الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلتُ: والذي جاء في "المجموع": "واحتجَّ مَن منَع الطهارة بسؤر السباع بحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النّبيَّ سئل عن الماء يكون بالفلاة وما ينوبه من السباع والدوابِّ؟ فقال: "إِذا كان الماء قُلَّتين؛ لم ينجس". قالوا: فدلَّ على أنَّ لورود السباع تأثيراً في تنجيس الماء
…
".
ما يُظنّ أنَّه نجس وليس كذلك
أولاً: المَنِيّ
(1):
ومن الأدلَّة على طهارته ما يأتي:
ما يرويه علقمة والأسود؛ أنَّ رجلاً نزل بعائشة رضي الله عنها فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة:"إِنَّما كان يجزئك إِنْ رأيته أن تغسل مكانه، فإِن لم ترَ؛ نضَحْتَ حوله، ولقد رأيتُني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرْكاً فيصلي فيه"(2).
وفي رواية: "لقد رأيتُني وإِنِّي لأحكُّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظُفُري"(3).
ولو كان المنيُّ نجساً؛ لما صلَّى النّبيُّ صلى الله عليه وسلم في ثوبه ذلك.
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله عن الفرك: "وهو قول غير واحد من
(1) وقد قال بعض أهل العلم بنجاسته، ولكن المتأمّل في النصوص وفقهها وأقوال أهل العلم يطمئنّ -إِن شاء الله تعالى- لطهارته.
(2)
أخرجه مسلم: 288، وغيره.
(3)
عن "صحيح مسلم": 290
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء؛ مِثل: سفيان، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإِسحاق؛ قالوا في المنِيِّ يصيب الثوب: يجزئه الفَرْك، وإِن لم يُغْسَل".
جاء في "السيل الجرَّار": "وقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم وغيره أنها كانت تفرك المنيَّ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي (1)، ولو كان نجساً؛ لنزَلَ عليه الوحي بذلك؛ كما نزل عليه الوحي بنجاسة النعال الذي صلَّى فيه"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أفرك المنيَّ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كان يابسا، ً وأمسحه أو أغسله -شكَّ الحُميدي- إذا كان رطباً"(3).
وتردُّد الحميدي بين المسح والغسل لا يضرُّ؛ فإِنَّ كلَّ واحد منهما
(1) ليس في "صحيح مسلم" كما نبَّه أحد الأخوة، وِإنما هو في:"صحيح ابن خزيمة"(290)، وصحّحه شيخنا.
(2)
يشير بذلك اٍلى حديث أبي سعيد رحمه الله قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بأصحابه؛ إِذ خلَع نعليه، فوضعَهما عن يساره، فخَلَعَ الناس نعالَهم، فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته؛ قال: ما حمَلكم على إِلقائكم نعالكم؟ ". قالوا: رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا. قال: "إِنَّ جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً". أخرجه أبو داود وغيره، وانظر "الإرواء"(284)، وتقدّم.
(3)
أخرجه أبو عوانة، والطحاوي، والدارقطني؛ كما في "الإِرواء"(180)، وقال شيخنا -حفظه الله-:"وإسناده صحيح على شرط الشيخين".
ثابتٌ (1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت (2) المنيَّ من ثوبه بعِرْق الإِذخِر (3)، ثم يصلِّي فيه، ويحتُّه من ثوبه يابساً، ثم يصلِّي فيه" (4).
وعن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّه قال في المنيِّ يصيب الثوب: "أمِطْه عنك -قال أحدهم- بعودٍ أو إِذخِرة؛ فإِنَّما هو بمنزلة البصاق والمخاط"(5).
قال ابن حزم في "المحلَّى" المسألة (131): "والمنيُّ طاهر في الماء كان أو في الجسد أو في الثوب، ولا تجب إِزالته، والبصاق مثله، لا فرق".
وجاء في "سبل السلام"(1/ 55): "وقالت الشافعيَّة: المنيُّ طاهر، واستدلُوا على طهارته بهذه الأحاديث (6).
(1) من قول شيخنا -حفظه الله- في "الإِرواء"(180).
(2)
أي: يميطه. وفي "المحيط": "أخرجه بيده".
والسلت: يأتي بمعنى المسح أيضاً.
(3)
هو حشيش طيب الريح.
(4)
أخرجه أحمد وغيره، وإسناده حسن؛ كما في "الإِرواء"(180). ورواه ابن خزيمة في "صحيحه".
(5)
سنده صحيح على شرط الشيخين، وهو منكر مرفوعاً؛ كما في "الضعيفة"(948).
(6)
يريد أحاديث الفرك والحتّ ونحوها.
قالوا: وأحاديث غَسله محمولة على النَّدب وليس الغَسْل دليل النجاسة؛ فقد يكون لأجل النظافة وإِزالة الدَّرن ونحوه، قالوا: وتشبيهه بالبُزاق والمخاط دليل على طهارته أيضاً، والأمر بمسحه بخرقة أو إِذخِرة لأجل إِزالة الدَّرن المستكره بقاؤه في ثوب المصلي، ولوكان نجساً؛ لما أجزأ مسْحه".
وقد ورد غَسْل المنيّ؛ كما في بعض النصوص:
كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أغسل الجنابة من ثوب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فيخرُجُ إِلى الصلاة، وإِنَّ بُقَعَ الماء في ثوبه"(1).
وعنها رضي الله عنها أيضاً: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يغسل المنيَّ ثمَّ يخرج إِلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغَسْل فيه"(2).
وقال أبو عيسى رحمه الله: "وحديث عائشة رضي الله عنها أنَّها غسلت منيَّاً من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليس بمخالف لحديث الفَرْك؛ لأنَّه وإن كان الفرك يجزئ؛ فقد يستحبُّ للرَّجل أن لا يرى على ثوبه أثره".
وقال ابن حزم في "المحلَّى"(مسألة 131): "وأمّا حديث سليمان بن
يسار (3)؛ فليس فيه أمْر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغَسْله، ولا بإِزالته، ولا بأنَّه نجس،
(1) أخرجه البخاري: 229
(2)
أخرجه مسلم: 289
(3)
وقد تقدَّم بلفظ: "كان يغسل المنيَّ ثمَّ يخرج إِلى الصلاة في ذلك الثوب
…
".
وإِنَّما فيه أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يغسله، وأنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تغسله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ليست على الوجوب".
ثمَّ ذكر رحمه الله حديث أنس بن مالك رحمه الله في حكِّ البزاق باليد من المسجد.
ولفْظه -كما في البخاري (405) -: عن أنس: "أنَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القِبْلة، فشقَّ ذلك عليه، حتى رُئي في وجهه، فقام، فحكَّه بيده .. ".
قال ابن حزم رحمه الله: "فلم يكن هذا دليلاً عند خصومنا على نجاسة النخامة، وقد يغسل المرء ثوبه ممّا ليس نجساً".
وقال شيخ الإِسلام رحمه الله في "الفتاوى"(21/ 605): "وبالجملة؛ فخروج اللبن من بين الفرث والدم: أشبه شيء بخروج المنيِّ من مخرج البول"(1).
وقال رحمه الله: ومن المعلوم أنَّه لم ينقُل أحد أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من الصحابة بغَسْل المنيّ من بدنه وثوبه، فعُلم يقيناً أنَّ هذا لم يكن واجباً عليهم، وهذا قاطع لمن تدبَّره" (2).
وقال الحافظ في "الفتح": "
…
لا معارضة بين حديثي الغَسْل والفَرْك؛
(1)"الفتاوى"(21/ 603)، وله بحث نفيس في طهارة المني والردّ على من يقول بنجاسته (ص 589 وما بعدها) من مجلد (21).
(2)
"الفتاوى"(21/ 605).