الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نذر مقابلة، ولم ينكر عليها ذلك مع أنه مقام بيان، وتعليم.
قلتُ: والكراهة المذكورة في النذر المقيد بمقابل، أو في نذر أدخل على نفسه صاحبه المشقة، وأما ما لا مشقة فيه، ولا هو نذر مقابلة؛ فلا كراهة فيه، وقد ذهب إلى عدم كراهة النذر المطلق المالكية، والحنفية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة، والله أعلم.
(1)
مسألة [3]: أقسام النذر
.
للنذر أقسام:
الأول: نذر اللُّجَاج والغضب.
وهو الخارج مخرج اليمين؛ للحث والمنع، فحكمه حكم اليمين، وقد تقدم ذكر ذلك في الأيمان.
الثاني: نذر الطاعة والتبرر.
• ويجب الوفاء به عند أهل العلم، سواء كان مقيدًا، أو مطلقًا؛ إلا أنَّ بعض الشافعية لم يوجبوا الوفاء بالنذر المطلق، وأبو حنيفة لم يوجب الوفاء بالنذر الذي ليس في جنسه واجب في الشرع كالاعتكاف.
والصحيح قول الجمهور، وهو وجوب الوفاء مطلقًا؛ لقوله تعالى:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:29]، وحديث عائشة رضي الله عنها الذي في الباب:«من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه» .
(1)
انظر: «المغني» (13/ 621)«الموسوعة الكويتية» (40/ 139).
الثالث: النذر المبهم.
• كأن يقول: (لله عليَّ نذر)، فهذا فيه كفارة يمين عند جمهور العلماء؛ لحديث عقبة بن عامر، وابن عباس اللذين في الكتاب، وعلى ذلك عامة العلماء إلا الشافعي، فقال: لا ينعقد النذر، ولا كفارة فيه.
والصحيح قول الجمهور، وقد ثبت هذا القول عن ابن عباس، وابن عمر، كما في «مصنف ابن أبي شيبة» (4/ 1/7).
الرابع: نذر المعصية.
ولا يحل الوفاء به بالإجماع؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلَا يَعْصِهِ» ، ولحديث عمران بن حصين، وثابت بن الضحاك اللذين في الكتاب.
وهل فيه كفارة يمين؟ اختلف الفقهاء في ذلك.
• فذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أنَّ فيه كفارة يمين، وهو قول أحمد، وإسحاق، والثوري، والحنفية.
واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي في الكتاب، وهو موقوف كما تقدم، واستدلوا على ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد (6/ 247)، وغيره:«لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين» ، وظاهره الصحة، ولكن أعله البخاري، والدارقطني وغيرهما، ورجَّحوا أنه سقط من إسناده سليمان بن أرقم، وهو متروك.
واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند ابن الجارود (935)، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«النذر نذران: نذرٌ لله؛ فيجب الوفاء، ونذر للشيطان؛ فكفارته كفارة يمين» ، وفي إسناده: خطَّاب بن القاسم الحرَّاني، قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه. وقال أبو زرعة في رواية ابن أبي حاتم: ثقة. وقال في رواية البرذعي: منكر الحديث. وقال النسائي: لا علم لي به.
قلتُ: فالحديث حسن إن لم يكن خطابًا قد وهم في رفعه، ويغلب على ظني أنه قد وهم في ذلك؛ لأنَّ المعروف عن ابن عباس الموقوف كما تقدم، والله أعلم.
• وذهب مسروق، والشعبي، ومالك، والشافعي، وأحمد في رواية إلى أنه ليس فيه كفارة.
واستدلوا على ذلك بالأحاديث المتقدمة التي فيها عدم الوفاء بالمعصية، ولم يذكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيها الكفارة.
والقول الأول رجَّحه الإمام ابن باز، والإمام العثيمين رحمة الله عليهما، وهو الصحيح؛ لأنه التزام لله، فهو كاليمين، وقد أفتى بذلك ابن عباس رضي الله عنهما، كما تقدم، وفعلته عائشة رضي الله عنها، كما في «صحيح البخاري» (6073)، ولا نعلم لهما مخالفًا.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما، كما في «موطإ مالك» (2/ 476) بإسناد صحيح: كيف يكون في هذا كفارة؟ يعني مع كونه معصية فقال ابن عباس: إن الله تعالى قال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2]، ثم جعل فيه من الكفارة ما
قد رأيت.
(1)
الخامس: النذر على المباح.
• فمذهب أحمد أنه ينعقد، وفيه كفارة يمين؛ لحديث: «إني نذرت أن أضرب على رأسكَ الدُّفَّ
…
» الحديث.
(2)
• وذهب مالك، والشافعي إلى أنه لا ينعقد؛ لحديث:«من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه» .
والصحيح مذهب أحمد، والله أعلم.
السادس: النذر على المكروه.
• والخلاف فيه كالخلاف في الذي قبله.
السابع: النذر على الواجب.
• فالمشهور في مذهب أحمد أنه لا ينعقد؛ لأنه تحصيلُ حاصل، وهو مذهب الشافعية.
• وذهب بعض الحنابلة إلى انعقاده، وهو اختيار شيخ الإسلام، ويصير وجوبه من جهتين: من جهة الشرع، ومن جهة النذر، وهو مثل أن يحلف على المحافظة على أمر واجب، وهذا أقرب، والله أعلم.
(1)
انظر: «المغني» (13/ 622 - 624).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 353، 356) من حديث بريدة رضي الله عنه بإسناد صحيح، وصححه شيخنا الوادعي رحمه الله في «الصحيح المسند» (167).