الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبَراز (1) بلا إِزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الله عز وجل حييٌّ سِتير، يُحبُّ الحياء والسَّتر، فإِذا اغتسل أحدكم؛ فليستتر"(2).
هل يجزئ غُسل عن غُسل إِذا كانا واجبين
؟
قال شيخنا: "الذي يتبيَّن لي أنَّه لا يجزئ ذلك، بل لا بدّ من الغسل لكلّ ما يجب الغُسل له غُسلاً على حِدة، فيغُتسل للحيض غسلاً، وللجنابة غُسلاً آخر، أو للجنابة غسلاً، وللجمعة غُسلاً آخر.
لأنَّ هذه الأغسال قد قام الدليل على وجوب كل واحد منها على انفراده، فلا يجوز توحيدها في عمل واحد، ألا ترى أنَّه لوكان عليه قضاء شهر رمضان أنَّه لا يجوز له أن ينوي قضاءه مع صيامه لشهر رمضان أداءً! وهكذا يقال عن الصلاة ونحوها، والتفريق بين هذه العبادات وبين الغسل لا دليل عليه، ومن ادَّعاه؛ فليتفضَّل بالبيان" (3).
وقال -حفظه الله تعالى (4) -: "وقد عكس ابن حزم، فاستدلَّ بالحديث على ما ذهَبنا إِليه، فقال بعد أن ذكَر أنَّ من أجنب يوم الجمعة فلا يجزيه إلَاّ
(1) بالفتح الفضاء الواسع، وبالكسر: ثُفل الغذاء، وتقدّم.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3387) وغيره، وانظر "المشكاة"(447).
(3)
"تمام المنَّة"(126).
(4)
"تمام المنَّة"(127 و128).
غُسلان: غُسل ينوي به الجنابة، وغُسل آخر ينوي به الجمعة
…
إِلخ.
قال (2/ 43): برهان ذلك قول الله تعالى: {وما أُمِروا إِلَاّ ليَعْبُدوا الله مُخْلِصينَ له الدِّينَ} (1)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّما الأعمال بالنيات، ولكلّ امرئ ما نوى" وتقدّم، فصحّ يقيناً أنَّه مأمور بكل غُسل من هذه الأغسال، فإِذْ قد صحّ ذلك؛ فمن الباطل أن يجزئ عملٌ عن عملين أو أكثر، وصحّ يقيناً أنَّه إِنْ نوى أحدٌ ما عليه من ذلك؛ فإِنَّما له بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة الذي نواه فقط؛ وليس له ما لم ينوه، فإِنْ نوى بعمله ذلك غُسلين فصاعداً؛ فقد خالف ما أمر به؛ لأنَّه مأمور بغسل تام لكل وجه من الوجوه التي ذكَرنا، فلم يفعل ذلك، والغُسل لا ينقسم، فبطل عمله كلّه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ"(2).
ثمَّ ذكَر أنَّه ذهب إِلى ما اختاره من عدم الإِجزاء جماعة من السّلف، منهم جابر بن زيد والحسن وقتادة وإِبراهيم النخعي والحكم وطاوس وعطاء وعمرو ابن شعيب والزهري وميمون بن مهران، قال:"وهو قول داود وأصحابنا".
وقد ساق الآثار بذلك عنهم فراجِعْها، ويحسُن أن يلحق بهم أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه فقد رَوى الحاكم (1/ 282) من طريق يحيى ابن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل عليّ أبي وأنا أغتسل يوم الجمُعة، فقال: غُسلك من جنابة أو للجمعة؟ قال: قلت: من جنابة. قال: أعِد غُسلاً آخر، فإِنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة
(1) البيّنة: 5
(2)
أخرجه البخاري: 2697، ومسلم: 1718