الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة ما له سبب وقت الكراهة
ذهب بعض أهل العلم إِلى جواز صلاة ما له سبب؛ كتحيّة المسجد وسُنّة الوضوء بعد الصبح وعند اصفرار الشمس، واستدلُّوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنَّة الظهر بعد صلاة العصر، وغير ذلك من النصوص. وجاء في "الفتاوى" (23/ 178) باختصارٍ وتصرُّف: "في أوقات النهي، والنزاع في ذوات الأسباب، وغيرها. فإِن للناس في هذا الباب اضطراباً كثيراً.
فنقول: قد ثبت بالنص والإِجماع أنّ النهي ليس عاماً لجميع الصلوات، فإِنّه قد ثبت في "الصحيحين" عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك -وفي لفظ- فيتم صلاته -وفي لفظ- سجدة".
وكلها صحيحة وكذلك قال: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك -وفي لفظ-: فليتم صلاته -وفي لفظ-: سجدة"(1).
وفي هذا أمره بالركعة الثانية من الفجر عند طلوع الشمس. وفيه أنه إِذا صلى ركعة من العصر عند غروب الشمس صحت تلك الركعة، وهو مأمور بأن يَصل إِليها أخرى.
وقد ثبت أن أبا بكر الصديق قرأ في الفجر بسورة البقرة. فلمّا سلّم، قيل له: كادت الشمس تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.
فهذا خطاب الصديق للصحابة يبين أنها لو طلعت لم يضرهم ذلك، ولم تجدهم غافلين، بل وجدتهم ذاكرين الله.
وفي حديث جبير مرفوعاً: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا
(1) انظر "الإِرواء"(252) و (253).
البيت وصلّى أية ساعة من ليل أو نهار" (1).
فهذا العموم لم يخص منه صورة لا بنص ولا إِجماع، وحديث النهي مخصوص بالنص والإِجماع، والعموم المحفوظ راجح على العموم المخصوص. والبيت ما زال الناس يطوفون به، ويصلون عنده مِن حين بناه إِبراهيم الخليل، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل الهجرة يطوفون به، ويصلون عنده، وكذلك لما فتحت مكة كثر طواف المسلمين به، وصلاتهم عنده. ولو كانت ركعتا الطواف منهياً عنها في الأوقات الخمسة لكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك نهياً عاماً، لحاجة المسلمين إِلى ذلك، ولكان ذلك ينقل، ولم ينقل مسلم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، مع أن الطواف طرفي النهار أكثر وأسهل.
وفي النهي تعطيلٌ لمصالح ذلك الطواف والصلاة. وذوات الأسباب إِنما دعا إِليها داع؛ لم تفعل لأجل الوقت؛ بخلاف التطوع المطلق الذي لا سبب له، وحينئذ فمفسدة النهي إِنما تنشأ ممّا لا سبب له دون ما له السبب، ولهذا قال في حديث ابن عمر:"لا تحرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها"(2). وانظر الكتاب المذكور للمزيد من الفوائد.
(1) أخرجه الترمذي والنسائي والدارمي وغيرهم، وخرجه شيخنا في "الإِرواء"(481).
(2)
أخرجه البخاري: 582، ومسلم: 828