ومكحول، وسعيد بن جبير".
قال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "جلباب المرأة المسلمة"(ص 40): "
…
وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها؛ فمن قائل: إِنّها الثياب الظاهرة، ومن قائل: إِنّها الكحل والخاتم والسوار والوجه، وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في "تفسيره"(18/ 84) عن بعض الصحابة والتابعين، ثمَّ اختار هو أنّ المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان، فقال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عَنَى بذلك الوجه والكفين، يدخل في ذلك -إِذا كان كذلك- الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وإنّما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل؛ لإِجماع الجميع على أنّ على كلّ مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأنّ للمرأة أن تكشف وجهها وكفّيها في صلاتها، وأنّ عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، إلَاّ ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدْر النصف (1)، فإِذا كان ذلك من جميعهم إِجماعاً؛ كان معلوماً بذلك أنَّ لها أن تبديَ من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال، لأنَّ ما لم يكن عورة فغير حرام إِظهاره، وإِذا كان لها إِظهار ذلك؛ كان معلوماً أنَّه ممَّا استثنى الله تعالى ذكره بقوله: {إِلَاّ ما
(1) وهو حديث منكر وانظر "جلباب المرأة المسلمة"(ص 41).
ظهر منها}؛ لأنَّ كل ذلك ظاهر منها".
ثمَّ ذكر شيخنا (ص51) كلام القرطبي (12/ 229): "قال ابن عطية: ويظهر لي بحُكم ألفاظ الآية أنَّ المرأة مأمورة بأن لا تُبديَ، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بدَّ منه، أو إِصلاح شأن، ونحو ذلك فـ {ما ظهر} على هذا الوجه ممّا تؤدي إِليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه".
وقال -حفظه الله- (ص51 - 52) -بحذف يسير-: "
…
وبيانه أنَّ السلف اتفقوا على أنّ قوله تعالى: {إِلَاّ ما ظهَر منها} يعود إِلى فعلٍ يصدر من المرأة المكلَّفة، غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا فيما تظهره بقصدٍ منها، فابن مسعود يقول: هو ثيابها؛ أي: جلبابها. وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول: هو الوجه والكفان منها.
فمعنى الآية حينئذ: إلَاّ ما ظهرَ عادة بإِذن الشارع وأمرِه. ألستَ ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها -كما يفعل ذلك بعض المتجلببات- أنها تكون قد خالفَت الآية باتفاق العلماء؛ فقد التقى فِعْلها هذا مع فِعْلها الأول، وكلاهما بقصد منها؛ لا يمكن إلَاّ هذا، فمناط الحكم إِذن في الآية؛ ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة -فهذا ممّا لا مؤاخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضاً اتفاقاً - وإِنما هو فيما ظهر دون إِذنٍ من الشارع الحكيم".
وقال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنّة"(ص 160): "روى ابن أبي شيبة في "المصنّف" (4/ 253) عن ابن عباس في تفسير الآية
المذكورة: "قال: الكفّ ورقعة الوجه". وسنده صحيح.
"ورَوَى نحوه عن ابن عمر بسند صحيح أيضاً
…
".
وفي الحديث: "لا يقبل الله صلاة حائض (1) إلَاّ بخمار (2) "(3).
وروى عبد الرزاق من طريق أم الحسن قالت: "رأيت أمّ سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم تصلّي في دِرْع (4) وخمار"(5).
وعن عبيد الله الخولاني -وكان يتيماً في حِجر ميمونة- أنَّ ميمونة كانت تُصلّي في الدّرع والخمار ليس عليها إِزار" (6).
قال شيخنا في "تمام المنّة"(ص 162): "وفي الباب آثار أُخرى؛ مما يدلّ على أنَّ صلاة المرأة في الدرع والخمار كان أمراً معروفاً لديهم، وهو أقلّ ما يجب عليهنّ لستر عورتهنّ في الصلاة. ولا ينافي ذلك ما روى ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "تصلي المرأة
(1) هي التي بلَغت سنَّ المحيض وجرى عليها القلم، ولم يُرِدْ في أيام حيضها، لأنَّ الحائض لا صلاة عليها. "النهاية".
(2)
هو غطاء الرأس.
(3)
أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي شيبة وغيرهم، وهو حديث صحيح خرّجه شيخنا في "الإِرواء"(116).
(4)
درع المرأة: قميصها. "النهاية".
(5)
وإسناده صحيح كما في "تمام المنّة"(ص 162).
(6)
أخرجه مالك في "الموطّأ"، وعنه ابن أبي شيبة والبيهقي وإسناده صحيح، انظر "تمام المنّة"(ص 162).