الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل التيمُّم يقوم مقام الماء
؟
قال شيخ الإِسلام في "الفتاوى"(21/ 352): "وتنازعوا هل يقوم (1) مقام الماء، فيتيمّم قبل الوقت، كما يتوضّأ قبل الوقت، ويصلّي به ما شاء من فروض ونوافل، كما يصلّي بالماء، ولا يبطل بخروج الوقت، كما لا يبطل الوضوء؟
على قولين مشهورين، وهو نزاع عمليّ
…
".
وقال -رحمه الله تعالى-: "وهذا القول هو الصحيح (2)، وعليه يدّل الكتابُ والسنّة والاعتبار؛ فإِن الله جعَل التيمُّم مُطهِّراً؛ كما جعَل الماء مطهِّراً، فقال تعالى: {
…
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} (3) فأخبر تعالى أنَّه يريد أن يُطهِّرنا بالتراب؛ كما يطهِّرنا بالماء" (4).
وقال رحمه الله: "ولنا أنّه قد ثبت بالكتاب والسنّة أنَّ التراب طهور، كما أنَّ الماء طهور، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "الصَّعيد الطيِّب طهور المسلم، ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإِذا وجدت الماء فأمِسّه بشرتك، فإِن ذلك خير" (5). فجعله مطهِّراً عند عدم الماء مطلقاً، فدلَّ على أنَّه مطهّر للمتيمّم،
(1) أي: التيمُّم.
(2)
أي: أنَّ التيمّم يقوم مقام الماء.
(3)
المائدة: 6
(4)
"الفتاوى"(21/ 436).
(5)
تقدّم.
وإِذا كان قد جعل المتيمّم مطهراً؛ كما أن المتوضئ مطهر، ولم يقيّد ذلك بوقت، ولم يقُل إِنَّ خروج الوقت يبطله، كما ذكر أنّه يبطله القدرة على استعمال الماء، دلّ ذلك على أنّه بمنزلة الماء عند عدم الماء، وهو موجب الأصول، فإِنَّ التيمُّم بدل عن الماء، والبدل يقوم مقام المُبدل في أحكامه، وإن لم يكن مماثلاً له في صفته، كصيام الشهرين؛ فإِنّه بدل عن الإِعتاق، وصيام الثلاث والسبع؛ فإِنّه بدل عن الهَدي في التمتُّع، وكصيام الثلاثة الأيام في كفّارة اليمين؛ فإِنّه بدل عن التكفير بالمال، والبدل يقوم مقام المُبدل
…
" (1).
وقال رحمه الله أيضاً: "والشارع حكيم إِنّما يُثبت الأحكام ويبطلها بأسباب تُناسبها، فكما لا يُبطل الطهارة بالأمكنة؛ لا يبطل بالأزمنة وغيرها؛ من الأوصاف التي لا تأثير لها في الشرع"(2).
وقال رحمه الله أيضاً: "والتيمّم كالوضوء فلا يبطل تيمّمه إلَاّ ما يبطل الوضوء، ما لم يقدر على استعمال الماء، وهذا بناءً على قولنا، وقول من وافَقنا على التوقيت في مسح الخفّين، وعلى انتقاض الوضوء بطهارة المستحاضة، فإِنَّ هذا مذهب الثلاثة: أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد"(3).
وقال رحمه الله كذلك: "وِإذا كان تطهّر قبل الوقت (4)، كان قد
(1)"الفتاوى"(21/ 353، 354).
(2)
"الفتاوى"(21/ 361).
(3)
"الفتاوى"(21/ 362).
(4)
أي: بالتيمّم.
أحسن، وأتى بأفضل ممّا وجب عليه، وكان كالمتطهر للصلاة قبل وقتها، وكمن أدَّى أكثر من الواجب في الزّكاة وغيرها، وكمن زاد على الواجب في الركوع والسجود، وهذا كلّه حسَن إِذا لم يكن محظوراً؛ كزيادة ركعة خامسة في الصلاة.
والتيمّم مع عدم الماء حسَن ليس بمحرّم، ولهذا يجوز قبل الوقت للنافلة ولمسّ المصحف وقراءة القرآن" (1).
وذكر رحمه الله "أنَّ هذا هو مذهب أبي حنيفة، وهو قول سعيد بن المسيّب، والحسن البصري، والزهري، والثوري، وغيرهم، وهو إِحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل"(2).
قال ابن حزم رحمه الله: "والمتيمّم يصلي بتيمّمه ما شاء من الصلوات: الفرض والنوافل ما لم ينتقض تيمّمه بحدَث أو بوجود الماء؛ وأمّا المريض؛ فلا ينتقض طهارته بالتيمّم إلَاّ ما ينقض الطهارة من الأحداث فقط؛ وبهذا يقول أبو حنيفة، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وداود.
وروينا أيضاً: عن حمّاد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: يصلي الصلوات كلها بتيمّم واحد مِثل الوضوء ما لم يُحدث.
وعن معمر قال: سمعتُ الزهري يقول: التيمُّم بمنزلة الماء، يقول: يصلّي به ما لم يُحدِث.
وعن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: صلّ بتيمّم واحد الصلوات كلها ما
(1)"الفتاوى"(21/ 363).
(2)
"الفتاوى"(21/ 352).
لم تُحدِث، هو بمنزلة الماء. وهو قول يزيد بن هارون، ومحمد بن علي بن الحسين وغيرهم" (1).
وقال رحمه الله أيضاً: "والتيمّم جائز قبل الوقت وفي الوقت، إِذا أراد أن يصلي به نافلة أو فرضاً كالوضوء ولا فرق؛ لأنَّ الله تعالى أمر بالوضوء والغسل والتيمّم عند القيام إِلى الصلاة، ولم يقُل تعالى: إِلى صلاة فرض دون النافلة؛ فكلّ مريد الصلاة: فالفرض عليه أن يتطهّر لها بالغسل إِن كان جنباً، وبالوضوء أو التيمُّم إِن كان محدثاً؛ فإِذ ذلك كذلك، فلا بد لمريد الصلاة من أن يكون بين تطهره وبين صلاته مُهلة من الزمان؛ فإِذ لا يمكن غير ذلك فمن حدّ في قدْر تلك المهلة حدّاً فهو مبطل؛ لأنه يقول من ذلك ما لم يأت به قرآن ولا سنّة ولا إِجماع ولا قياس ولا قول صاحب؛ فإِذ هذا كما ذكَرنا؛ فلا ينقض الطهارة بالوضوء ولا بالتيمّم: طول تلك المهلة ولا قِصَرها وهذا في غاية البيان، والحمد لله رب العالمين"(2).
وقال في موطن آخر (22/ 33): "وكلّ ما يباح بالماء يباح بالتيمّم".
وذكَر لي شيخنا الألباني -حفظه الله تعالى- " أنَّ كلَّ أحكام التيمُّم تنسحب على أحكام الوضوء، إلَاّ أن وجود الماء يُبطله". اهـ.
والنّبيّ صلى الله عليه وسلم أمَر المستحاضة أن تتوضّأ لكلّ صلاة؛ ولم يأمر مَن فقَد الماء أن يتيمّم لكلّ صلاة.
والخلاصة: إِن التيمُّم بدل من الماء عند عدمه؛ فيباح به الصلاة وغيرها،
(1)"المحلّى"(2/ 175).
(2)
"المحلى"(2/ 180)(المسألة 237).