الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: "وهذه المسألة تنقسم أقساماً كثيرة، يجمعها أنَّ كلَّ شيء أمَر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم باجتنابه أو جاء نصٌّ بتحريمه أو أمَر كذلك بغسله أو مسْحه؛ فكلُّ ذلك فرض يعصي مَن خالفه؛ لما ذكرنا قَبْل مِنْ أَنَّ طاعته تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فرض"(1).
ثانياً: قاعدة جليلة جامعة في تطهير النجاسات:
جاء في "السيل الجرَّار"(1/ 42): "والواجب اتِّباع الدليل في إِزالة عين النجاسة، فما ورد فيه الغَسْل حتى لا يبقى منه لون ولا ريح ولا طعم؛ كان ذلك هو تطهيره. وما ورَد فيه الصبُّ أو الرشُّ أو الحتُّ أو المسح على الأرض أو مجرَّد المشي في أرض طاهرة؛ كان ذلك هو تطهيره.
وقد ثبت في السنَّة أنً النعل الذي يصيبه القذر يطهَّر بالمسح، وهو من المغلَّظة اصطلاحاً، وكذلك ورد في الثوب إِذا أصابه القذر عند المشي على أرض قذرة أنَّه يطهِّره المرور على أرض طاهرة" (2).
ثالثاً: تطهير النجاسات:
1 - العَذِرة (الغائط):
وتُزال عند الاستنجاء بالماء أو الحجارة ونحوه:
أمّا الماء:
فلقوله تعالى: {فيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا} (3).
(1)"المحلَّى"(مسألة 120).
(2)
هناك تفصيلات طيبة (ص 46 وما بعدها)، فارجع إِليها -إِن شئت-.
(3)
التوبة: 108
وقد نزلت هذه الآية في أهل قِباء؛ لأنهم كانوا يستنجون بالماء؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال: "نزلت هذه الآية في أهل قِباء: {فيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا} ". قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية" (1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذا خرج لحاجته؛ أجيء أنا وغلام معنا إِداوة (2) من ماء؛ يعني: يستنجي به"(3).
وأمّا الحجارة:
فلقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار"(4).
وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا ذهب أحدُكم إِلى الغائط؛ فليستطب بثلاثة أحجار؛ فإِنَّها تجزئ عنه"(5).
وأمّا ما يسدُّ عن الحجارة؛ كالورق ونحوه؛ فإِنَّه مستنبَط من عدَّة نصوص؛ منها:
ما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: اتَّبعتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وخرج
(1) أخرجه أبو داود، والترمذي، وغيرهما، وهو في "صحيح سنن أبي داود"(34)، وصححه شيخنا في "الإِرواء"(45).
(2)
إناء صغير من جلد؛ كما تقدَّم.
(3)
أخرجه البخاري: 150، وتقدَّم.
(4)
أخرجه مسلم: 262
(5)
أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم، وصحّحه شيخنا -حفظه الله- في "الإرواء"(44).
لحاجته. فكان لا يلتفت، فدنوتُ منه، فقال:"ابغني أحجاراً أستنفض بها - أو نحوه-، ولا تأتني بعظم ولا روث"(1).
فنهيُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن العظم والرَّوث دالٌّ على جواز ما سواهما ممّا تزال به النجاسة، ولو لم يَجُزْ هذا؛ لقال له صلى الله عليه وسلم:"ابغني أحجاراً أستنفض بها" وسكت، أو قال: ولا تأتني بغيرها؛ بيدَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ولا تأتني بعظم ولا روث".
ومن المعلوم أنَّ النجاسات محصورة؛ بخلاف الأعيان الطاهرة؛ فإِنَّها غير ْمحصورة، فحصْر النهي عن العظم والروث يدلُّ على جواز استعمال غيرهما.
وقد علَّل النّبيّ صلى الله عليه وسلم سبب هذا النهي، فقال:"لا تستنجوا بالرَّوث ولا بالعظام؛ فإِنَّه زاد إِخوانكم من الجنِّ"(2).
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله: "
…
وهذا كما أنَّه لمَّا أمر بالاستنجاء بالأحجار؛ لم يختصَّ الحجر؛ إِلا لأنَّه كان الموجود غالباً، لا لأنَّ الاستجمار بغيره لا يجوز، بل الصواب قول الجمهور في جواز الاستجمار بغيره؛ كما هو أظهر الروايتين عن أحمد؛ لنهيه عن الاستجمار بالروث
(1) أخرجه البخاري: 155
قال الحافظ في "الفتح -بحذف يسير-: "ابغِني؛ بالوصل من الثلاثي؛ أي: اطلب لي، وفي رواية بالقطع؛ أي: أعنِّي على الطَّلب، يُقال: أبغيتك الشيء؛ أي: أعَنْتُك على طلبه، والوصل أليق بالسياق".
ومعنى أستنفض: "أستخرج بها وأستنجي، والنفض: هزّ الشيء ليطير غباره".
(2)
أخرجه الترمذي وغيره، وروى مسلم نحوه، وانظر "الإِرواء"(46).