الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبَرِّيَّة إِلى جنبه، فقال: ها هنا وثمَّ سواء" (1).
رابعاً: الدماء سوى دم الحيض والنفاس:
كنت قد تكلّمتُ في (باب النجاسات) عن نجاسة دم الحيض، وأما سائر الدِّماء؛ فطاهرة، سواء كان دم إِنسان أو دم مأكول اللحم من الحيوان؛ لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، والبراءة الأصلية مستصحبة، فلا يُترك هذا الأصل إلا بنصٍّ صحيح.
ومن الأدلة على ذلك:
قصّة ذلك الصحابي الأنصاري الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم وهو قائم يصلّي، فاستمرَّ في صلاته والدماء تسيل منه، وذلك في غزوة ذات الرقاع (2).
(1) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم (كتاب الوضوء، باب أبوال الإِبِل والدواب والغنم ومرابضها).
قال الحافظ: "وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له".
والسِّرقين: هو الزّبل، ويُقال له: السِّرجين بالجيم. والبرية: الصحراء، منسوبة إِلى البر.
ودار البريد المذكورة: موضع بالكوفة، كانت الرسل تنزل فيه إِذا حضرت من الخلفاء إِلى الأمراء، وكان أبو موسى أميراً على الكوفة في زمن عمر وفي زمن عثمان، وكانت الدار في طرف البلد، ولهذا كانت البرِّيَّة إِلى جنبها.
وقال المطرزي: البريد في الأصل: الدابَّة المرتبة في الرباط، ثمَّ سمّي به الرسول المحمول عليها، ثمَّ سُمّيت به المسافة المشهورة. "الفتح".
ومعنى سواء: يريد أنَّهما متساويان في صحة الصلاة. "الفتح" أيضاً.
(2)
أخرجه أبو داود وغيره من حديث جابر بسند حسن؛ كما في "الصحيحة"(300).
قال شيخنا -حفظه الله تعالى-: "ومن الظاهر أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَلِم بها؛ لأنَّه يبعُد أن لا يطَّلع على مِثل هذه الواقعة العظيمة، ولم يُنْقَل أنَّه أخبره بأنّ صلاته بطلت؛ كما قال الشوكاني (1/ 165) "(1).
وكذلك قول الحسن -رحمه الله تعالى-: "ما زال المسلمون يصلُّون في جراحاتهم"(2).
وعن محمد بن سيرين عن يحيى الجزَّار؛ قال: "صلى ابن مسعود رضي الله عنه وعلى بطنه فرث ودم جزور نحرها، ولم يتوضَّأ"(3).
وصحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً: "أنَّه نحر جزوراً، فتلطَّخ بدمها وفرْثها، ثمَّ أقيمت الصلاة، فصلى ولم يتوضَّأ"(4).
فائدة:
إِنَّ القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حُجَّة؛ إِلا أنَّه محرَّم بنصّ القرآن، فاستلزموا من التحريم التنجيس؛ كما فعلوا تماماً في الخمر، ولا يخفى أنَّه لا يلزم من التحريم التنجيس؛ بخلاف العكس؛ كما بيّنه الصنعاني في "سبل
(1) انظر "الصحيحة" تحت رقم (300).
(2)
أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم (كتاب الوضوء، باب من لم يرَ الوضوء إلَاّ من المخرَجيْن).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "الأمالي"(2/ 51/1) وغيره، وِإسناده صحيح؛ كذا في "الصحيحة"(تحت رقم 300).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 125)، وغيره؛ كما في "تمام المنّة"(ص 52).