الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:97].
الثاني: من يعجز عن الهجرة؛ لمرضٍ، أو إكراه على الإقامة، أو ضعف من النساء، والولدان، وشبههم؛ فلا تجب عليه؛ لقوله تعالى:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء:98 - 99]، ولا توصف باستحبابٍ؛ لكونها غير مقدور عليها.
الثالث: من يقدر على الهجرة، ولكنه متمكن من إقامة دينه، ويظهر شرائعه، وشعائره، فيستحب له الهجرة؛ ليتمكن من جهادهم، وتكثير المسلمين، ومعونتهم، ويتخلص من تكثير سواد الكفار، ومخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه الهجرة؛ لإمكانه إقامة واجبات الدين بدونها، وقد كان العباس مقيمًا بمكة مع إسلامه، ونُقِل عن نعيم بن النحام أنه بقي بين قومه يقيم دينه، وترك الهجرة؛ تلبية لطلبهم؛ لأنه كان يقوم على اليتامى والأرامل
(1)
.
(2)
مسألة [3]: إخلاص النية في الجهاد والهجرة
.
قال الحافظ رحمه الله في شرح حديث أبي موسى رضي الله عنه (2810): الْمُرَاد بِكَلِمَةِ
(1)
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (4/ 138)، من طريق محمد بن عمر الواقدي، والواقدي كذّاب. وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (62/ 178)، بإسناده عن الزبير بن بكار معضلا.
(2)
انظر: «المغني» (13/ 151 - )«البيان» (12/ 97 - )«فتاوى اللجنة» (12/ 50 - 57).
الله: دَعْوَة الله إِلَى الْإِسْلَام.
قال: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد: أَنَّهُ لَا يَكُون فِي سَبِيل الله إِلَّا مَنْ كَانَ سَبَب قِتَاله طَلَب إِعْلَاء كَلِمَة الله فَقَطْ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ سَبَبًا مِنْ الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة؛ أَخَلَّ بِذَلِكَ، وَيَحْتَمِل أَنْ لَا يُخِلّ إِذَا حَصَلَ ضِمْنًا لَا أَصْلًا وَمَقْصُودًا، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الطَّبَرِيُّ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ أَصْل الْبَاعِث هُوَ الْأَوَّل لَا يَضُرّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْد ذَلِكَ. وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُور، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ
(1)
، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّد قَالَ: جَاءَ رَجُل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِس الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَاله؟ قَالَ:«لَا شَيْء لَهُ» ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا كُلّ ذَلِكَ يَقُول:«لَا شَيْء لَهُ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الله لَا يَقْبَل مِنْ الْعَمَل إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهه» .
قال: وَيُمْكِن أَنْ يُحْمَل هَذَا عَلَى مَنْ قَصَدَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى حَدّ وَاحِد، فَلَا يُخَالِف الْمُرَجَّح أَوَّلًا، فَتَصِير الْمَرَاتِب خَمْسًا: أَنْ يَقْصِد الشَّيْئَيْنِ مَعًا، أَوْ يَقْصِد أَحَدهمَا صِرْفًا، أَوْ يَقْصِد أَحَدهمَا وَيَحْصُل الْآخَر ضِمْنًا، فَالمَحْذُور أَنْ يَقْصِد غَيْر الْإِعْلَاء، فَقَدْ يَحْصُل الْإِعْلَاء ضِمْنًا، وَقَدْ لَا يَحْصُل وَيَدْخُل تَحْته مَرْتَبَتَانِ، وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي مُوسَى، وَدُونه أَنْ يَقْصِدهُمَا مَعًا؛ فَهُوَ مَحْذُور أَيْضًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ، وَالمَطْلُوب أَنْ يَقْصِد الْإِعْلَاء صِرْفًا، وَقَدْ يَحْصُل غَيْر الْإِعْلَاء وَقَدْ لَا يَحْصُل، فَفِيهِ مَرْتَبَتَانِ أَيْضًا، قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: ذَهَبَ المُحَقِّقُونَ
(1)
لم يخرجه أبو داود، وأخرجه النسائي برقم (3140) بإسناد حسن.
إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَاعِث الْأَوَّل قَصْد إِعْلَاء كَلِمَة الله؛ لَمْ يَضُرّهُ مَا اِنْضَافَ إِلَيْهِ. اهـ
قال: وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ دُخُول غَيْر الْإِعْلَاء ضِمْنًا لَا يَقْدَح فِي الْإِعْلَاء إِذَا كَانَ الْإِعْلَاء هُوَ الْبَاعِث الْأَصْلِيّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ عَبْدالله بْن حَوَالَة قَالَ: بَعَثَنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَقْدَامنَا لِنَغْنَم، فَرَجَعْنَا وَلَمْ نَغْنَم شَيْئًا، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ لَا تَكِلهُمْ إِلَيَّ» .
(1)
انتهى المراد.
قال الصنعاني رحمه الله في «سبل السلام» مُعَلِّقًا على حديث أبي أمامة: وَلَعَلَّ بُطْلَانَهُ هُنَا لِخُصُوصِيَّةِ طَلَبِ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ عَمَلُهُ لِلرِّيَاءِ، وَالرِّيَاءُ مُبْطِلٌ لِمَا يُشَارِكُهُ، بِخِلَافِ طَلَبِ المَغْنَمِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْجِهَادَ، بَلْ إذَا قَصَدَ بِأَخْذِ المَغْنَمِ إغَاظَةَ المُشْرِكِينَ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ؛ كَانَ لَهُ أَجْرٌ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة:120]، وَالمُرَادُ النَّيْلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا، وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا؛ فَلَهُ سَلَبُهُ» قَبْلَ الْقِتَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِي قَصْدُ المَغْنَمِ الْقِتَالَ، بَلْ مَا قَالَهُ إلَّا لِيَجْتَهِدَ السَّامِعُ فِي قِتَالِ المُشْرِكِينَ، وَفِي «الْبُخَارِيِّ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «انْتَدَبَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا إيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ، أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ»
(2)
،
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَخْبَارَ هَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَشْرِيكِ النِّيَّةِ؛ إذْ الْإِخْبَارُ بِهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ غَالِبًا؛ ثُمَّ إنَّهُ يُقْصَدُ المُشْرِكُونَ لِمُجَرَّدِ نَهْبِ
(1)
أخرجه أبو داود برقم (2535)، وأحمد (5/ 288) بإسناد حسن.
(2)
أخرجه البخاري برقم (3123)، وكذلك مسلم برقم (1876) ..
أَمْوَالِهِمْ كَمَا خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ لِأَخْذِ عِيرِ المُشْرِكِينَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا، بَلْ ذَلِكَ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ الله تَعَالَى؛ وَأَقَرَّهُمْ اللهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، بَلْ قَالَ تَعَالَى:{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال:7]، وَلَمْ يَذُمَّهُمْ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ إخْبَارًا لَهُمْ بِمَحَبَّتِهِمْ لِلْمَالِ دُونَ الْقِتَالِ، فَإِعْلَاءُ كَلِمَةِ الله يَدْخُلُ فِيهِ إخَافَةُ المُشْرِكِينَ، وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ، وَقَطْعُ أَشْجَارِهِمْ وَنَحْوِهِ.
قال: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد
(1)
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله، رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ الله، وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا؟ فَقَالَ:«لَا أَجْرَ لَهُ» ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ:«لَا أَجْرَ لَهُ» ؛ فَكَأَنَّهُ فَهِمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْحَامِلَ هُوَ الْعَرَضُ مِنْ الدُّنْيَا، فَأَجَابَهُ بِمَا أَجَابَ وَإِلَّا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَشْرِيكُ الْجِهَادِ بِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ أَمْرًا مَعْرُوفًا فِي الصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَالله بْنَ جَحْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي رَجُلًا شَدِيدًا أُقَاتِلُهُ وَيُقَاتِلُنِي، ثُمَّ اُرْزُقْنِي عَلَيْهِ الصَّبْرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ وَآخُذَ سَلَبَهُ.
(2)
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْعَرَضِ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ الْجِهَادِ كَانَ أَمْرًا مَعْلُومًا جَوَازُهُ لِلصَّحَابَةِ، فَيَدْعُونَ اللهَ بِنَيْلِهِ. اهـ
قلتُ: وَمِنَ الأدلةِ على جواز تشريك قصد المغنم حديث أبي هريرة رضي الله عنه في
(1)
أخرجه أبو داود (2516)، وفي إسناده رجل مبهم.
(2)
أخرجه الحاكم (2/ 76)، والبيهقي (6/ 307)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بإسناد حسن، ولكن الدعوة المذكورة إنما هي دعوة سعد، وأما ابن جحش فله دعوة أخرى كما في المصدرين السابقين.