الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الرَّهَبِ مِنْ مَسَاوِئِ الأَخْلاقِ
1477 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُمْ، وَالحَسَدَ، فَإِنَّ الحَسَدَ يَأْكُلُ الحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ» . أَخْرَجَهُ أَبُودَاوُد.
(1)
1478 -
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوُهُ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث تحريم الحسد، وقد دلَّ على تحريمه القرآن والسنة.
أما من القرآن: فقد ذم الله اليهود بالحسد، فقال تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء:54].
وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].
وذمَّ الله المنافقين بالحسد فقال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89].
(1)
ضعيف. رواه أبوداود (4903)، من طريق إبراهيم بن أبي أسيد، عن جده، عن أبي هريرة به. وإبراهيم فيه لين، وجده مجهول لا يعرف، وقد ضعفه الإمام الألباني رحمه الله في «الضعيفة» (1902).
(2)
ضعيف جدًّا. أخرجه ابن ماجه (4210)، وفي إسناده عيسى بن أبي عيسى الحناط وهو متروك. وانظر:«الضعيفة» (1901).
ومن السنة في تحريم الحسد: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «مسلم» ، وأنس في «الصحيحين» مرفوعًا: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا
…
».
والحسد: هو تمني زوال النعمة عن الغير، وأما تمني نعمة كنعمة الغير فهذه (الغبطة)، ويُطلق عليها (حسد)، وليس مذمومًا؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجلٌ آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار» متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «بدائع الفوائد» (2/ 238 - ): ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:
أحدها: التعوذ بالله تعالى من شره، واللجوء والتحصن به، واللجوء إليه.
الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره قال تعالى:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» .
الثالث: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا، فما نصر على حاسده، وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله، ولا يستطل تأخيره وبغيه؛ فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جندًا وقوة للمبغي عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر، فبغيه سهام يرميها من نفسه، ولو رأي المبغي عليه ذلك لسره بغيه عليه، ولكن لضعف بصيرته لا يرى إلا صورة
البغي دون آخره ومآله، وقد قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} .
الرابع: التوكل على الله، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك؛ فإن الله حسبه أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه؛ فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا.
قال بعض السلف: جعل الله تعالى لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده، فقال:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ، ولم يقل نؤته كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه، وحسبه وواقيه، فلو توكل العبد على الله تعالى حق توكله، وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجا من ذلك وكفاه ونصره.
الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به، والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.
السادس: الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، تدب فيها دبيب الخواطر شيئا فشيئا حتى يقهرها
ويغمرها ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب والتقرب إليه وتملقه وترضيه واستعطافه وذكره.
قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس، أنه قال:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} ، وقال في حق الصديق:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ، فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن، لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به، ولا ضيعة على من آوى إليه، ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} .
السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه؛ فإن الله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} ، وقال لخير الخلق وهم أصحاب نبيه دونه صلى الله عليه وسلم:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} ، فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره.
الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه؛ فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد، ولو لم يكن في هذا إلا تجارب الأمم قديمًا وحديثا لكفى به فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملا فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة، فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته عليه من الله جنة واقية وحصن حصين، وبالجملة فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سببا لزوالها.
التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا وله نصيحة وعليه شفقة، وما أظنك تصدق بأن هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه فاسمع الآن قوله عز وجل:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، وقال:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، وتأمل حال النبي الذي حكى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ضربه قومه حتى أدموه فجعل يسلت الدم عنه ويقول:«اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون» . رواه البخاري ومسلم.
كيف جمع في هذه الكلمات أربع مقامات من الإحسان قابل بها إساءتهم العظيمة إليه أحدها: عفوه عنهم. والثاني: استغفاره لهم. الثالث: اعتذاره عنهم
بأنهم لا يعلمون. الرابع: استعطافه لهم بإضافتهم إليه، فقال: اغفر لقومي.
العاشر: وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأن هذه آلات بمنزلة حركات الرياح، وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه فهو الذي يحسن عبده بها، وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه.
قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك» ؛ فإذا جرد العبد التوحيد؛ فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله تعالى، بل يفرد الله بالمخافة، وقد أمنه منه، وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلا واشتغالا به عن غيره، فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جرد توحيده؛ لكان له فيه شغل شاغل، والله يتولى حفظه والدفع عنه؛ فإن الله يدافع عن الذين آمنوا؛ فإن كان مؤمنا فالله يدافع عنه، ولا بد وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع، وإن مزج مزج له، وإن كان مرة ومرة، فالله له مرة ومرة كما قال بعض السلف: من أقبل على الله بكليته أقبل الله عليه جملة، ومن
أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة، ومن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة.
فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين. قال بعض السلف: من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء. انتهى باختصار.
1479 -
وَعَنْهُ
(1)
رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أنَّ من استطاع أن يملك نفسه عند الغضب؛ فإنه رجل شديدٌ قوي، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام للرجل الذي قال: أوصني. قال له: «لا تغضب» فردد مرارًا، قال:«لا تغضب» أخرجه البخاري (6116) عن أبي هريرة رضي الله عنه، فمعناه أن لا ينفذ غضبه ولا يفعل ما يأمره غضبه به، بل يمسك نفسه في ذلك الوقت، وقيل: إن المعنى أن يجتنب أسباب الغضب، وأما الغضب نفسه فلا يُنهى عنه؛ لكونه ليس من فعله، بل هو طبيعي. وهذا المذموم هو الغضب في غير أمرٍ ديني، أما إذا انتهكت المحارم فقد كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يغضب من ذلك، ويتلون وجهه عليه الصلاة والسلام.
وقال الماوردي رحمه الله في كتابه «أدب الدنيا والدين» (ص 258): وَاعْلَمْ أَنَّ لِتَسْكِينِ الْغَضَبِ إذَا هَجَمَ أَسْبَابًا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْحِلْمِ مِنْهَا:
أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ عز وجل فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إلَى الْخَوْفِ مِنْهُ، وَيَبْعَثُهُ الْخَوْفُ مِنْهُ عَلَى الطَّاعَةِ لَهُ، فَيَرْجِعُ إلَى أَدَبِهِ وَيَأْخُذُ بِنَدْبِهِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَزُولُ الْغَضَبُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
(1)
يعني: عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609).
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24]، قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي إذَا غَضِبْتَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: 36]، وَمَعْنَى قَوْلِهِ {يَنْزَغَنَّكَ} أَيْ: يُغْضِبَنَّكَ، {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يَعْنِي أَنَّهُ سَمِيعٌ بِجَهْلِ مَنْ جَهِلَ، عَلِيمٌ بِمَا يُذْهِبُ عَنْك الْغَضَبَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ ذَكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ لَمْ يَسْتَعْمِلْ قُدْرَتَهُ فِي ظُلْمِ عِبَادِ اللَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ مُحَارِبٍ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُك بِاَلَّذِي أَنْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَذَلُّ مِنِّي بَيْنَ يَدَيْك، وَبِاَلَّذِي هُوَ أَقْدَرُ عَلَى عِقَابِك مِنْك عَلَى عِقَابِي لَمَا عَفَوْتَ عَنِّي. فَعَفَا عَنْهُ لَمَّا ذَكَّرَهُ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمِنْهَا: أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا إلَى حَالَةٍ غَيْرِهَا، فَيَزُولُ عَنْهُ الْغَضَبُ بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَالتَّنَقُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. وَكَانَ هَذَا مَذْهَبَ الْمَأْمُونِ إذَا غَضِبَ أَوْ شُتِمَ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْغَضَبُ مِنْ النَّدَمِ وَمَذَمَّةِ الِانْتِقَامِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْغَضَبُ عَلَى مَنْ لَا تَمْلِكُ عَجْزٌ، وَعَلَى مَنْ تَمْلِكُ لُؤْمٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: إيَّاكَ وَعِزَّةَ الْغَضَبِ؛ فَإِنَّهَا تُفْضِي إلَى ذُلِّ الْعُذْرِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
وَإِذَا مَا اعْتَرَتْك فِي الْغَضَبِ الْعِزَّ
…
ةُ فَاذْكُرْ تَذَلُّلَ الِاعْتِذَارِ
وَمِنْهَا: أَنْ يَذْكُرَ ثَوَابَ الْعَفْوِ، وَجَزَاءَ الصَّفْحِ، فَيَقْهَرُ نَفْسَهُ عَلَى الْغَضَبِ رَغْبَةً فِي الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ، وَحَذَرًا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَذْكُرَ انْعِطَافَ الْقُلُوبِ عَلَيْهِ، وَمَيْلَ النُّفُوسِ إلَيْهِ، فَلَا يَرَى إضَاعَةَ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَرْغَبُ فِي التَّأَلُّفِ وَجَمِيلِ الثَّنَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْكِرَامِ سُرْعَةُ الِانْتِقَامِ، وَلَا مِنْ شُرُوطِ الْكَرَمِ إزَالَةُ النِّعَمِ.
1480 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
1481 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديثين
يُستفاد من الحديثين تحريم الظلم، ويشمل ظلم الإنسان لنفسه بالشرك، وبالمعاصي، وكذلك ظلمه لغيره بالتعدي عليه في دمه، أو ماله، أو عرضه.
ويُستفاد من الحديث الحذر من الشُّح، والبخل، والشح أشد من البخل؛ فإنَّ البخل هو إمساك ما في اليد، والشح هو إمساك ما في اليد، والحرص على ما في يد الغير، وقد قال ربنا جل وعلا في كتابه الكريم:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].
وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما في «مسند أحمد» (5/ 15، 64)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«شر ما في الرجل شح هالع، وجبن خالع» وإسناده حسن، فنعوذ بالله من الظلم، والشح، والبخل، والعجب، والكبر، ونسأل الله عزوجل أن يهدينا إلى سواء الصراط.
(1)
أخرجه البخاري (2447)، ومسلم (2579).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2578).
1482 -
وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ: الرِّيَاءُ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
حذَّر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمته من هذا الذنب العظيم، وهو الرياء، وهو عمل العبادة؛ ليراه الناس، ويحمدونه على ذلك.
وفي «صحيح مسلم» ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» .
وفي «الصحيحين» عن جندب رضي الله عنه مرفوعًا: «من سمَّع سمع اللهُ به، ومن يرائي يرائي الله به» وأخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، نسأل الله عز وجل أن يعصمنا من ذلك.
وقد تكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله على أنواع الرياء بكلام مفيد في كتابه المبارك: «جامع العلوم والحكم» في شرحه للحديث الأول.
(1)
حسن. أخرجه أحمد (5/ 428، 429) من طريق: عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن محمود ابن لبيد، به، وفيه زيادة:«يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جُزِيَ الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذي كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» ومحمود بن لبيد صحابي صغير له رؤية وغالب رواياته عن الصحابة، ولكن الإسناد المذكور منقطع؛ لأن عَمْرًا لم يدرك أحدًا من الصحابة، ولكن قد رواه البغوي (4135) من نفس الوجه، وذكر الواسطة: عاصم بن عُمر بن قتادة، وهو ثقة؛ وعليه فالإسناد حسن.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 481)، وابن خزيمة (937) من نفس الوجه، مع ذكر الواسطة، بمعناه دون لفظه؛ فالحديث حسن، وقد صحح الإمام الألباني هذا الحديث. انظر:«الصحيحة» (951).
1483 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
1484 -
وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو: «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» .
(2)
الأدب المستفاد من الحديثين
يُستفاد من الحديثين: أنَّ الكذب، وإخلاف الوعد، والخيانة، والفجور في الخصومة كلها من خصال المنافقين، فيجب على المؤمن أن يحذر هذه المعاصي التي هي من أخلاق المنافقين. ومعنى الفجور في الخصومة: أن يخرجَ عن الحق عمدًا حتى يُصَيِّرَ الحق باطلا والباطل حقًا، وهذا مما يدعو إليه الكذب، كما قال صلى الله عليه وسلم:«إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار»
(3)
. وحاصل الأمر في بيان خصال النفاق العملي: أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية.
وإخلاف الوعد يكون مذمومًا إذا كان قاصدًا الإخلاف من حين وعد، وأما إذا طرأ له عذر؛ فلا يدخل في التحريم، ويدخل في الذمِّ من تساهل بالوفاء بدون عذر.
(1)
أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59).
(2)
أخرجه البخاري (34)، ومسلم (58). ولفظه:«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» .
(3)
أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قال ابن رجب رحمه الله في «جامع العلوم والحكم» : والخلف في الوعد على نوعين: أحدهما: أن يَعِدَ ومن نيته أن لا يفي بوعده، وهذا أشر الخلف، ولو قال: أفعل كذا إن شاء الله تعالى، ومن نيته أن لا يفعل، كان كذبا وخلفا، قاله الأوزاعي. الثاني: أن يعد ومن نيته أن يفي، ثم يبدو له فيخلف من غير عذر له في الخلف.، والله أعلم. اهـ
وقال رحمه الله: وقد أمر الله بالوفاء بالعهد، فقال:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، وقال:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل: 91]، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]، وفي «الصحيحين» عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به»
(1)
وفي رواية: «إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان»
(2)
، وخرجاه أيضا من حديث أنس بمعناه
(3)
. وخرج مسلم من حديث أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة»
(4)
.
والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره، ولو كان المعاهد كافرًا، ولهذا
(1)
أخرجه البخاري (6966)، ومسلم (1735).
(2)
أخرجه البخاري (6177)، ومسلم (1735).
(3)
أخرجه البخاري (3186)، ومسلم (1737).
(4)
أخرجه مسلم (1738).
في حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من قتل نفسا معاهدا بغير حقها لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» خرَّجه البخاري
(1)
.
وقد أمر الله تعالى في كتابه بالوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم، ولم ينقضوا منها شيئا. وأما عهود المسلمين فيما بينهم، فالوفاء بها أشد، ونقضها أعظم إثما. ومن أعظمها: نقض عهد الإمام على من تابعه، ورضي به، وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فذكر منهم: ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه ما يريد وفَى له، وإلا لم يفِ له»
(2)
، ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها، ويحرم الغدر فيها: جميع عقود المسلمين فيما بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات، وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاء بها، وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التبرر ونحوه. اهـ
(1)
أخرجه البخاري (6914).
(2)
أخرجه البخاري (2672)، ومسلم (108).
1485 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يستفاد من الحديث تحريم سب المسلم، وأنَّ ذلك سبب من أسباب الفسوق، ويحرم قتله بغير حق.
وقوله: «وقتاله كفر» ، ذكر العلماء أنه كفرٌ دون كفر، مالم يستحل ذلك؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10].
وقال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]، فأثبت الأُخُوَّةَ الإيمانية مع وجود القتل.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].
(1)
أخرجه البخاري (6044)، ومسلم (64).
1486 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
الظن: هو ما يخطر بالنفس من التجويز المحتمل للصحة والبطلان، فيحكم به ويعتمل عليه، هكذا فسره ابن الأثير في «النهاية» .
وقال الخطابي رحمه الله: المراد التهمة، ومحل التحذير، والنهي إنما هو عن التهمة التي لا سبب لما يوجبها. اهـ
وقال النووي رحمه الله: والمراد التحذير من تحقيق التهمة والإصرار عليها، وتقررها في النفس دون ما يعرض ولا يستقر؛ فإنَّ هذا لا يكلف به كما في الحديث:«تجاوز الله عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم»
(2)
، ونقله عياض عن سفيان. اهـ
(3)
(1)
أخرجه البخاري (5143)، ومسلم (2563).
(2)
أخرجه البخاري برقم (5269)، ومسلم برقم (127) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
انظر: «سبل السلام» (4/ 2043).
1487 -
وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يستفاد من ا لحديث فائدة عظيمة وهي أنَّ كل من تولَّى مسؤولية صغيرة أو كبيرة؛ فهو مؤتَمَنٌ عليها؛ فإنْ أدَّى الأمانة، وأطاع الله عزوجل فيها فقد أفلح، وإن غشَّ وخان فقد عرَّض نفسه لسخط الله عزوجل، نسأل الله العافية.
1488 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
يستفاد من الحديث أنه يجب على ولي الأمر أن يرفق بالمسلمين، وأن ييسر عليهم أمورهم، وإنْ لم يفعل فالأمر عليه شديد، وإن رفق بهم فسيرفق الله به.
وفي الحديث الآخر: «من ولَّاه الله شيئًا من أمور المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم، وخلَّتهم، وفقرهم؛ احتجب الله دون حاجته يوم القيامة» أخرجه أبو داود، والترمذي من حديث أبي مريم الأزدي رضي الله عنه.
(3)
(1)
أخرجه البخاري (7151)، ومسلم (142). واللفظ لمسلم.
(2)
أخرجه مسلم برقم (1828).
(3)
تقدم في «البلوغ» برقم (1394).
1489 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ؛ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث تحريم ضرب الوجه، سواء كان في الخصومة أو الحدود، فلا يجوز ضربه؛ لأن الوجه ضعيف، وفيه المحاسن، وأكثر الحواس، وقد تقدم هذا الحديث مع ذكر بعض الأحكام المتعلقة به في [باب حد الشارب] من [كتاب الحدود].
1490 -
وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي قَالَ:«لَا تَغْضَبْ» ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، وَقَالَ:«لَا تَغْضَبْ» . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث أنه يجب على المسلم أنْ لا يغضب، قيل: المقصود منه أن يجتنب أسباب الغضب. وقيل: المراد أن لا ينفذ غضبه بفعل ما أمره غضبه بفعله. وقد قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
(3)
(1)
أخرجه البخاري (2559)، ومسلم (2612).
(2)
أخرجه البخاري برقم (6116).
(3)
انظر: «الفتح» (6116).
1491 -
وَعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في هذا الحديث دلالة على أنَّ المسلم لا يجوز له أن ينفق ماله إلا فيما أذن الله فيه، فنعمة المال التي خوَّلها الله الإنسان لا تُشكر إلا بذلك، فإذا صرف الإنسان ماله فيما لم يأذن به الله فذلك إضاعة المال التي نهى عنها الشرع، وبالله التوفيق.
1492 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيه عَنْ رَبِّهِ قَالَ: «يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
في هذا الحديث تحريم الظلم، سواء ظلمه لنفسه، أو الناس، وقد تقدم الكلام على ذلك عند الحديث رقم (1480).
(1)
أخرجه البخاري برقم (3118).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2577).
1493 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَةُ؟» ، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ» ، قِيلَ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْته، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
بيَّن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ الغيبة ذكر الإنسان أخاه بما يكره في حال غيبته، وبيَّن عليه الصلاة والسلام أنَّ الإنسان إذا ذكر أخاه بما ليس فيه؛ فإنَّ ذلك بُهتان، وفي الحديث:«ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال» أخرجه أبو داود (3597)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، بإسناد صحيح.
وقد بيَّن أهلُ العلم أنَّ ذكر مساوئ بعض الناس للنصح ليس من الغيبة، بل ذلك مشروع بالإجماع، وقد يجب ذلك في بعض الأحوال.
وقد جمع بعضهم الأمور التي تجوز فيها الغيبة نصحًا لله عزوجل، فقال:
الذم ليس بغيبة في ستة
…
مُتَظَلِّمٍ ومُعَرِّفٍ ومُحَذِّر
ومُجاهِرٍ فسقًا ومُستَفْتٍ ومَنْ
…
طلب الإعانة في إزالةِ مُنْكَر
والأدلة على هذه الأمور معروفةٌ مشهورة.
(1)
أخرجه مسلم برقم (2589).
1494 -
وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ: لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
الآداب المستفادة من الحديث
في هذا الحديث العظيم فوائد كثيرة، ففيه تحريم الحسد، وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب، وفيه تحريم التباغض بين المسلمين، والتدابر بينهم، وهو الإعراض، والهجر، مأخوذ من أن يولي كل واحد صاحبه دبره. وفيه تحريم البيع على بيع أخيه، وقد ذكرنا ذلك في البيوع.
وفيه تحريم احتقار الرجل لأخيه المسلم، وفيه عِظَمُ حقِّ المسلم على المسلم في دمه، وماله، وعرضه.
(1)
أخرجه مسلم برقم (2564).
1495 -
وَعَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللهُمَّ جَنِّبْنِي مُنْكَرَاتِ الأَخْلَاقِ، وَالأَعْمَالِ، وَالأَهْوَاءِ، وَالأَدْوَاءِ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَاللَّفْظُ لَهُ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يسأل ربَّه أن يجنِّبَه مساوئ الأخلاق، وقد قال فيه ربُّه عزوجل:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، فنحن أحقُّ أن نسأل الله عزوجل أن يجنبنا ذلك، وليس للإنسان حول ولا قوة على اجتناب المنكرات إلا بأن يوفقه الله لذلك، فعلينا أن نُكثِر من هذا الدعاء الذي دعا به النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
(1)
صحيح. أخرجه الترمذي (3591)، والحاكم (1/ 532)، وأخرجه أيضًا الطبراني في «الدعاء» (1384) من طرق عن مسعر، عن زياد بن علاقة، عن عمه قطبة بن مالك به. وإسناده صحيح.
1496 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُمَارِ أَخَاك، وَلَا تُمَازِحْهُ، وَلَا تَعِدْهُ مَوْعِدًا فَتُخْلِفْهُ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث تحريم الجدال، والذي يحرم هو الجدال بالباطل، أو الذي يقصد به الظهور دون معرفة الحق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«ومن خاصم في باطل، وهو يعلمه لم يزل في سخط الله» أخرجه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما.
و قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هدًى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» . أخرجه الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه بإسناد حسن.
وأما المِزاح فيُشرع منه ما كان بحق، بما لا يزري، ولا يكثر الإنسان منه.
قال الإمام ابن حبان رحمه الله في كتابه «روضة العقلاء» (ص 77): والمزاح على ضربين فمزاح محمود ومزاح مذموم فأما المزاح المحمود فهو الذي لا يشوبه مَا كره اللَّه عز وجل، ولا يكون بإثم، ولا قطيعة رحم، وأما المزاح المذموم فالذي يثير العداوة، ويذهب البهاء، ويقطع الصداقه، ويجريء الدنيء عليه، ويحقد الشريف به.
قال: وإن من المزاح مَا يكون سببا لتهييج المراء، والواجب على العاقل اجتنابه؛ لأن المراء مذموم في الأحوال كلها، ولا يخلو المماري من أن يفوته أحد
(1)
ضعيف. أخرجه الترمذي (1995)، وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف مختلط.
رجلين في المراء، إما رجل هو أعلم منه؛ فكيف يجادل من هو دونه في العلم، أو يكون ذلك أعلم منه فكيف يماري من هو أعلم منه
ولقد سمعت حفص بن عمر البزار، يقول: سمعت إِسْحَاق بْن الضيف، يقول: سمعت جعفر بْن عون، يقول: سمعت مسعر بْن كدام يقول لابنه كدام:
إني نحلتك ياكدام نصيحتي
…
فاسمع مقال أبٍ عليك شفيق
أما المزاحة والمراء فدعهما
…
خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما
…
لمجاورٍ جارًا ولا لرفيق
والجهل يزري بالفتى في قومه
…
وعروقه في الناس أي عروق
وأما إخلاف الوعد فهو من خِصال المنافقين كما تقدم.
وحديث الباب، وإن كان ضعيفًا، ففي الباب ما تقدم من أدلة، وأدلة أخرى تدل على ما قررناه، والله أعلم.
1497 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَصْلَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ: البُخْلُ وَسُوءُ الخُلُقِ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
فيه التحذير من البخل، وكذلك الحض على حسن الخلق، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أحاديث متقدمة، وبالله التوفيق.
1498 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المُسْتَبَّانِ مَا قَالَا، فَعَلَى البَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث دلالة على جواز مجازاة من ابتدأ الإنسان الأذية بمثلها، وأنَّ إثم ذلك عائد على البادي؛ لأنه المتسبب لكل ما قاله المجيب إلا أن يعتدي المجيب في أذيته بالكلام، فيختص به إثم عدوانه؛ لأنه إنما أُذِن له في مثل ما عُوقِب به، قال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] الآية.
وقال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126] الآية.
(3)
(1)
ضعيف. أخرجه الترمذي (1962)، وفي إسناده صدقة بن موسى الدقيقي، وهو ضعيف، وقد ضعفه الإمام الألباني رحمه الله في «الضعيفة» (1119).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2587).
(3)
انظر: «السبل» (4/ 2059).
1499 -
وَعَنْ أَبِي صِرْمَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّهُ اللهُ، وَمَنْ شَاقَّ مُسْلِمًا شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ» . أَخْرَجَهُ أَبُودَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث تحريم إلحاق الضرر بالمسلم، أو إلحاق المشقة به.
وفي الحديث الآخر: «لا ضرر ولا ضرار» ، بل قال الله عزوجل:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58].
(1)
أخرجه أبوداود (3635)، والترمذي (1940)، وفي إسناده لؤلؤة امرأة مجهولة لا تعرف كما في «الميزان» و «التهذيب» .
والجملة الثانية من الحديث يشهد لها حديث عائشة في «صحيح مسلم» «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه» . وقد تقدم برقم (1488)
1500 -
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(1)
1501 -
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه رَفَعَهُ «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الفَاحِشِ، وَلَا البَذِيءِ» . وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفَهُ.
(2)
(1)
حسن بشواهده. أخرجه الترمذي (2002)، وفي إسناده يعلى بن مَمْلَك وهو مجهول.
وله شاهد من حديث أسامة بن زيد: أخرجه الطبراني في «الكبير» (405) وفي إسناده عنعنة ابن إسحاق، وأخرجه أيضًا ابن حبان (5694) من نفس الوجه ولكن بلفظ:«المتفحش» بدل «البذيء» .
وله طريق أخرى من حديث أسامة بلفظ: «إن الله لا يحب الفاحش المتفحش» أخرجه الطبراني في «الكبير» (399)(404) وفي إسناده محمد بن أفلح مولى أبي أيوب وهو مجهول.
وله شاهد من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: بلفظ حديث أسامة الثاني: أخرجه أحمد (2/ 162، 199)، وفي إسناده أبوسبرة رجل مجهول.
وله شاهد من حديث أبي هريرة باللفظ الأخير: أخرجه الحاكم (2/ 12)، وفي إسناده محمد ابن عجلان يرويه عن المقبري عن أبي هريرة وهي رواية ضعيفة. فالحديث حسن بهذه الشواهد، والله أعلم.
(2)
الحديث حسن من غير طريق الترمذي. أخرجه الترمذي (1977)، والحاكم (1/ 12)، من طريق محمد بن سابق ثنا إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود به. ومحمد ابن سابق حسن الحديث له أخطاء، وهذه الطريق أنكرها ابن المديني، نقل عنه الخطيب في «تاريخه» (5/ 39) أنه قال: هذا منكر من حديث إبراهيم عن علقمة، وإنما هذا من حديث أبي وائل من غير حديث الأعمش.
قال الخطيب: رواه ليث بن أبي سليم عن زبيد اليامي عن أبي وائل عن عبدالله، إلا أنه أوقفه ولم يرفعه. اهـ
قلتُ: وقد روي من هذه الطريق مرفوعًا وليس بمحفوظ، ورجح الدارقطني في «العلل» (738) الموقوف. وللحديث طريق أخرى من وجه آخر: أخرجه الحاكم (1/ 12)، وهو عند أحمد (1/ 416)، والبخاري في «الأدب المفرد» (312) من طريق أبي بكر بن عياش عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود به. وهذا إسناد حسن رجاله ثقات إلا أبا بكر بن عياش فإنه حسن الحديث. فالحديث حسن من هذا الوجه، والله أعلم.
الآداب المستفادة من الحديثين
يُستفاد من الحديثين أنَّ المؤمن الكامل الإيمان لا يتصف بالأخلاق المذكورة، وهي: البذاءة، واللعن، والفُحش: وهو أقبح السب، واللعن: هو الطرد من رحمة الله، والمقصود أنه لا يلعن إنسانًا بعينه؛ إلا من مات على الكفر، أو عُلِم أنه سيموت عليه، فقد لعن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أُناسًا كانوا على الكفر، فأنزل الله عزوجل:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] الآية، فانتهى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ثم إنهم أسلموا.
جاء ذلك في البخاري (4069) عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول:«اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا» بعد ما يقول «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128].
وفي رواية: يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام فنزلت:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128].
وأما اللعن بالوصف فجائزٌ لمن يستحق ذلك، كقوله تعالى:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18]، {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]، وقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لعن الله السارق يسرق البيضة
…
» الحديث.
وما جاء في الأحاديث من لعن المعين فهو إما ضعيف، وإما محمول على معنى السب لا على معنى الطرد من رحمة الله والله أعلم، وهذا قول جمهور العلماء.
1502 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا» . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يستفاد من الحديث تحريمُ سب الأموات، وقد بيَّن العلماء أنه لا يدخل في ذلك جرح الرواة، وبيان حالهم، ولا جرح أهل البدع، والتحذير منهم، ومن كتبهم؛ نصيحة لله عزوجل.
1503 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
فيه تحريم النميمة، وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، وهي من الذنوب العظيمة، ومن أسباب عذاب القبر، فقد مرَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بقبرين يعذب صاحباهما، فقال:«أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله» متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما، فنسأل الله العافية.
(1)
أخرجه البخاري برقم (1393).
(2)
أخرجه البخاري (6056)، ومسلم (105).
1504 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللهُ عَنْهُ عَذَابَهُ» . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الأَوْسَطِ» .
(1)
1505 -
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا.
(2)
الأدب المستفاد من الحديثين
يستفاد من الحديثين فضيلة من دفع غضبه، وكظم غيظه، والحديث وإن كان ضعيفًا فيُغني عنه قوله تعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
وكظم الغيظ ودفع الغضب، هو معنى قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«لا تغضب» كما تقدم، والله أعلم.
(1)
ضعيف جدًّا. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (1320) ط. الحرمين، من طريق عبدالسلام بن هاشم البزاز عن خالد بن برد عن قتادة عن أنس به. بلفظ: «من دفع غضبه دفع
…
»
قال الذهبي في «الميزان» في ترجمة خالد بن برد: مجهول، وعنه عبدالسلام بن هاشم بخبر منكر. كأنه يشير إلى هذا الحديث.
وقال في ترجمة عبدالسلام بن هاشم: شيخ مقل حدث بعد المائتين، قال أبوحاتم: ليس بالقوي، وقال عمرو بن علي الفلاس: لا أقطع على أحد بالكذب إلا عليه. اهـ
وقد ضعف الحديث الإمام الألباني رحمه الله في «الضعيفة» (1916).
(2)
ضعيف. أخرجه ابن أبي الدنيا في «كتاب الصمت» (21) من طريق هشام بن أبي إبراهيم عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: «ومن ملك غضبه وقاه الله عز وجل عذابه» في ضمن حديث أطول. وهو حديث ضعيف؛ لأن هشامًا مجهول، قاله أبوحاتم كما في «الجرح والتعديل» وكما في «الميزان» و «اللسان» ، والله أعلم.
1506 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ خَبٌّ
(1)
، وَلَا بَخِيلٌ، وَلَا سَيِّئُ المَلَكَةِ». أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
(2)
الآداب المستفادة من الحديث
في الحديث تحذيرٌ للمسلم من أن يتصف بهذه الصفات، وهي: الخداع وهو معنى «خب» ، وكذا البخل، وكذا سوء المَلَكَة، وهي الإساءة إلى ذوي ملكه من العبيد، والحيوانات، بالتقصير في حقهم، أو التجاوز في عقابهم.
وقد ورد في ذلك أدلة أخرى تدل على ذلك، كحديث:«من ضرب عبدًا له حدًّا لم يأته فكفارته أن يُعتِقه» أخرجه مسلم (1657)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في العبيد: «إخوانكم خَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس» أخرجه البخاري برقم (30)، ومسلم برقم (1661) عن أبي ذر رضي الله عنه.
وقال في الذي ضرب غلامه ضربًا شديدًا ثم أعتقه: «لو لم تفعل للفحتك النار» أخرجه مسلم (1659) عن أبي مسعود رضي الله عنه.
(1)
الخدَّاع والذي يسعى بين الناس بالفساد.
(2)
ضعيف. أخرجه الترمذي (1946)(1963)، وفي إسناده فرقد بن يعقوب السَّبَخي وهو ضعيف أو أشد.
وقال في الذي أساء إلى جمله: «ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه» ، أخرجه أحمد (1745)، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وهو في «الصحيح المسند» (561)، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
1507 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَسَمَّعَ حَدِيثَ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكُ
(1)
يَوْمَ القِيَامَةِ» يَعْنِي: الرَّصَاصَ. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
يستفاد من الحديث تحريم تسمع حديث قوم وهم لا يريدون أن يسمعه، وهذا من التجسس، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«ولا تجسسوا» .
ويدخل في ذلك السَّماع منهم بخفاء عن الرجل، وبغير خفاء، ولا يدخل في التحريم التسمع منه لإظهار باطله، لما في البخاري (1355)، ومسلم (2931) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد، حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، النخل طفق يتقي بجذوع النخل، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا، قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع على فراش في قطيفة، له فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف - وهو اسم ابن صياد - هذا محمد. فثار ابن صياد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو تركته بين» . والله أعلم.
(1)
الآنك: هو الرصاص المذاب.
(2)
أخرجه البخاري برقم (7042). وعنده: «أُذُنِهِ» ، بالإفراد.
1508 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ» . أَخْرَجَهُ البَزَّارُ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في هذا الحديث فائدة جليلة، وهي أنه ينبغي للإنسان أن يشتغل بإصلاح نفسه، وأن ينظر إلى عيوب نفسه، وإذا رأى عيبًا في أخيه نصحه ولا يعيره بذلك، ففي الحديث الصحيح:«وإن امرؤٌ شتمك، وعيَّرك بما يعلم فيك فلا تشتمه، ولا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه» أخرجه أبو داود (4084)، عن جابر بن سليم رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.
وقد صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «يبصر أحدكم القَذاة في عين أخيه، وينسى الجذع، أو الجذل في عينه معترضًا» .
(2)
(1)
ضعيف منكر. أخرجه البزار كما في «كشف الأستار» (3225) من طريق الوليد بن المهلب، عن النضر بن محرز الأزدي، عن محمد بن المنكدر، عن أنس به. في ضمن حديث طويل.
ثم قال البزار: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن أنس إلا من هذا الوجه، ووجه آخر ضعيف، رواه أبان ابن أبي عياش عن أنس.
قال الذهبي في ترجمة الوليد بن المهلب من «الميزان» : لا يعرف وله ما ينكر، قاله ابن عدي. وقال في ترجمة النضر بن محرز: مجهول. وقال ابن حبان: لا يحتج به. ثم ذكر حديث الكتاب مما أنكر عليه.
وقال الحافظ في «اللسان» : وقال ابن حبان: وإنما روى هذا أبان بن أبي عياش عن أنس، وأبان لا شيء، والنضر منكر الحديث جدًّا. وقال العقيلي: النضر بن محرز لا يتابع على حديثه. اهـ
قلتُ: فعجبًا لتحسين الحافظ للحديث مع ما نقله في «لسان الميزان» ، وبالله التوفيق.
(2)
أخرجه أحمد في «الزهد» (ص 178)، والبخاري في «الأدب المفرد» (592) بإسناد صحيح.
ورُوي مرفوعًا، وهو غير محفوظ.
(1)
وكل إنسان له عيوب؛ فعلى المسلم أن يسعى في إصلاح العيوب في نفسه وفي غيره، وليحذر المسلم من التشهير في حق أخيه، وكما قيل:
وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الْخَلَلَا
…
جَلَّ مَنْ لَا عَيْبَ فِيْهِ وَعَلَا
وقال الآخر:
وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا
…
كَفَى الْمَرْء نُبلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايبُه
وليُعلَم أنَّ من ابتدع بالدين، وأحدث، وعاند؛ فإنه يجب إظهار عيوبه للناس، والتشهير به؛ ليحذروه، وبالله التوفيق.
(1)
انظر: «الصحيحة» رقم (33).
1509 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ، وَاخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في هذا الحديث تحريم العجب، والكبر، وأنه سبب لغضب الله، فدلَّ على أنَّ ذلك من كبائر الذنوب، وفي الحديث الآخر:«إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» ، أخرجه مسلم (2865)، عن عياض بن حمار رضي الله عنه.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «الصحيحين» ، أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«بينما رجلٌ يمشي في حلة تعجبه نفسه؛ إذ خسف به في الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» .
(1)
صحيح. أخرجه الحاكم (1/ 60)، وهو أيضًا في «مسند أحمد» (2/ 118)، وفي «الأدب المفرد» للبخاري (549) من طريق يونس بن القاسم أبي عمر اليمامي قال: حدثنا عكرمة بن خالد قال: سمعت ابن عمر به، وإسناده صحيح، رجاله ثقات.
1510 -
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «العَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث الحث على التأني، والحديث وإن كان ضعيفًا ففي «صحيح مسلم» عن ابن عباس، وأبي سعيد رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنَّ فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» قالها لأشج عبد القيس.
قال الصنعاني رحمه الله في شرح هذا الحديث: العجلة هي السرعة في الشيء، وهي مذمومة فيما كان المطلوب فيه الأناة، محمودة فيما يطلب تعجيله من المسارعة إلى الخيرات ونحوها، وقد يقال: لا منافاة بين الأناة والمسارعة؛ فإن سارع بتؤدة وتأنٍ، فيتم له الأمران، والضابط أنَّ خيار الأمور أوسطها. اهـ
(1)
ضعيف. أخرجه الترمذي (2012)، وفي أوله زيادة: «الأناة من الله
…
»، وفي إسناده عبدالمهيمن ابن عباس بن سهل الساعدي وهو شديد الضعف، وقد ترك. وجاء الحديث عن أنس: أخرجه أبويعلى (4256)، والبيهقي (10/ 104)، وفي إسناده: سعد بن سنان، ويقال: سنان بن سعد، وهوضعيف، وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث مما أنكر عليه كما في «الكامل» .
1511 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الشُّؤْمُ سُوءُ الخُلُقِ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يستفاد من الحديث ذم الشؤم وهو التطير؛ فإنَّ التطير من الشيء ينافي التوكل الذي أمر الله به، قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23]{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:122]{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].
قال الإمام العثيمين رحمه الله في «القول المفيد» (1/ 560): التطير في اللغة: مصدر تطير، وأصله مأخوذ من الطير; لأن العرب يتشاءمون أو يتفاءلون بالطيور على الطريقة المعروفة عندهم بزجر الطير، ثم ينظر: هل يذهب يمينا أو شمالا أو ما أشبه ذلك، فإن ذهب إلى الجهة التي فيها التيامن; أقدم، أو فيها التشاؤم; أحجم.
أما في الاصطلاح: فهي التشاؤم بمرئي أو مسموع، وهذا من الأمور النادرة; لأن الغالب أن اللغة أوسع من الاصطلاح; لأن الاصطلاح يدخل على الألفاظ قيودا تخصها، مثل الصلاة لغة: الدعاء، وفي الاصطلاح أخص من الدعاء، وكذلك الزكاة وغيرها.
(1)
ضعيف. أخرجه أحمد (6/ 85)، وفي إسناده أبوبكر بن أبي مريم وهو ضعيف أو أشد، وفيه انقطاع بين حبيب بن عبيد الحمصي وعائشة، فإن روايته عنها مرسلة كما في التهذيب.
وإن شئت فقل: التطير: هو التشاؤم بمرئي، أو مسموع، أو معلوم.
بمرئي مثل: لو رأى طيرا؛ فتشاءم لكونه موحشا.
أو مسموع مثل: من هم بأمر فسمع أحدا يقول لآخر: يا خسران، أو يا خائب; فيتشاءم.
أو معلوم: كالتشاؤم ببعض الأيام أو بعض الشهور أو بعض السنوات; فهذه لا ترى ولا تسمع.
واعلم أن التطير ينافي التوحيد، ووجه منافاته له من وجهين:
الأول: أن المتطير قطع توكله على الله، واعتمد على غير الله.
الثاني: أنه تعلق بأمر لا حقيقة له، بل هو وهم وتخييل; فأي رابطة بين هذا الأمر، وبين ما يحصل له، وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد; لأن التوحيد عبادة واستعانة، قال تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وقال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} .
فالطيرة محرمة، وهي منافية للتوحيد كما سبق، والمتطير لا يخلو من حالين:
الأول: أن يحجم ويستجيب لهذه الطيرة ويدع العمل، وهذا من أعظم التطير والتشاؤم.
الثاني: أن يمضي لكن في قلق وهم وغم، يخشى من تأثير هذا المتطير به،
وهذا أهون.
وكلا الأمرين نقص في التوحيد، وضرر على العبيد، بل انطلق إلى ما تريد بانشراح صدر وتيسير واعتماد على الله عزوجل ولا تسئ الظن بالله عزوجل. اهـ
1512 -
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في هذا الحديث ذمٌّ لمن يُكثر اللعن، وبيان أنه لا يكون شفيعًا يوم القيامة، أي: لا يكون من المؤمنين الذين يشفعون لإخوانهم في الخروج من النار.
ومعنى قوله: «ولا شهداء» ، أي: لا يكونون يوم القيامة شهداء على تبليغ الأمم رسلهم إليهم الرسالات.
وقيل: معناه: لا يُرزقون الشهادة. وهو ضعيف.
وقيل: لا يكون له ثواب الشاهد، أو الشهيد يوم القيامة.
والأول أقوى هذه الأقوال، والله أعلم.
(1)
أخرجه مسلم برقم (2598)(86).
1513 -
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
قد دلَّت الأحاديث الصحيحة على عدم جواز تعيير المسلم أخاه المسلم، كحديث جابر بن سليم عند أبي داود (4084)، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«وإن امرؤٌ شتمك، وعيرك بما يعلم فيك، فلا تشتمه ولا تعيره بما تعلم فيه؛ فإنما وبال ذلك عليه» .
وكقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» متفق عليه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
فهذه الأدلة تغني عن حديث الباب.
(1)
موضوع. أخرجه الترمذي (2505)، من طريق محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، عن ثور ابن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل به. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل، خالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل.
قلتُ: فكيف يحسن مع انقطاعه؟ ثم إن في إسناده محمد بن الحسن الهمداني، وقد كذبه ابن معين وأبوداود كما في «الميزان» وقد حكم عليه الإمام الألباني بأنه موضوع كما في «الضعيفة» (178).
1514 -
وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ» . أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يستفاد من الحديث تحريم الكذب وإن كان ذلك لإضحاك الناس فقط، والكذب حرام سواء كان لذلك أو لغيره، وهو سبب للفجور، ولدخول النار -والعياذ بالله- كما في حديث ابن مسعود في «الصحيحين» أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«وإياكم والكذب؛ فإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يُكتب عند الله كذَّابًا» .
ولا يدخل في الكذب الصلح بين الناس؛ لحديث أم كلثوم رضي الله عنها في «صحيح مسلم» (2605)، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا، ويَنْمِي خيرًا» .
وقد حمل بعض أهل العلم هذا الحديث على المعاريض، منهم شيخ الإسلام رحمه الله كما في «الفتاوى الكبرى» (6/ 106 - 107).
(1)
حسن. أخرجه أبوداود (4990)، والنسائي في «الكبرى» (11655)، والترمذي (2315) من طرق عن بهز بن حكيم به، وإسناده حسن.
1515 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَفَّارَةُ مَنِ اغْتَبْته أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ» . رَوَاهُ الحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
دلَّ الحديث على أنَّ من توبة المغتاب أن يستغفر لمن اغتابه، والحديث ضعيف؛ فلا يُشترط ذلك، والذي يُشترط في التوبة من الغيبة، هو الندم على فعله، والعزم على ألَّا يعود إلى ذلك الفعل.
وهل يشترط التحلل من أخيه الذي اغتابه؟
أما إن كان قد بلغه ذلك؛ فيُشترط عند أهل العلم؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم» أخرجه البخاري (6534)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما إذا لم يبلغ الآخر الغيبة، فمنهم من اشترط ذلك؛ لعموم الحديث المتقدم، ومنهم من لم يشترط ذلك، بل قالوا: يكفيه التوبة والاستغفار، ويذكر أخاه بخير في المواطن التي ذكره فيها بسوء، وهذا القول رجحه شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله، وهو الصحيح، إن كان ظلمه سيزول أثره بالثناء على من اغتابه، وإن كان أثر ظلمه بالغيبة لم يزل بالثناء عليه؛ فيجب عليه التحلل، والله أعلم.
(1)
ضعيف جدًّا. أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في «بغية الباحث» (1080) بلفظ: «كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته» . وفي إسناده عنبسة بن عبدالرحمن الأموي القرشي، وهو متروك كما في «الميزان» .
1516 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إلَى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث بيان أنَّ الألد الخصم مبغوض عند الله عزوجل.
والألد هو الشديد الخصومة، وهذا محمول على من خاصم بباطل لدفع حقٍّ، أو لنصرة باطل، وأما من خاصم لنصرة الحق، أو لدفع الباطل؛ فليس بمذموم، وبالله التوفيق.
(1)
أخرجه مسلم برقم (2668). وقد أخرجه أيضًا البخاري برقم (7188).