الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
مسألة [1]: شروط إباحة الحيوان بالصيد
.
الشرط الأول: أن يكون الصائد ممن تباح ذبيحته.
وهو المسلم، أو الكتابي العاقل؛ لأنَّ الاصطياد أُقِيم مقام الذكاة، والجارح آلة كالسكين، وعقره للحيوان بمنزلة إفراء الأوداج؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«فإنَّ أخذ الكلب ذكاته» .
الشرط الثاني: صلاحية الآلة للصيد، وهي نوعان:
الأول: ما يُرْمَى به الصيد من كل محدد كالرماح، والسيوف، والسهام، وما جرى مجراها مما يجرح بِحدِّه كرصاص البنادق المعروفة اليوم. ويُشتَرط في المحدد ما يُشترط في آلة الذكاة من كونه يقتل بحدِّه، وكونه غير سنٍّ وظفر كما تقدم.
الثاني: الجوارح. وهي الكواسب من السباع، والكلاب، والطير؛ لقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4]، فمنها ما يصيد بنابه كالكلب، والفهد، ومنها ما يصيد بمخلبه كالصقر، والبازي.
ويُشترط في الجوارح أن تكون معلمة بدون خلاف؛ للآية المتقدمة، ولقوله
-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأبي ثعلبة الخُشَني: «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله؛ فكل، وإذا أرسلت كلبك غير المعلم، فأدركت ذكاته؛ فكل» أخرجه البخاري برقم (5478)، ومسلم برقم (1930)، ويُعتبر في المعلَّم أمور:
أحدها: إذا أرسله؛ استرسل.
ثانيها: إذا زجره؛ انزجر.
ثالثها: إذا أمسك لم يأكل. وهذا شرطٌ عند الجمهور خلافًا لمالك، وربيعة.
رابعها: أن يتكرر منه ترك الأكل.
• فمنهم من قال: ثلاث مرات. وهو قول جماعة من الحنابلة، وأبي يوسف، ومحمد.
• ومنهم من قال: مرة. وهو قول بعض الحنابلة.
• وقال أبو حنيفة: مرتين.
• ولم يقدر أصحاب الشافعي عدد المرات، بل قدَّروه بما يصير به في العرف معلمًا.
• وقد ذهب مالك، وربيعة إلى أنه لا يشترط في الكلب المعلم عدم الأكل؛ لحديث أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه؛ فكل وإن أكل»
وأجاب الجمهور بأنَّ العادة في المعلم ترك الأكل؛ فاعتُبِر شرطًا كالانزجار
إذا زُجِر.
وأما حديث أبي ثعلبة الخشني فقد أخرجه أبو داود (2852) من طريق: داود بن عمر، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ثعلبة به.
وداود بن عمرو حسن الحديث؛ إلا أنَّ له بعض الأخطاء، والحديث في «الصحيحين» من طريق: ربيعة بن يزيد الدمشقي وهو ثقة عن أبي إدريس الخولاني به، وليس فيه ذكر:«وإن أكل» ، ورواه عن أبي إدريس أيضًا يونس بن سيف الكلاعي عند أحمد (4/ 195) وأبي داود (2856)، والوليد بن عبدالرحمن ابن أبي مالك عند الترمذي (1464)، وليس عندهم ذكر الأكل.
وجاء الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بزيادة: «وإن أكل» أخرجه أبو داود (2857)، وأحمد (6725) من طريق: حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب به.
لكن رواه النسائي (7/ 191) من طريق: عبيدالله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب به بدون ذكر الأكل، واختلف في إسناده.
قال البيهقي رحمه الله (9/ 338): وقد روى شعبة عن عبد ربه بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن رجل من هُذيل أنه سأل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن الكلب يَصطاد؟ فقال:«كل، أكل أو لم يأكل» فصار حديث عمرو بهذا معلولًا.
وقال: (9/ 238): وحديث الشعبي عن عدي بن حاتم أصح من حديث
داود بن عمرو الدمشقي، ومن حديث عمرو بن شعيب، والله أعلم.
قال ابن كثير رحمه الله في «تفسير المائدة» [آية:4]: وتوسط آخرون، فقالوا: إنْ أكل عقب ما أمسكه؛ فإنه يحرم؛ لحديث عدي بن حاتم، وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم:«فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه» ، وأما إن أمسكه، ثم انتظر صاحبه، فطال عليه، وجاع، فأكل منه لجوعه؛ فإنه لا يؤثر في التحريم، وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني، وهذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين صحيح. اهـ
الشرط الثالث: أن لا يأكل الكلب المعلم من الصيد.
• وهو قول الجمهور كما تقدم.
• وذهب مالك، وربيعة إلى عدم اشتراط ذلك، وهو رواية عن أحمد، وقول للشافعي؛ لعموم قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4]، وبحديث أبي ثعلبة، وعمرو بن شعيب المتقدمين.
واستدل الجمهور بحديث عدي بن حاتم، وهو الصحيح، وتقدم الكلام على حديث أبي ثعلبة، وعمرو بن شعيب، وأما الآية فمجملة بينها حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(1)
(1)
انظر: «المغني» (13/ 263)«المجموع» (9/ 107).