الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - النوم
.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة:
* والذين رأَوا عدم نقْضِه استدلّوا بأدّلة؛ منها:
قول أنس رضي الله عنه: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثمَّ يُصلّون ولا يتوضّؤون"(1).
وأيضاً ما ثبت عنه: أنَّه قال: "أُقيمت صلاة العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم يناجيه، حتى نام القوم (أو بعض القوم)، ثمَّ صَلَّوا"(2).
جاء في "تمام المنّة"(100 - 101) بعد حديث أنس: "قد ذكر الحافظ في "الفتح" (1/ 251) (3) نحو كلام ابن المبارك هذا، ثمَّ ردّه بقوله: لكن في "مسند البزّار" بإِسناد صحيح في هذا الحديث: "فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثمَّ يقومون إِلى الصَّلاة".
قلت (4): وأخرجه أيضاً أبو داود في "مسائل الإِمام أحمد"(ص 318) بلفظ: "كان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يضعون جنوبهم فينامون، فمنهم من يتوضّأ، ومنهم من لا يتوضّأ"، وإِسناده صحيح على شرط الشيخين.
(1) أخرجه مسلم: 376، وغيره.
(2)
أخرجه مسلم: 376
(3)
انظر "كتاب الوضوء، باب الوضوء من النوم ومن لم يرَ من النَّعسة
…
".
(4)
الكلام لشيخنا -حفظه الله تعالى-.
فهذا اللفظ خلاف اللفظ الأول: "تخفق رؤوسهم"(1)؛ فإِنَّ هذا إِنَّما يكون وهُم جلوس؛ كما قال ابن المبارك.
فإِمّا أن يُقال: إِنَّ الحديث مضطرب، فيسقط الاستدلال به.
وإِمَّا أن يُجمع بين اللفظين، فيُقال: كان بعضهم ينام جالساً، وبعضهم مضطجعاً، فمنهم من يتوضّأ، ومنهم من لا يتوضّأ، وهذا هو الأقرب؛ فالحديث دليل لمن قال: إِنَّ النّوم لا ينقض الوضوء مُطلقاً، وقد صحّ عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وابن المسيّب؛ كما في "الفتح".
وهو باللفظ الآخر؛ لا يمكن حمْله على النّوم مُمكِّناً مقعدته من الأرض، وحينئذ؛ فهو مُعارض لحديث صفوان بن عسال المذكور في الكتاب بلفظ: "
…
لكن من غائط وبول ونوم" (2)؛ فإِنَّه يدلُّ على أنَّ النّوم ناقض مُطلقاً؛ كالغائط والبول، ولا شك أنَّه أرجح من حديث أنس؛ لأنَّه مرفوع إِلى النّبيّ
(1) أي: ينامون حتى تسقط أذقانهم على صدورهم وهم قعود، وقيل هو من الخُفوق: الاضطراب. "النهاية". والحديث في "صحيح مسلم"(376).
(2)
ولفظه كما يأتي: عن زرّ بن حُبيش؛ قال: أتيتُ صفوان بن عسال المرادي أسأله عن المسح على الخُفَّين؟ فقال: ما جاء بك يا زرّ؟ فقلتُ: ابتغاء العلم. فقال: "إِنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يطلب"، قلت: إِنَّه حكَّ في صدري المسح على الخُفَّين بعد الغائط والبول، وكنتَ امرأ من أصحاب النْبيّ صلى الله عليه وسلم، فجئت أسألك: هل سمعته يذكر في ذلك شيئاً؟ قال: نعم؛ كان يأمرنا إذا كنّا سَفْراً -أو مسافرين- أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهنَّ؛ إلَاّ من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم
…
". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". "صحيح سنن الترمذي" (2801)، وغيره، وتقدّم مختصراً.
- صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك حديث أنس، إِذ من الممكن أن يكون ذلك قبل إِيجاب الوضوء من النّوم.
فالحقُّ أنَّ النَّوم ناقضٌ مُطلقاً، ولا دليل يصلح لتقييد حديث صفوان، بل يؤيّده حديث عليّ مرفوعاً:"
…
وكاء السَّهِ (1) العينان؛ فمن نام فليتوضّأ"، وإسناده حسن؛ كما قال المنذري والنّووي وابن الصّلاح، وقد بيّنْتُه في "صحيح أبي داود" (198)؛ فقد أمَر صلى الله عليه وسلم كلّ نائم أن يتوضّأ.
ولا يعكّر على عمومه -كما ظنَّ البعض- أنَّ الحديث أشار إِلى أنَّ النّوم ليس ناقضاً في نفسه، بل هو مَظِنّة خروج شيء من الإنسان في هذه الحالة؛ فإِنَّا نقول: لمّا كان الأمر كذلك؛ أمَر صلى الله عليه وسلم كلّ نائم أن يتوضّأ، ولو كان متمكّناً؛ لأنَّه عليه السلام أخبر أن العينين وكاء السَّهِ، فإِذا نامت العينان؛ انطلق الوكاء؛ كما في حديث آخر، والمتمكِّن نائم؛ فقد ينطلق وكاؤه، ولو في بعض الأحوال، كأن يميل يميناً أو يساراً، فاقتضت الحكمة أن يؤمر بوضوء كل نائم، والله أعلم.
وما اخترناه هو مذهب ابن حزم (2).
وهو الذي مال إِليه أبو عبيد القاسم بن سلام في قصَّة طريفة حكاها عنه ابن
(1) الوكاء: الخيط الذي تُشَدُّ به الصُّرَّة والكيس وغيرهما، جعل اليقظة للإست كالوكاء للقربة؛ كما أنَّ الوكاء يمنع ما في القربة أن يخرج، كذلك اليقظة تمنع الإِست أن تُحْدِث إلَاّ باختيار. و"السَّهِ": حَلْقة الدُّبر، وكنّى بالعين عن اليقظة؛ لأنَّ النَّائم لا عين له تُبصر. "النهاية".
(2)
وسيأتي قوله في آخر المسألة إِن شاء الله تعالى.
عبد البرّ فى "شرح الموطّأ"(1/ 57/2)؛ قال: كنتُ أُفتي أنَّ من نام جالساً لا وضوء عليه، حتى قَعَد إِلى جنبي رجل يوم الجمعة، فنام، فخرجَت منه ريح، فقُلت: قم فتوضّأ. فقال: لم أنَم. فقُلت: بلى، وقد خَرَجَت منك ريحٌ تنقض الوضوء، فجعلَ يحلف بالله ما كان ذلك منه، وقال لي: بل منك خَرَجت! فزايَلْت ما كنت أعتقد في نوم الجالس، وداعيْتُ غلبة النّوم ومخالطته القلب".
ثمَّ قال شيخنا -حفظه الله-: " (فائدة هامة): قال الخطابي في "غريب الحديث" (ق 32/ 2): وحقيقة النوم هو الغشية الثقيلة التي تهجم على القلب فتقطعه عن معرفة الأمور الظاهرة، والناعس هو الذي رهقه ثِقَل، فقطعه عن معرفة الأحوال الباطنة.
وبمعرفة هذه الحقيقة من الفرق بين النّوم والنّعاس؛ تزول إِشكالات كثيرة، ويتأكّد القول بأنَّ النّوم ناقض مطلقاً" اهـ.
قُلْت: وذكر الحافظ في "الفتح"(1/ 314) نقْل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتّابعين المصير إِلى أنَّ النوم حَدَث ينقض قليله وكثيره، وهو قول أبي عبيد وِإسحاق بن راهويه، قال ابن المنذر: "وبه أقول؛ لعموم حديث صفوان بن عسال
…
".
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(مسألة 158): "والنّوم في ذاته حَدَث ينقض الوضوء، سواء قلّ أو كثُر، قاعداً أو قائماً، في صلاة أو غيرها، أو راكعاً كذلك، أو ساجداً كذلك، أو متكئاً، أو مضطجعاً؛ أيقنَ من حواليه أنَّه لم يُحدث أو لم يوقنوا".