الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: حديث: "من أدرَك ركعةً من الصبح
…
".
الأوقات التي ورَد النّهي عن الصَّلاة فيها
لقد ورَد النهي عن الصَّلاة في عِدّه مواطن، وهي ما يأتي:
1 -
بعد صلاة الفجر حتى تطلُع الشمس.
2 -
وحين طلوعها حتى ترتفع قدر رمح.
3 -
وحين استوائها.
4 -
وحين تميل إِلى الغروب.
5 -
وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس؛ وذكر بعض العلماء جواز ذلك قبل اصفرار الشمس، كما سيأتي إِن شاء الله.
ودليل ذلك:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتَّى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتَّى تطلع الشمس"(1).
(1) أخرجه البخاري: 586، ومسلم: 827
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم"(63 - 65) بحذف يسير: "فقد نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت الغروب، مُعلِّلاً ذلك النهي: بأنّها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنَّه حينئذ يسجُد لها الكفار. ومعلوم أنَّ المؤمن لا يقصد السجود إلَاّ لله تعالى، وأكثر النّاس قد لا يعلمون أنَّ طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أنَّ الكفار يسجدون لها، ثمَّ إِنَّه صلى الله عليه وسلم نَهى عن الصلاة في هذا الوقت حَسماً لمادّة المشابهة بكلّ طريق. =
وحديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه في قصة إِسلامه، وفيه:"فقلتُ: يا نبي الله! أخبِرني عمَّا علَّمك الله وأجهلُهُ، أخبرْني عن الصلاة؟ ".
قال: "صلِّ صلاة الصبح. ثمَّ أقْصِرْ عن الصَّلاة حتى تطلع الشمس حتَّى ترتفع، فإِنّها تطلعُ حين تطلعُ بين قرْني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثمَّ صلِّ فإِنَّ الصَّلاة مشهودةٌ محضورةٌ (1) حتَّى يستقلَّ الظِّلُّ بالرمح (2). ثمَّ أقصِرْ
=
…
وكان فيه تنبيهٌ على أنَّ كلّ ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها ممّا يكون كفراً أو معصية بالنية؛ يُنهى المؤمنون عن ظاهره، وإنْ لم يقصدوا به قصْد المشركين سدّاً للذريعة، وحسماً للمادة"، ولهذا نهَى عن الصلاة إِلى ما عُبد من دون الله في الجملة، وإِن لم يكن العابد يقصد ذلك، ولهذا يُنهى عن السجود لله بين يدي الرّجل، وإن لم يقصد الساجد ذلك، لِمَا فيه من مُشابهة السجود لغير الله.
فانظر كيف قَطَعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات، وكما لا يُصلّي إِلى القبلة التي يُصلون إِليها؛ كذلك لا يصلّي إِلى ما يُصلّون له؛ بل هذا أشدّ فساداً، فإِنَّ القبلة شريعة من الشرائع، قد تختلف باختلاف شرائع الأنبياء، أمَّا السجود لغير الله وعبادته؛ فهو مًحرّم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله، كما قال سبحانه وتعالى:{واسألْ من أرسَلْنا من قبلِك من رُسُلنا أجعَلْنا من دون الرحمن آلهةً يُعبدون} . [الزخرف: 45].
(1)
أي: تشهدها الملائكة وتحضرها.
(2)
قال النووي رحمه الله: أى: يقوم مقابله في جهة الشمال؛ ليس مائلاً إِلى المغرب ولا إِلى المشرق، وهذه حالة الاستواء، وفي الحديث التصريح بالنهي عن الصلاة حينئذ حتى تزول الشمس، وهو مذهب الشافعي وجماهير العلماء، واستثنى الشافعي حالة الاستواء يوم الجمعة.
وقال في "النهاية": أي: حتى يبلغ ظلّ الرمح المغروس في الأرض أدنى غاية القلَّة والنقص؛ لأنَّ ظلَّ كل شيء في أوّل النّهار يكون طويلاً، ثمَّ لا يزال ينقص حتى يبلغ أقصره =
عن الصَّلاة. فإِنَّ حينئذ تُسْجَرُ جهنم (1) فإِذا أقبل الفيءُ فَصَلِّ (2). فإِن الصَّلاة مشهودةٌ محضورةٌ، حتَّى تصلِّي العصر ثمَّ أقصِر عن الصَّلاة (3) حتَّى تغرب الشمس. فإِنّها تغرُب بين قرني شيطانٍ، وحينئذ يسجد لها الكفار" (4).
وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلِّي فيهنّ، أو أن نقبرَ فيهنّ موتانا (5): حين تطلعُ الشمس بازغةً (6) حتى ترتفع، وحين يقوم قائمُ الظهيرة (7) حتى تميل
= وذلك عند انتصاف النهار، فإِذا زالت الشمس عاد الظِّل يزيد، وحينئذ يدخل وقت الظهر، وتجوز الصلاة ويذهب وقت الكراهة. وهذا الظّل المتناهي في القِصَر هو الذي يسمّى ظلَّ الزوال، أي: الظل الذي تزول الشمس عن وسط السماء، وهو موجود قبل الزيادة. فقوله:"يستقل الرّمح بالظل" هو من القلة لا من الإِقلال والاستقلال الذي بمعنى الارتفاع والاستبداد، يقال: تقلل الشيء، واستقله، وتقالَّه: إِذا رآه قليلا.
(1)
أي: توقد إِيقاداً بليغاً. "شرح النووي".
(2)
أقبل الفيء: ظهر إِلى جهة الشرق، والفيء مختصّ بما بعد الزّوال، وأمّا الظلّ فيقع على ما قبل الزوال وبعده. "شرح النووي".
(3)
أي: أمسِكْ وكفّ.
(4)
أخرجه مسلم: 832، وغيره.
(5)
قال شيخنا -حفظه الله- في "تمام المنة"(ص 143): [الواجب] تأخير دفْن الجنازة حتى يخرج وقت الكراهة، إلَاّ إِذا خيف تغيّر الميت، وهو قول الحنابلة كما ذكره المؤلف [أي: السيد سابق -حفظه الله-] في كتاب "الجنائز".
(6)
البزوغ: ابتداء طلوع الشمس، يقال: بزغت الشمس، وبزغ القمر وغيرهما: إِذا طلعَت. "النهاية".
(7)
أي: قيام الشمس وقت الزوال، من قولهم: قامت به دابّته: أي: وقَفَت =
الشمس، وحين تضَيَّف (1) الشمس للغروب حتى تغرب" (2).
أمّا الصلاة بعد العصر؛ فقد ذكر بعض العلماء جوازها قبل اصفرار الشمس؛ لحديث عليّ رضي الله عنه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصَّلاة بعد العصر إلَاّ والشمس مرتفعة"(3).
وعن المقدام بن شريح عن أبيه قال: "سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر؛ فقالت: صلِّ، إِنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومك أهل اليمن عن الصلاة إِذا طلعت الشمس"(4).
= والمعنى: أنَّ الشمس إذا بَلَغَت وسط السماء أبطأت حركة الظلّ إِلى أن تزول، فيحسب النّاظر المتأمل أنها قد وقفت وهي سائرة؛ لكن سيراً لا يظهر له أثر سريع؛ كما يظهر قبل الزوال وبعده، فيُقال لذلك الوقوف المشاهد: قامَ قائم الظهيرة. "النهاية".
ويستثنى من ذلك التطوّع يوم الجمعة، كما سيأتي إِن شاء الله تعالى، وقال شيخنا في "تمام المنة" (ص143):"وفيه أحاديث كثيرة؛ تراجع في "زاد المعاد" و"إِعلام أهل العصر بحُكم ركعتي الفجر" للعظيم آبادي وغيرهما".
قال النووي: حال استواء الشمس، ومعناه: حين لا يبقى للقائم فى الظهيرة ظلٌّ في المشرق ولا في المغرب.
(1)
أي: تميل، يُقال: ضاف عنه يضيف. وانظر "النهاية".
(2)
أخرجه مسلم: 831، وغيره.
(3)
أخرجه أبو داود والنسائي وأبو يعلى في "مسنده" وغيرهم، وهو حديث صحيح خرَّجه شيخنا في "الصحيحة"(200).
(4)
قال شيخنا -شفاه الله- في "الضعيفة" تحت الحديث (945): "وسنده صحيح على شرط مسلم".
قال شيخنا في "الصحيحة"(1/ 342) بعد حديث "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس": "فهذا مطلق، يقيّده حديث عليّ رضي الله عنه وإلى هذا أشار ابن حزم رحمه الله بقوله المتقدِّم: "وهذه زيادة عدْل لا يجوز ترْكها".
ثمَّ قال البيهقي: "وقد رُوي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا. وروي ما يوافقه".
ثمَّ ساق هو والضياء في "المختارة"(1/ 185) من طريق سفيان قال: أخبَرني أبو إِسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي ركعتين في دبر كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ، إلَاّ الفجر والعصر".
قلتُ -أي: شيخنا حفظه الله تعالى-: "وهذا لا يخالف الحديث الأوّل إِطلاقاً، لأنَّه إنما ينفي أن يكون النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى ركعتين بعد صلاة العصر، والحديث الأوّل لا يُثبِت ذلك حتى يُعارَض بهذا، وغاية ما فيه أنَّه يدلّ على جواز الصَّلاة بعد العصر إِلى ما قبل اصفرار الشمس، وليس يلزم أن يفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما أثبت جوازه بالدليل الشرعي كما هو ظاهر.
نعم، قد ثبَت عن أمّ سلمة وعائشة رضي الله عنهما أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى ركعتين سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر، وقالت عائشة: إِنَّه صلى الله عليه وسلم داوم عليها بعد ذلك، فهذا يُعارض حديث عليّ الثاني، والجمع بينهما سهْل، فكلٌّ حَدَّث بما عَلِم، ومن عَلِم حُجَّةٌ على من لم يعلم، ويظهر أنَّ علياً رضي الله عنه عَلِم فيما بعد من بعض الصحابة ما نفاه في هذا الحديث،
فقد ثبَت عنه صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر، وذلك قول البيهقي: "وأمّا الذي يوافقه ففيما أخبَرنا
…
" ثمَّ ساق من طريق شعبة عن أبي إِسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: "كُنّا مع عليّ رضي الله عنه في سفر فصلَّى بنا العصر ركعتين، ثمَّ دخل فسطاطه (1) وأنا أنظر، فصلّى ركعتين".
ففي هذا أنَّ عليّاً رضي الله عنه عَمِل بما دلّ عليه حديثه الأوّل من الجواز.
وروى ابن حزم (3/ 4) عن بلال مُؤذِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم ينه عن الصلاة إلَاّ عند غروب الشمس".
قلت: وإِسناده صحيح، وهو شاهد قويّ لحديث عليّ رضي الله عنه وأمّا الركعتان بعد العصر، فقد روى ابن حزم القول بمشروعيّتهما عن جماعةٍ من الصحابة، فمن شاء فليرجع إِليه.
وما دلَّ عليه الحديث من جواز الصلاة ولو نفلاً بعد صلاة العصر وقبل إصفرار الشمس، هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذه المسألة التي كثُرت الأقوال فيها، وهو الذي ذهب إِليه ابن حزم تبعاً لابن عمر رضي الله عنهما كما ذكره الحافط العراقي وغيره، فلا تكن ممّن تغرّه الكثرة، إذا كانت على خلاف السُنَّة.
ثمَّ وجَدْتُ للحديث طريقاً أخرى عن عليّ رضي الله عنه بلفظ: "لا تصلُّوا بعد العصر، إلَاّ أن تُصلّوا والشمس مرتفعة". أخرجه الإمام أحمد (1/ 130): حدثنا إِسحاق بن يوسف: أخبرنا سفيان عن أبي إِسحاق عن
(1) الفُسطاط: -بالضم والكسر- المدينة التي فيها مجتمع الناس. "النهاية".
عاصم عن عليّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: فذكره.
قلت: وهذا سند جيّد، ورجاله كلّهم ثقات رجال الشيخين غير عاصم وهو ابن ضمرة السلولي وهو صدوق. كما في "التقريب".
قلت: فهذه الطريق مما يُعطي الحديث قوّة على قوّة، لا سيما وهي من طريق عاصم الذي روى عن عليّ أيضاً أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يصلّي بعد العصر، فادّعى البيهقي من أجل هذه الرواية إِعلال الحديث، وأجَبْنا عن ذلك بما تقدّم، ثمَّ تأكَّدْنا من صحة الجواب حين وقَفْنا على الحديث من طريق عاصم أيضاً. فالحمد لله على توفيقه" اهـ.
ثمَّ وجدت لابن المنذر في "الأوسط"(2/ 388 - 391) كلاماً مفيداً في ذلك.
قال رحمه الله (ص 388): "قد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهيه عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، فكان الذي يوجبه ظاهر هذه الأحاديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم الوقوف عن جميع الصلوات بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، فدّلت الأخبار الثابتة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أنَّ النهي إِنّما وقع في ذلك على وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، فممّا دلّ على ذلك حديث عليّ بن أبي طالب، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم، وهي أحاديث ثابتة بأسانيد جياد، لا مطعن لأحد من أهل العلم فيها. ثمَّ ساقها بأسانيده.
ثمَّ قال (ص390): (ذِكر الأخبار الدالة على إِباحة صلاة التطوّع بعد
صلاة العصر) ثمَّ ذكر حديث أم سلمة قالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر فصلّى ركعتين فقلت: يا رسول الله إِن هذه صلاة ما كنت تصليها؟ قال: قدم وفد بني تميم فحبسوني عن ركعتين كنت أركعهما بعد صلاة الظهر"(1).
وقال بعد ذلك: "قد ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلّى بعد العصر صلاة كان يصليها بعد الظهر شغل عنها وهي صلاة تطوع، فإِذا جاز أن يتطوع بعد العصر بركعتين جاز أن يتطوع المرء ما شاء من التطوع إِذا اتقى الأوقات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطوع فيها، مع أنا قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإِسناد ثابت لا أعلم لأحد من أهل العلم فيه مقالاً، أنّه كان يصلي بعد العصر ركعتين".
وذكر تحته عدداً من الأحاديث منها: حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عندي بعد العصر قط"(2).
وحديث الأسود بن يزيد ومسروق يقولان: "نشهد على عائشة أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي في يومي إلَاّ صلاها، تعني ركعتين بعد العصر"(3).
(1) أخرجه أحمد في "المسند"(10/ 179) برقم (26577)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(563، 564) ونحوه في "صحيح البخاري"(1233)، و"صحيح مسلم"(834).
(2)
أخرجه البخاري: 591، ومسلم: 835
(3)
أخرجه البخاري: 593، ومسلم: 835