الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّ الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المنيِّ؛ بأن يُحْمل الغَسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب".
قال: "وهذه طريقة الشافعيِّ وأحمد وأصحاب الحديث"(1).
ثانياً: الخمر:
وذلك لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، وليس هناك من دليل على نجاستها.
أمَّا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2).
فإِن كلمة "رجْس" تعني النجاسة الحُكمية لا الحسِّيَّة، وإلَاّ لَزمنا من ذلك أن نحكم بنجاسة الأنصاب والأزلام.
وكذلك التحريم لا يقتضي النجاسة، وإلا لزِمنا الحكم بنجاسة الأمهات والبنات والأخوات والعمَّات
…
لأنَّ الله تعالى يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ
…
} (3) الآية.
والطعام المسروق يحرُم أكْله، ولا يُقال بنجاسته.
جاء في "سُبُل السلام"(1/ 52): "والحقّ أنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، وأنَّ التحريم لا يلازم النجاسة؛ فإِنَّ الحشيشة محرَّمة طاهرة، وكذا المخدِّرات والسموم القاتلة لا دليل على نجاستها، وأمَّا النجاسة؛ فيلازمها
(1) انظر "الفتح"(1/ 332). وذكره الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 67).
(2)
المائدة: 90
(3)
النساء: بعض الآية 23
التحريم، فكلُّ نجس محرَّم، ولا عَكْس، وذلك لأنَّ الحكم في النجاسة هو المنع عن ملابستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكمٌ بتحريمها؛ بخلاف الحكم بالتحريم؛ فإِنَّه يحرُم لُبْس الحرير والذهب، وهما طاهران ضرورة شرعية وِإجماعاً".
وجاء في "الدراري المضيَّة"(1)(1/ 28): "ولو كان مجرَّد تحريم الشيء مستلزماً لنجاسته لكان مِثل قوله تعالى: {حُرِّمتْ عَليكُمْ أمَّهاتُكُم
…
} إِلى آخره دليلاً على نجاسة النساء المذكورات في الآية، وهكذا يلزم نجاسة أعيان وقع التصريح بتحريمها، وهي طاهرة بالاتِّفاق كالأنصاب (2) والأزلام (3) وما يُسكر من النباتات والثمرات بأصل الخِلقة.
فإِن قلتَ: إِذا كان التصريح بنجاسة شيء أو رجسيَّته يدلُّ على أنَّه نجس كما قلتَ في نجاسة الروثة ولحم الخنزير؛ فكيف لم تحكم بنجاسة الخمر لقوله تعالى: {إِنَّما الخَمْرُ والميْسِرُ والأنْصابُ والأزْلامُ رِجْسٌ} (4)؟!
قلتُ: لمَّا وقع الخمر هنا مقترناً بالأنصاب والأزلام؛ كان ذلك قرينة صارفة لمعنى الرجسية إِلى غير النجاسة الشرعية.
وهكذا قوله تعالى: {إِنَّما المُشْركونَ نَجَسٌ} (5)؛ لمّا جاءت الأدلَّة
(1) باختصار يسير.
(2)
هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها. "تفسير ابن كثير".
(3)
هي قداح كانوا يستقسمون بها. "تفسير ابن كثير".
(4)
المائدة: 90
(5)
التوبة: 28