الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصلي
…
".
قال في "المغني"(1/ 270): وإِذا وجد المتيمّم الماء وهو في الصلاة؛ خرج فتوضّأ أو اغتسل إِن كانْ جُنُباً واستقبل الصلاة.
قال: وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة وقال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر
…
وقال أيضاً: "ولنا قوله عليه السلام: "الصعيد الطيّب وضوء المسلم، وإنْ لم يجد الماء عشر سنين، فإِذا وجدت الماء فأمسَّه جلدك". أخرجه أبو داود والنسائي؛ دلَّ بمفهومه على أنَّه لا يكون طهوراً عند وجود الماء، وبمنطوقه على وجوب إِمساسه جلده عند وجوده، لأنَّه قدِرَ على استعمال الماء؛ فبطل تيمُّمه كالخارج من الصلاة، ولأنَّ التيمُّم طهارة ضرورة، فبطلت بزوال الضرورة
…
".
ما يُتيمَّم به وعدم اشتراط التراب:
قال شيخ الإِسلام -رحمه الله تعالى-: وقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، نكرة في سياق الإِثبات، كقوله:{إِنَّ الله يأمُرُكمْ أن تذْبَحوا بقَرَةً} (2)، وقوله:{فَتحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (3)، وقوله: {فصِيَامُ ثلاثَة أيَّامٍ في
(1) النساء: 43
(2)
البقرة: 67
(3)
النساء: 92
الحَجِّ وسَبْعَةٍ إِذا رَجعْتُم} (1)، وقوله:{فَمَنْ لم يجِدْ فَصيامُ ثلاثَةِ أيامٍ} (2)، وهذه تسمّى مطلقة، وهي تفيد العموم على سبيل البدل لا على سبيل الجمع، فيدلّ ذلك على أنّه يتيمّم أيّ صعيد طيّب اتفق، والطيِّب هو الطاهر، والتُّراب الذي ينبعث مراد من النصّ بالإِجماع، وفيما سواه نزاع سنذكره إِن شاء الله تعالى (3).
قال يحيى بن سعيد: "لا بأس بالصلاة على السَّبْخة (4) والتيمّم بها"(5).
وفي حديث عائشة الطويل: "
…
قد أُريت دار هجرتكم رأيت سَبْخةً ذات نخْل بين لابتين وهما الحرَّتان" (6).
قال ابن خزيمة عقب الحديث السابق في "صحيحه"(1/ 134): "ففي قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُريت سبْخة ذات نخل بين لابتين؛ وإعلامه إِيَّاهم أنها دار هجرتهم -وجميع المدينة، كانت هجرتهم- دلالة على أنَّ جميع المدينة سبخة، ولو كان التيمُّم غير جائز بالسّبخة وكانت السَّبخة على ما توهَّم بعض أهل عصرنا، أنَّه من البلد الخبيث، بقوله:{والذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَاّ نَكِدًا} ، لكان قول هذه المقالة أنَّ أرض المدينة خبيثة لا طيِّبة، وهذا قول بعض أهل العناد لمَّا ذمَّ أهل المدينة، فقال: إِنها خبيثة فاعلم أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم
(1) البقرة: 196
(2)
المائدة: 89
(3)
"الفتاوى"(21/ 348).
(4)
بتسكين الباء، وفي بعض النسخ بفتحها. هي الأرض المالحة لا تكاد تُنبت.
(5)
أخرجه البخاري معلّقاً بصيغة الجزم ولم يخرجه الحافظ.
(6)
أخرجه البخاري: 2297، والحرّة: الأرض ذات الحجارة السُّود.
سمّاها طيبة -أو طابة- فالأرض: السبخة هي طيبة على ما أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن المدينة طيبة، وإِذا كانت طيبة وهي سبخة؛ فالله عز وجل قد أمر بالتيمّم بالصعيد الطيب في نصِّ كتابه، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم قد أعلم أن المدينة طيبة -أو طابة- مع إِعلامهم إِياهم أنها سبخة، وفي هذا ما بان وثبت أنَّ التيمُّم بالسباخ جائز".
أمَّا تسمية طابة؛ فقد وردت في البخاري (1872) كما في حديث أبي حُميد رضي الله عنه قال: "أقبَلنْا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من تبوك؛ حتى أشرَفْنا على المدينة فقال: هذه طابة".
وروى مسلم (1385) وغيره عن جابر بن سمرة وقد قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ الله تعالى سمّى المدينة طابة".
وأما تسمية طَيْبَة؛ فقد ثبتت في "صحيح مسلم"(1384) أيضاً عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنها طَيْبَة (يعني: المدينة) وإِنِّها تنفي الخبث كما تنفي النّار خَبث الفضة".
قال شيخ الإِسلام رحمه الله في "الفتاوى"(21/ 364): "وأمّا الصعيد ففيه أقوال؛ فقيل: يجوز التيمُّم بكلِّ ما كان من جنس الأرض، وإِن لم يعلَق بيده، كالزرنيخ (1)، والنُّورة (2)، والجصّ (3)، وكالصخرة الملساء، فأمّا ما لم يكن من جنسها كالمعادن فلا يجوز التيمُّم به، وهو قول أبي حنيفة،
(1) في "المحيط": حَجَر معروف، منه أبيض وأحمر وأصفر.
(2)
في "الوسيط": حجر الكلس.
(3)
الجَصّ: ما يُبنى به وهو معرّب. "مختار الصحاح".
ومحمّد يوافقه، لكن بشرط أن يكون مُغبراً؛ لقوله:(منه)(1).
وقيل: يجوز بالأرض، وبما اتّصل بها حتى بالشَّجر، كما يجوز عنده وعند أبي حنيفة بالحجر والمدر (2)، وهو قول مالك،
…
وقيل: لا يجوز إلَاّ بتراب طاهر، له غبار يعلق باليد، وهو قول أبي يوسف والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى.
واحتج هؤلاء بقوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيدِيكم منه} ، وهذا لا يكون إلَاّ فيما يعلق بالوجه واليد، والصَّخر لا يعلق لا بالوجه ولا باليد، واحتجُّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"جُعلت لي الأرض مسجداً، وجُعلت تربتها طَهوراً". قالوا: فعمَّ الأرض بحُكم المسجد، وخصّ تربتها -وهو ترابها- بحُكم الطهارة.
واحتجّ الأولون بقوله تعالى: {صعيداً} ، قالوا: والصَّعيد هو الصَّاعد على وجه الأرضِ، وهذا يعمُّ كلَّ صاعد؛ بدليل قوله تعالى:{وإِنَّما لجاعِلُون ما عليها صعِيداَ جُرُزاً} (3)، وقوله:{فَتُصبحَ صعيداً زلقاً} (4).
واحتجّ من لم يخصّ الحكم بالتراب بأنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "جُعلت لي
(1) قال شيخنا -حفظه الله-: "
…
وهذه الآية ينبغي أن تُفهم من خلال السُّنَّة كما قال تعالى: {وأَنْزَلْنا إِليك الذِّكرَ لِتُبيِّنَ للنَّاسِ ما نزَلَ إِليهم} النحل: 44، فالدّم حرام في كتاب الله وكذلك الميتة، وبيّن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما لم يحرم من ذلك، فلا بدَّ من ضمّ السُّنّة للقرآن؛ لتكون النتيجة صحيحة وكاملة".
(2)
أي: الطين المتماسك. "النهاية".
(3)
الكهف: 8
(4)
الكهف: 40
الأرض مسجداً وطَهوراً؛ فأيّما رجل من أمّتي أدركتْهُ الصلاة فليصلِّ"، وفي رواية: "فعنده مسجده وطَهوره". فهذا يُبيِّن أنّ المسلم في أيّ موضع كان عنده مسجده وطهوره.
ومعلوم أنَّ كثيراً من الأرض ليس فيها تراب حرث، فإِن لم يجُز التيمُّم بالرّمل؛ كان مخالفاً لهذا الحديث، وهذه حجة من جوَّز التيمُّم بالرمل دون غيره، أو قرن بذلك السّبخة؛ فإِنَّ من الأرض ما يكون سبخة، واختلاف التُّراب بذلك كاختلافه بالألوان؛ بدليل قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ الله خلق آدم من قبضة قبَضَها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض؛ جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود، وبين ذلك، والسّهل والحزَن، والخبيث والطيب"(1).
وآدم إِنّما خُلق من تراب، والتُّراب الطيب والخبيث، الذي يخرج بإِذن ربّه، والذي خبُث لا يخرج إلَاّ نكدا، لا يجوز التيمُّم به فعُلم أنَّ المراد بالطيِّب الطاهر، وهذا بخلاف الأحجار والأشجار؛ فإِنها ليست من جنس التراب، ولا تعلق باليد، بخلاف الزرنيخ والنورة، فإِنها معادن في الأرض، لكنها لا تنطبع كما ينطبع الذهب والفضة والرصاص والنحاس". اهـ.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد"(1/ 200) في هديه في التيمُّم: "وكذلك كان يتيمّم بالأرض التي يصلَّي عليها؛ تراباً كانت أو سبخة أو رملاً، وصحَّ عنه أنه قال: "حيثما أدْركَتْ رجلاً من أمتي الصلاة فعنده
(1) أخرجه ابن سعد في "الطبقات"، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وغيرهم كما في "الصحيحة"(1630) والنص الذي ذكره شيخ الاِسلام رحمه الله نحوه.
مسجدُه وطَهوره" (1).
وهذا نصٌّ صريح في أنّ من أدركته الصلاة في الرّمل؛ فالرمل لى طهور، ولمّا سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك، قطعوا تلك الرّمال في طريقهم وماؤهم في غاية القلَّة، ولم يُروَ عنه أنَّه حملَ معه التراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه، مع القطع بأنَّ في المفاوز الرمال أكثر من التراب، وكذلك أرض الحجاز وغيره، ومن تدبَّر هذا؛ قطع بأنَّه يتيمّم بالرمل، والله أعلم، وهذا قول الجمهور".
قال في "نيل الأوطار"(1/ 328): "ويؤيد حمْل الصعيد على العموم تيمّمه صلى الله عليه وسلم من الحائط
…
".
وقال أيضاً: "قال ابن دقيق العيد: "ومن خصّص التيمُّم بالتراب، يحتاج إِلى أن يقيم دليلاً يخص به هذا العموم (2)
…
" (3).
وسألتُ شيخنا -حفظه الله- عن اشتراط بعض العلماء الغبار والتراب في التيمُّم فقال:
"إِنَّ الغبار ليس من شروط الصعيد، والصعيد هو وجه الأرض، فيشمل الصخرة والرمل والتراب.
والصخرة التي هطلت عليها الأمطار فلا غبار عليها، فهل حين التيمُّم بها
(1) أخرجه أحمد وإسناده حسن، وله شواهد عديدة ذكرها شيخنا في "الإرواء"(285).
(2)
أي: عموم حديث: "فأينما أدركَت رجلاً من أمّتي الصلاة
…
"
(3)
"نيل الأوطار"(1/ 329).