الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (6227): واتفق العلماء على أنَّ الرد واجب على الكفاية، وجاء عن أبي يوسف أنه قال: يجب الرد على كل فرد فرد. واحتج الجمهور عليه بحديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: «يُجْزِي عَنْ الْجَمَاعَة إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّم أَحَدهمْ، وَيُجْزِي عَنْ الْجُلُوس أَنْ يَرُدّ أَحَدهمْ» -وهو حديث حسن، وسيأتي تخريجه إن شاء الله-. انتهى بتصرف.
مسألة [2]: صيغة السلام
.
الصيغة الكاملة في ذلك قوله: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وفيها ثلاثون حسنة كما ثبت ذلك عند أبي داود (5195) وغيره من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وجاء كذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري في «الأدب المفرد» (986) وغيرهم، وفي الحديثين أنَّ كلَّ جملة فيها عشر حسنات.
وإذا قال: (سلام عليكم) بدون تعريف أجزأ؛ لقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23]، وقال تعالى:{قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات:25]، والأفضل بقوله:(السلام)؛ لأنها تفيد التفخيم والتكثير.
قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (2/ 420): وَكَانَ هَدْيُهُ فِي ابْتِدَاءِ السّلَامِ أَنْ يَقُولَ: «السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله» ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ المُبْتَدِئُ (عَلَيْك السّلَامُ)، قَالَ أَبُو جَرِيّ الْهُجَيْمِيّ: أَتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السّلَامُ يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: «لَا تَقُلْ: عَلَيْكَ السّلَامُ؛ فَإِنّ عَلَيْكَ السّلَامُ تَحِيّةُ الْمَوْتَى» حَدِيثٌ
صَحِيْحٌ
(1)
، وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى طَائِفَةٍ وَظَنّوهُ مُعَارَضًا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي السّلَامِ عَلَى الْأَمْوَاتِ بِلَفْظِ «السّلَامُ عَلَيْكُمْ» بِتَقْدِيمِ السّلَامِ؛ فَظَنّوا أَنّ قَوْلَهُ:«فَإِنّ عَلَيْكَ السّلَامُ تَحِيّةُ الْمَوْتَى» إخْبَارٌ عَنْ الْمَشْرُوعِ، وَغَلِطُوا فِي ذَلِكَ غَلَطًا أَوْجَبَ لَهُمْ ظَنّ التّعَارُضِ، وَإِنّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ:«فَإِنّ عَلَيْكَ السّلَامُ تَحِيّةُ المَوْتَى» إخْبَارٌ عَنْ الْوَاقِعِ لَا المَشْرُوعُ، أَيْ: إنَّ الشّعَرَاءَ وَغَيْرَهُمْ يُحَيُّونَ المَوْتَى بِهَذِهِ اللّفْظَةِ، كَقَوْلِ قَائِلِهِمْ:
عَلَيْكَ سَلَامُ الله قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ
…
وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحّمَا
فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُه هُلْكَ وَاحِد
…
وَلَكِنّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدّمَا
فَكَرِهَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُحَيّ بِتَحِيّةِ الْأَمْوَاتِ، وَمِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ لَمْ يَرُدّ عَلَى الْمُسَلِّمِ بِهَا. اهـ
وأما صيغة الرد فقد قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (2/ 421): وَكَانَ يَرُدّ عَلَى الْمُسَلّمِ: «وَعَلَيْكَ السّلَامُ» بِالْوَاوِ وَبِتَقْدِيمِ «عَلَيْكَ» عَلَى لَفْظِ السّلَامِ. اهـ
قلتُ: ومن ذلك حديث المسيء في صلاته في «الصحيحين» ، ففيه:«وعليك السلام» .
والرد بصيغة الجمع أفضل (وعليكم السلام)، كالابتداء، وقد روى البخاري في «الأدب المفرد» عن معاوية بن قرة بن إياس، قال: قال لي أبي قرة بن إياس: إذا مر بك الرجل، فقال: السلام عليكم. فلا تقل: وعليك السلام. فتخصه وحده؛
(1)
أخرجه أحمد (5/ 63)، وأبو داود (4075)(4084)(5209)، وهو حديث صحيح.
فإنه ليس وحده.
قال الحافظ رحمه الله: وَمِنْ فُرُوع هَذِهِ الْمَسْأَلَة لَوْ وَقَعَ الِابْتِدَاء بِصِيغَةِ الْجَمْع؛ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي الرَّدّ بِصِيغَةِ الْإِفْرَاد؛ لِأَنَّ صِيغَة الْجَمْع تَقْتَضِي التَّعْظِيم، فَلَا يَكُون اِمْتَثَلَ الرَّدّ بِالْمِثْلِ فَضْلًا عَنْ الْأَحْسَن، نَبَّهَ عَلَيْهِ اِبْن دَقِيق الْعِيد. اهـ
وإذا حذف الواو، فقال:(عليك السلام) اختلفوا في الإجزاء، والصحيح أنه يجزئ؛ لقوله تعالى:{قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «الصحيحين» «إنَّ الله لما خلق آدم قال له: اذهب، فسلِّم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع ما يحيونك؛ فإنها تحيتك، وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله»
(1)
، وفي هذا الحديث أيضًا جواز تقديم السلام في الرد، وكذلك في الآية، والله أعلم.
واستحب أهل العلم أن يزيد الرَّادُّ على المبتدئ في صيغة السلام؛ لقوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]، قال الحافظ: وهو مستحب بالاتفاق.
فإذا زاد المبتدئ (ورحمة الله)؛ استحب أن يُزاد (وبركاته)، فلو ذكر المبتدئ قوله (وبركاته) فيرد عليه بمثلها على الصحيح؛ لأنه لم يثبت الزيادة في حديث صحيح مرفوع، وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في «موطإِ مالك» (2/ 959)، أنه قال: انتهى السلام إلى البركة.
(1)
أخرجه البخاري (3326)، ومسلم (2841).