الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في "المغني"(1/ 260): "ويجوز أن يتيمّم جماعة من موضع واحد بغير خلاف؛ كما يجوز أن يتوضّأ جماعة من حوض واحد
…
".
إِذا كان التراب على بساط أو ثوب؛ فلا مانع من التيمُّم به، وذكر ذلك ابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 132).
صحَّة اقتداء المتوضّئ بالمتيمّم:
لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه فقد أمَّ قومه بعد أن تيمّم من الجنابة كما تقدّم (1). وبه استدلَّ الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 325).
وأيضاً لأنَّ التيمُّم يقوم مقام الماء مطلقاً كما تقدّم.
وجاء في البخاري: "وأَمَّ ابن عباس وهو متيمّم"(2).
قال مالك في "الموطأ": "من قام إِلى الصلاة فلم يجد ماءً فعمل بما أمره الله به من التيمُّم، فقد أطاع الله عز وجل، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه ولا أتمّ صلاة؛ لأنهما أُمِرا جميعاً؛ فكلُّ عمل بما أمره الله عز وجل به؛ وإِنّما العمل بما أمر الله تعالى به من الوضوء؛ لمن وجد الماء والتيمّم لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل في الصلاة".
عدم الإِعادة لمن صلّى بالتيمّم وإِن لم يفت الوقت:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر،
(1) ذكره البخاري معلّقاً بصيغة الجزم، وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 446):"وصله ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما، وإسناده صحيح".
(2)
انظر الحاشية السابقة.
فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمّما صعيداً طيباً فصلَّيا، ثمَّ وجد الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يُعِد الآخر، ثمَّ أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرا ذلك له فقال للذي لم يُعد:"أصبْت السنّة وأجزأَتْك صلاتك"، وقال للذي توضّأ وأعاد:"لك الأجر مرتين"(1).
وهذا يُرجِّح عدم الإِعادة لقوله صلى الله عليه وسلم لمن لم يُعِد، "أصبْتَ السنّة وأجزأتك صلاتك"، وهذا يُفهم أن الثاني قد أخطأ السنّة، وأما أجر المرتين؛ فعلى الصلاة وإِعادتها بالاجتهاد، والله أعلم.
وبعد أن عرفْنا السُّنّة الصحيحة في هذا الأمر؛ فلا يجوز لنا أن نُخالف عنها. وفي الحديث: "لا تُصلّوا صلاة في يوم مرتين"(2).
قال في "نيل الأوطار"(1/ 325) -تعليقاً على حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: استدل بهذا الحديث الثوري ومالك وأبو حنيفة وابن المنذر، على أنَّ مَن تيمّم لشدة البرد وصلّى لا تجب عليه الإِعادة، لأنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإِعادة، ولو كانت واجبة لأمره بها، ولأنَّه أتى بما أُمر به وقدر عليه، فأشبه سائر من يصلّي بالتيمّم
…
".
وعن عمران قال: "كنّا في سفَر مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وإِنَّا أسرينا حتى كُنّا في آخر الليل؛ وقعنا وقعة ولا وقعةَ أحلى عند المسافر منها، فما أيقَظَنا إلَاّ حرّ الشمس، فذكر بعض الحديث وقال: ونودي بالصلاة فصلّى بالناس، فلما
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(327)، وابن السكن وغيرهما، وانظر "المشكاة"(533).
(2)
أخرجه أحمد، وغيره وإسناده حسن كما قال شيخنا في "المشكاة"(1157)، وصححه النووي وابن السكن، وهو في "صحيح سنن أبي داود"(540).
انفتل من صلاته؛ إِذا هو برجل معتزلٍ، لم يصلِّ مع القوم قال: ما منعك يا فلان أن تصلّي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد، فإِنَّه يكفيك.
ثمَّ سار النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاشتكى إِليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلاناً كان يُسمِّيه أبو رجاء -نسيهُ عَوْفٌ- ودعا عليّاً فقال: اذهبا فابتغيا الماء بين مزادتين (1) أو سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرْنا خُلُوفاً (2)، قالا لها: انطلقي إِذاً، قالت: إِلى أين؟ قالا: إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: الذي يُقال له الصَّابيُّ.
قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي فجاءا بها إِلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وحدَّثاه الحديث قال: فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بإِناء ففُرّغ فيه من أفواه المزادتين أو سطيحتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق العزاليَ (3)، ونودي في الناس اسقوا واستقوا، فسقى مَن شاء واستقى مَن شاء، وكان آخر ذاك أن أعطي الذي أصابته الجنابة إِناء من ماء، قال: اذهب فأفرِغه عليك" (4).
(1) المزادة: بفتح الميم: قربة كبيرة يزاد فيها جلد من غيرها، وتسمّى أيضاً السطيحة، وجاء في "النهاية": السطيحة من المزاد: ما كان من جلدين قوبل أحدهما بالآخر، فسُطح عليه وتكون صغيرة وكبيرة، وهي من أواني المياه.
(2)
"
…
أي أنَّ رجالها تخلفوا لطلب الماء
…
قال ابن فارس: الخالف: المستقي، ويقال أيضاً لمن أناب، ولعلّه المراد هنا، أي أنَّ رجالهما غابوا عن الحيّ". "فتح".
(3)
جمع العزلاء، وهو فم المزادة الأسفل. "النهاية".
(4)
أخرجه البخاري مطولاً: 344، وابن خزيمة مختصراً: 271