الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه لا يتيمّم، فكذلك يجب عليه في هذه الحالة أن يستعمل الماء، فإِنْ أدرك الصلاة فبها، وإِنْ فاتته فلا يلومنّ إلَاّ نفسه، لأنَّه هو الذي سعى إِلى هذه النتيجة.
هذا هو الذي اطمأنّت إِليه نفسي، وانشرح له صدري، وإِنْ كان شيخ الإِسلام وغيره قالوا: إِنّه يتيمّم ويصلِّي (1)، والله أعلم.
ثمَّ رأيت الشوكاني كأنّه مال إِلى هذا الذي ذكَرته فراجع "السيل الجرّار"(1/ 126 - 127) " (2) انتهى.
قلت: قال الشوكاني رحمه الله في "الدراري المضيّة"(1/ 86):
"وأمّا ما قيل من أنّ فوات الصلاة باستعمال الماء وإِدراكها بالتيمّم سبب من أسباب التيمُّم؛ فليس على ذلك دليل؛ بل الواجب استعمال الماء، وهو إِن كان تراخيه عن تأدية الصلاة إِلى ذلك الوقت لعذر مسوغ للتأخير كالنوم والسهو ونحوهما؛ فلم يوجب الله تعالى عليه إِلا تأدية الصلاة في ذلك الوقت بالطهور الذي أوجبه الله تعالى عليه، وإِن كان التراخي لا لعذر إِلى وقت لو استعمل الوضوء فيه؛ لخرج الوقت فعليه الوضوء، وقد باء بإِثم المعصية".
هل يُكره لعادم الماء جماع زوجته
؟
لا يُكره ذلك لقول أبي ذرّ للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: "كنت أعزُب (3) عن الماء، ومعي
(1) قد سبق قوله رحمه الله في "الاختيارات"، ولكنّه في عدة مواطن من "الفتاوى" رجَّح الرأي الآخر.
(2)
انظر "تمام المنَّة"(132، 133).
(3)
أي: أُبعِد. "النهاية".
أهلي؛ فتصيبني الجنابة، فأصلّي بغير طهور، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهو في رهطٍ من أصحابه، وهو في ظلِّ المسجد، فقال: أبو ذرّ؟ فقلت: نعم، هلكْتُ يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قلت: إِنّي كنتُ أعزب عن الماء، ومعي أهلي فتصيبني جنابة، فأصلّي بغير طهور.
فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فجاءت به جارية سوداء بعُس (1) يتخضخض ما هو بملآن، فتستَّرْتُ إِلى بعيري فاغتسلْت، ثمَّ جئتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إِنَّ الصعيد الطيّب طَهور، وإِن لم تجد الماء إِلى عشر سنين، فإذا وجدْتَ الماء فأمسَّه جِلدك" (2).
وروي عن ابن عبّاس في الرجل يكون مع أهله في السفر وليس معهم ماء؛ فلم ير بأساً أن يغشى أهله ويتيمّم (3).
قال ابن المنذر رحمه الله: "وبهذا القول نقول؛ لأنَّ الله تعالى أباح وطي الزوجة وملك اليمين، فما أباح فهو على الإِباحة، لا يجوز حظْر ذلك ولا المنع منه إلَاّ بسنّةٍ أو إِجماع، والممنوع منه: حال الحيض والإِحرام والصيام،
(1) العُسّ: القدح الكبير وجمعه عِساس وأعساس. "النهاية".
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(322) وأحمد والترمذي، وانظر "المشكاة"(530)، والشطر الأخير منه تقدم تخريجه.
قال في "نيل الأوطار"(1/ 326): "وذِكْر العشر سنين لا يدّل على عدم جواز الاكتفاء بالماء بعدها؛ لأنَّ ذِكرها لم يُرَد به التقييد، بل المبالغة؛ لأن الغالب عدم فُقدان الماء وكثرة وجدانه لشدة الحاجة إِليه، فعدَمُ وجدانه إنِّما يكون يوماً أو لبعض يوم.
(3)
"الأوسط"(2/ 17).
وحال المظاهر قبل أن يكفّر، وما وقع بتحريم الوطي منه بحجَّة، فأمّا كل مختلف فيه في ذلك، فمردود إِلى أصل إِباحة الكتاب الوطي، قال الله تعالى:{فإِذا تَطَهَّرنَ فَأْتُوهنَّ من حَيْثُ أَمَرَكم الله} (1).
وقد جعل التيمُّم طهارة لمن لم يجد الماء، ولا فرق بين من صلّى بوضوء عند وجود الماء، وبين من صلّى بتيمّم حيث لا يجد الماء؛ إِذ كلٌّ مؤدِ ممَّا فُرضَ عليه" (2).
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(2/ 192)(مسألة 247): "ومن كان في سفر ولا ماء معه، وكان مريضاً يشقّ عليه استعمال الماء؛ فله أن يُقبِّل زوجته ويطأها، وهو قول ابن عباس وجابر بن زيد والحسن البصري وسعيد بن المسيب، وقتادة وسفيان الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإِسحاق وداود وجمهور أصحاب الحديث". وذكَر أقوالاً وتفصيلات أخرى لبعض السلف.
وبوَّب لذلك أبو البركات رحمه الله في "منتقى الأخبار"(1/ 325): (باب الرُّخصة في الجماع لعادم الماء) وذكر حديث أبي ذر رضي الله عنه.
قال لي شيخنا -حفظه الله تعالى- بعد إِيراد حديث أبي ذر رضي الله عنه فقوله صلى الله عليه وسلم: "وإِن لم تجد الماء إِلى عشر سنين"؛ يُفهِم أنَّه لا يمكن
(1) البقرة: 222.
(2)
"الأوسط"(2/ 17).
أن يترك جِماعها في هذه المدّة؛ فلمن لم يجد الماء في غير سفر أن يجامع أهله فيتيمّم".