الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ
الذِّكر: مصدر ذَكَرَ، وهو ما يجري على اللسان، والقلب، والمراد به هنا ذكر الله.
والدُّعاء: مصدر دعا، وهو الطلب، وهو قسمان:
دعاء مسألة: وهو أن يسأل ربه أن يرزقه شيئًا، أو أن يدفع عنه شيئًا.
والآخر دعاء العبادة: وهو الانقياد لله بالطاعة، وسُمِّي دعاءً؛ لأنه يتضمن سؤال الله رضوانه، والجنة، والاستعاذة من النار.
1536 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ» . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
(1)
1537 -
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ»
(2)
. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(3)
1538 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللهَ، إلَّا حَفَّتْهُمُ
(4)
المَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(5)
(1)
ضعيف. أخرجه ابن ماجه (3792)، وابن حبان (815)، وعلقه البخاري في كتاب التوحيد (باب 43) بصيغة الجزم، وفي إسناده كريمة بنت الحسحاس وهي مجهولة، وقد وقع في «سنن ابن ماجه» بدلها (أم الدرداء) ورجح الحفاظ الرواية الأولى كما أشار إلى ذلك الحافظ في «الفتح» ، والله أعلم.
(2)
سقط متن هذا الحديث من النسخة (أ) وأثبت فيه المتن الذي بعده.
(3)
ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة (10/ 89)(12/ 327) ط/الرشد، والطبراني في «الكبير» (20/ 166 - 167)، من طريق أبي خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن معاذ بن جبل به. وهذا إسناد ضعيف؛ لا نقطاعه، فإن طاوسًا لم يسمع من معاذ، وأبوخالد الأحمر له أوهام، وقد روى الحديث على وجه آخر، رواه عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر: أخرجه الطبراني في «الصغير» (209)، و «الأوسط» (2317)، وأبوالزبير مدلس ولم يصرح بالتحديث، فالحديث ضعيف والله أعلم. وفي الحديثين زيادة:(قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع» ثلاث مرات، وليس في حديث جابر (ثلاث مرات).
(4)
في (أ) و (ب): (حفت بهم)، والمثبت من المطبوع و «صحيح مسلم» .
(5)
أخرجه مسلم برقم (2700). عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما بلفظ: «لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم
…
».
وأخرجه (2699) عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة
…
» الحديث.
1539 -
وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ القِيَامَةِ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الأحاديث
في الأحاديث المذكورة الحث على ذكر الله، وبيان أنَّ له فضلًا عظيمًا.
ومثلها حديث أبي الدرداء عند الترمذي (3377)، وغيره أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«ألا أنبئكم بأفضل أعمالكم، وأرفعها في درجاتكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب، والوَرِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ذكر الله» .
وفي «الترمذي» (3375)، عن عبدالله بن بسر أنَّ رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقال: يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فَمُرْنِي بشيء أتشبث به. فقال:«لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» ، وإسناده حسن.
(1)
صحيح. الحديث باللفظ المذكور أخرجه أحمد (2/ 463)، وابن حبان (591)(592)، وفيه زيادة في آخره:«وإن دخلوا الجنة للثواب» وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأما الترمذي فأخرجه برقم (3380) من طريق صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: «ما جلس قومٌ مجلسًا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم» . وإسناده ضعيف؛ لضعف صالح مولى التوأمة فإنه كان قد اختلط.
والحديث صحيح بطريقه الأولى دون قوله: «فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم» .
1540 -
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، [لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]
(1)
عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2)
1541 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(3)
1542 -
وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْت مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(4)
1543 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ» . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.
(5)
(1)
ساقط من المخطوطتين، ومثبت من «الصحيحين» .
(2)
أخرجه البخاري (6404)، ومسلم (2693)، ولم يسق البخاري اللفظ.
(3)
أخرجه البخاري (6405)، ومسلم (2691).
(4)
أخرجه مسلم برقم (2726).
(5)
حسن لغيره. أخرجه النسائي كما في «تحفة الأشراف» (3/ 362)، وابن حبان (840)، والحاكم (1/ 512)، من طريق دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري به. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف دراج ابن سمعان لا سيما في روايته عن أبي الهيثم.
ولكن له شاهد عن أبي هريرة: أخرجه النسائي في «الكبرى» (6/ 212)، والحاكم (1/ 541)، والطبراني في «الأوسط» (4039)، و «الصغير» (407) بدون ذكر «لا حول ولا قوة إلا بالله» وهو من طريق محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وهذه الرواية فيها ضعف، ضعفها النسائي والقطان، والحديث حسن بطريقيه، والله أعلم.
1544 -
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الكَلَامِ إلَى اللهِ أَرْبَعٌ، لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بَدَأْت: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ لله، وَلَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
1545 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَاللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلَا أَدُلُّك عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
، زَادَ النَّسَائِيّ:«وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إلَّا إلَيْهِ» .
(3)
الأدب المستفاد من الأحاديث
في الأحاديث المتقدمة بيانٌ لفضل الذكر بما ورد في هذه الأحاديث كقوله: «سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ لله، وَلَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ» .
(1)
أخرجه مسلم برقم (2137).
(2)
أخرجه البخاري (6384)، ومسلم (2704).
(3)
زيادة صحيحة. أخرجه النسائي في «الكبرى» (10190)، بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة، وظاهر صنيع الحافظ يوهم أنها من حديث أبي موسى فتنبه.
وكقوله: «سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ» .
وكقوله: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله» .
فينبغي للمؤمن أن يحمد الله على تيسير الله لنا باب الحسنات، والمغفرة بهذه الكلمات الخفيفة على اللسان التي تسبب رضوان الله، ونيل مغفرته، ورحمته، وعلى المؤمن أن يُكثِرَ من الذكر بهذه الأذكار ما استطاع.
نسأل الله عزوجل أن يعينناعلى ذكره، وشكره، وحسن عبادته.
1546 -
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ الدُّعَاءَ هُوَ العِبَادَةُ» . رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(1)
1547 -
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ» .
(2)
1548 -
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَفَعَهُ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ مِنَ الدُّعَاءِ» . وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.
(3)
الأدب المستفاد من الأحاديث
في الأحاديث المتقدمة فضل الدعاء، وبيان أنَّ الدعاء هو العبادة؛ وذلك لأنَّ الدعاء يشمل المسألة، ودعاء العبادة.
وقد تقدم بيان ذلك في أول الباب؛ وعليه فلا يجوز لإنسان أن يُدعو أحدًا غير الله؛ فإنَّ دعاء غير الله يُعتبر شركًا، قال الله عزوجل:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:38].
وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:5]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
(1)
صحيح. أخرجه أبوداود (1479)، والنسائي في «الكبرى» (6/ 450)، والترمذي (3247)، وابن ماجه (3828)، وفيه زيادة: وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] الآية، وإسناده صحيح.
(2)
ضعيف. أخرجه الترمذي (3371)، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف مختلط.
(3)
ضعيف. أخرجه الترمذي (3370)، وابن حبان (870)، والحاكم (1/ 490)، وفي إسناده عمران القطان وفيه ضعف.
1549 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ» . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في هذا الحديث بيان أن من أوقات إجابة الدعاء، بين الأذان والإقامة، فَيُسْتَحَبُّ تَحَرِّي هذا الوقت بالدعاء، وكذلك الأوقات الأُخرى التي وردت الأدلة بأنها من أوقات الإجابة، مثل الدعاء في آخر الليل، وفي السجود، وفي ساعة الجمعة وغيرها.
(1)
صحيح. تقدم تخريجه في آخر (باب الأذان).
1550 -
وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا» . أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.
(1)
(1)
الراجح وقفه على سلمان، والمرفوع ضعيف. أخرجه أبوداود (1488)، والترمذي (3556)، وابن ماجه (3865)، والحاكم (1/ 497)، وأخرجه أيضًا أحمد (5/ 438)، وغيرهم كلهم من طريق جعفر بن ميمون الأنماطي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان به. وجعفر بن ميمون ضعيف. وتابعه على روايته مرفوعًا يحيى بن ميمون العطار أبوالمعلى عند الخطيب (8/ 317)، والبغوي (1385)، ويحيى بن ميمون ثقة.
وخالفهم يزيد بن أبي صالح الدباغ، فرواه عن أبي عثمان عن سلمان موقوفًا، أخرجه وكيع في «الزهد» (504) وكذلك رواه موقوفًا سليمان التيمي أخرجه أحمد (5/ 438)، وكذلك في «الزهد» ص (151)، وكذا ابن أبي شيبة (10/ 340)، (13/ 339)، وقد رواه عن سليمان التيمي موقوفًا يزيد بن هارون ويحيى بن سعيد القطان ومعاذ بن معاذ وشذ محمد بن الزبرقان فرواه عن سليمان التيمي بإسناده مرفوعًا، أخرجه الطبراني (6130)، وابن حبان (880)، [ويتنبه على أنه ليس في رواية التيمي «حيي كريم»].
ورواه موقوفًا أيضًا ثابت وحميد وسعيد الجريري. أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (156) بإسناد صحيح عن حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد، وسعيد الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان أنه قال: أجد في التوراة إن الله حيي كريم
…
فذكره بنحوه.
فتبين أن رواية الوقف أرجح، فقد اجتمع عليها خمسة من الثقات، وأما رواية الرفع فهي من رواية ضعيف وثقة وأخرى شاذة غير محفوظة، وبالله التوفيق، وقد أشار الترمذي إلى الرواية الموقوفة عقب الحديث، وكأنه يرجحها، والله أعلم.
وجاء هذا الحديث عن أنس عند عبدالرزاق (3250)، (19648)، وفي إسناده أبان بن أبي عياش وهو متروك، وله طريق أخرى عند الحاكم (1/ 497 - 498)، وفي إسناده بشر بن الوليد وهو ضعيف، كان قد كبر فخرف، وفيه أيضًا عامر بن يساف فيه ضعف. انظر:«لسان الميزان» .
وجاء الحديث عن جابر عند أبي يعلى (1867)، وابن عدي (7/ 2613)، وفي إسناده يوسف ابن محمد بن المنكدر قال النسائي: ليس بثقة، وقال الدولابي: متروك، وضعفه آخرون.
وجاء من حديث ابن عمر رواه الطبراني في «الكبير» (12/ 423)، وفي إسناده الجارود بن يزيد كذبه أبوحاتم، وقال النسائي والدارقطني: متروك. انظر: «الميزان» . فالحديث لا يصلح للاحتجاج من جميع طرقه، والله أعلم.
1551 -
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا مَدَّ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(1)
وَلَهُ شَوَاهِدُ، مِنْهَا:
1552 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَغَيْرِهِ، وَمَجْمُوعُهَا يَقْضِي بِأَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(2)
الآداب المستفادة من الأحاديث
يُستفاد من هذه الأحاديث استحباب رفع اليدين عند الدعاء، وقد تواتر فعل ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فيستحب رفع اليدين؛ إلا أن يكون موضعًا تحرَّى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عدم الرفع فيه.
(1)
ضعيف منكر. أخرجه الترمذي (3386)، وفي إسناده عيسى بن حماد الجهني ضعفه غير واحد وله منكرات بل قال الحاكم روى عن ابن جريج وجعفر الصادق شبه موضوعات. انظر:«التهذيب» و «الميزان» .
(2)
ضعيف. أخرجه أبوداود (1485)، من طريق عبدالملك بن محمد بن أيمن عن عبدالله بن يعقوب ابن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«لا تستروا الجدر، من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار، وسلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم» . قال أبوداود: روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب، كلها واهية وهذه الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضًا. اهـ
قلتُ: في الإسناد عبدالملك بن محمد وعبدالله بن يعقوب، وكلاهما مجهول الحال، وفيه رجل مبهم لم يسمَّ، فالحديث ضعيف.
وأما مسح الوجه باليدين عَقِبَ الدعاء فالحديث ضعيفٌ لا يصلح للعمل به، فالمسح على الوجه عقب الدعاء من البدع، ولو كان من هدي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لَنُقِل إلينا في حديث صحيح.
ودلَّ حديث سلمان أنَّ رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة.
ومن أسباب الإجابة، وآداب الدعاء أنْ يثني على الله بين يدي الدعاء، وأن يدعو على وضوء، وأن يكون مستقبلًا القبلة، وكل ذلك فعله رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
1553 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
فيه استحباب كثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وقد دلَّ على ذلك حديث أبي هريرة، وعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم عند مسلم (408)(384)، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«من صلى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليها بها عشرًا» .
ورَوَى البخاري في «الأدب المفرد» (643)، عن أنسٍ أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«من صلَّى عليَّ واحدة صلَّى الله عليه بها عشرًا، وحطَّ عنه عشر خطيئات» ، وهو في «الصحيح المسند» لشيخنا رحمه الله.
وفي الحديث: «البخيل من ذُكِرت عنده؛ فلم يُصَلِّ عليَّ» .
أخرجه الترمذي (3546)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (55، 56)، وأحمد (1/ 201)، من حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهو حديث حسن.
(1)
ضعيف. أخرجه الترمذي (484)، وابن حبان (911)، وفي إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وهو ضعيف، وشيخه عبدالله بن كيسان مجهول، وقد اختلف في إسناده عليه كما في «التاريخ الكبير» للبخاري (5/ 177).
1554 -
وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتنِي، وَأَنَا عَبْدُك، وَأَنَا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِك مَا اسْتَطَعْت، أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت، أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ» . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يُستفاد من الحديث الحث على الاستغفار بهذا الدعاء العظيم، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ من مات بعده؛ دخل الجنة، ففي الحديث:«من قالها من النهار مُوقِنًا بها، فمات من يومه قبل أن يُمسي؛ فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل و هو موقنٌ بها، فمات قبل أن يصبح؛ فهو من أهل الجنة» .
(1)
أخرجه البخاري برقم (6306). وليس عنده لفظ «العبد» وعنده زيادة: «ومن قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة» .
1555 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُ هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ:«اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك العَافِيَةَ فِي دِينِي، وَدُنْيَايَ، وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنِ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِك أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يُستفاد من الحديث أنَّ هذا الذكر العظيم يستحب أن يحافظ عليه في الصباح، والمساء كما كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يصنع؛ فإنَّ فيه سؤال الله العافية في جميع أمور العبد، ومن عافاه الله فقد أكرمه.
وفيه سؤال الله عزوجل الحفظ في بدنه ودنياه.
ومعنى قوله: «أن أُغتال من تحتي» ، أي: أن يُخسَف به في الأرض، أو يُقتَل بأمرٍ مِنْ تَحته خفية.
وفيه سؤال الله عزوجل بأن يستر عوراته، وهي جمع عورة، وهي ما قبح منه، وأن يُؤَمِّنَ روعاته، أي: مخاوفه في الدنيا والآخرة.
فعلى المسلم أن يحافظ على هذا الذكر العظيم؛ لِمَا جمع من معاني عظيمة، وجليلة، وبالله التوفيق.
(1)
صحيح. أخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (566)، وابن ماجه (3871)، والحاكم (1/ 517 - 518) من طرق عن عبادة بن مسلم الفزاري، عن جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، قال: سمعت ابن عمر، وإسناده صحيح، رجاله ثقات.
1556 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِك، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِك، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِك، وَجَمِيعِ سَخَطِك» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في هذا الحديث العظيم استعاذة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من زوال النعمة، ويشمل النعمة العامة، وهي نعمة المال، والصحة، والنعمة الخاصة وهي نعمة الدين، والاستقامة.
وفيه الاستعاذة من تحول العافية، ويشمل أيضًا العافية من المصائب، والأسقام، والعافية من الفتن.
وفيه الاستعاذة من فجاءة النقمة، ولا يكون ذلك إلا بذنوب يؤاخذ الله بها العبد.
فنسأل الله عزوجل أن يوفقنا لطاعته، وأن يسددنا لما فيه صلاحنا في الدنيا والآخرة.
(1)
أخرجه مسلم برقم (2739).
1557 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ العَدُوِّ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يُستفاد من الحديث أنه ينبغي للمسلم أن يتعوذ من غلبة الدين، وأن يحذر من كثرة الديون ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ فإنَّ الإنسان إذا غرم حَدَّثَ فكذب، ووعد فأخلف، كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ويُستفاد منه أيضًا الاستعاذة من غلبة العدو، ومن شماتة الأعداء؛ فإنَّ ذلك عقوبة من الله سبحانه وتعالى، فنسأل الله حسن العافية.
ومعنى: «غلبة الدَّيْن» ، أي: كثرته، بحيث يغلبه عن القضاء.
ومعنى: «غلبة العدو» ، أي: قهر العدو، بأن يظلمني في مالٍ، أو عِرْضٍ، أو بدنٍ، سواء كان عدوًّا كافرًا، أو مسلمًا.
ومعنى: «شماتة الأعداء» ، أي: فرح العدو بالضُرِّ الذي يقع بالإنسان.
(1)
صحيح بشواهده. أخرجه النسائي (8/ 265)، والحاكم (1/ 531)، وفي إسناده حيي بن عبدالله المعافري وفيه ضعف، ولكن الحديث صحيح بشواهده، منها:
حديث أنس في البخاري برقم (6369). قال: كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال» .
ومنها حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (6347)، ومسلم (2707). قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. قال سفيان: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي.
1558 -
وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَقُولُ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّك أَنْتَ اللهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدِ، فَقَالَ:«لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ» . أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
من أسباب إجابة الدعاء تقديم الثناء على الله سبحانه وتعالى بين يدي الدعاء، ومن ذلك ما جاء في هذا الحديث من تقديم الدعاء بهذا الثناء العظيم الذي تضمن الاسم الأعظم، وهو (الله) في سياق التوحيد.
وأما إذا قلنا (الله) بدون سياق التوحيد، فيقتضي أن جميع الأدعية التي فيها (اللهم) يكون فيها الاسم الأعظم.
ويدل على ذلك أنَّ هذا الاسم (الله) في سياق التوحيد، هو الذي وجد في الحديثين اللذين تضمنا الاسم الأعظم، أحدهما: حديث بريدة الذي بين أيدينا، والثاني: حديث أنس عند ابن ماجه (2/ 1268)، أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان،
(1)
صحيح. أخرجه أبوداود (1493)، والنسائي في «الكبرى» (4/ 394 - 395)، والترمذي (3475)، وابن ماجه (3857)، وابن حبان (891)(892)، من طرق عن مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه به، وإسناده صحيح، رجاله ثقات، وعند بعضهم زيادة «باسمه الأعظم» .
بديع السموات والأرض، ذو الجلال والإكرام. فقال:«لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب» ، وهو حديث حسن، وقد حسنه الإمام الوادعي رحمه الله في «الصحيح المسند» (101).
وكذلك إذا تأملت بعض الأحاديث التي فيه أن الدعاء مستجاب؛ تجد فيها اسمه سبحانه (الله) في سياق التوحيد، مثل دعاء سيد الاستغفار، ومثل دعوة ذي النون عليه السلام.
• وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ الاسم الأعظم هو (الحي القيوم).
ويرد ذلك حديث بريدة، فليس فيه هذان الاسمان، وأيضًا فإن هذين اسمان، وفي الحديث «الاسم الأعظم» ، فتقديم الدعاء بمثل هذين الثناءين العظيمين سبب لإجابة الدعاء، ومن ذلك تقديم الدعاء بـ (يا ذا الجلال والإكرام)؛ لحديث:«ألظوا بياذا الجلال والإكرام» أخرجه أحمد (332)، عن ربيعة بن عامر بإسناد حسن.
1559 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَصْبَحَ يَقُولُ: «اللهُمَّ بِك أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِك نَحْيَا، وَبِك نَمُوتُ، وَإِلَيْك النُّشُورُ» وَإِذَا أَمْسَى قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، إَلَّا أَنَّهُ قَالَ:«وَإِلَيْك المَصِيرُ» . أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
يستفاد من الحديث المحافظة على هذا الذكر في الصباح والمساء كما كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقوله.
وفيه -أعني هذا الدعاء- تفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه وتعالى، فكل شيء يحصل للإنسان، أو يفعله الإنسان؛ فكله بحول الله، وقوته، ومشيئته سبحانه وتعالى، وبالله التوفيق.
(1)
حسن. أخرجه أبوداود (5068)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (564)، والترمذي (3391)، وابن ماجه (3868)، من طرق عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة به. وإسناده حسن، واختلفت ألفاظهم، واللفظ المذكور للنسائي في رواية، ورواية أبي داود مع رواية النسائي الأخرى، قال في المساء أيضًا «وإليك النشور» .
ورواية الترمذي وابن ماجه بلفظ الأمر: «إذا أصبحتم فقولوا
…
وإذا أمسيتم فقولوا
…
»، إلا أن لفظ الترمذي في الصباح «وإليك المصير» ، وفي المساء «وإليك النشور» وأما ابن ماجه فقال في المساء:«وإليك المصير» وفي الصباح لم يذكر شيئًا، ولعل اختلاف الألفاظ من سهيل بن أبي صالح، فإنه لم يكن بالحافظ.
1560 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
قال النووي رحمه الله (2688): وأظهر الأقوال في تفسير الحسنة في الدنيا أنها العبادة والعافية، وفي الآخرة الجنة والمغفرة. وقيل: الحسنة تعم الدنيا والآخرة. اهـ
وقد كان هذا الدعاء من أكثر ما يدعو به النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لأنه من جوامع الدعاء، فقد جمع خير الدنيا والآخرة.
وفي «سنن أبي داود» (1482)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يدعو بجوامع الدعاء، ويترك ما سوى ذلك. وهو في «الصحيح المسند» لشيخنا الوادعي رحمه الله.
(1)
أخرجه البخاري (6389)، ومسلم (2690).
1561 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرَتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
فيه تواضع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وخشيته، فقد كان يدعو لنفسه بالمغفرة مع أنَّ الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فنحن أولى بأنْ ندعو بهذا الدعاء العظيم.
واختلفوا في قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي» :
فقيل: قاله تواضعًا.
وقيل: عدَّ على نفسه فوات الكمال ذنوبًا.
وقيل: أراد ما كان سهوًا.
وقيل: ما كان قبل النبوة.
وقيل: إنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد يقع في خطإٍ صغير، وتكون العصمة من كبائر الذنوب، ومن صغارها الخسيسة، ولكن الله يعصمه من الإقرار عليها؛ فالأنبياء معصومون من الكبائر، ومن الإقرار على الصغائر، وهذا هو الصحيح، والله أعلم.
(2)
(1)
أخرجه البخاري (6398)، ومسلم (2719).
(2)
انظر: «شرح مسلم» (2719)«سبل السلام» .
1562 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي إلَيْهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
1563 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَارْزُقْنِي عِلْمًا يَنْفَعُنِي» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالحَاكِمُ.
(2)
1564 -
وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه نَحْوُهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ:«وَزِدْنِي عِلْمًا، الحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ» . وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
(3)
1565 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ: «اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ
(1)
أخرجه مسلم برقم (2720).
(2)
حسن. أخرجه النسائي في «الكبرى» (7868)، والحاكم (1/ 510)، من طريق عبد الله بن وهب، قال: حدثني أسامة بن زيد، أن سليمان بن موسى، حدثه عن مكحول، أنه دخل على أنس بن مالك فسمعه يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو
…
فذكره ووقع عندهما في آخره: «وارزقني علمًا تنفعني به» وإسناده حسن، رجاله معروفون.
(3)
ضعيف جدًّا. أخرجه الترمذي (3599)، من طريق موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة به. وموسى بن عبيدة شديد الضعف، وشيخه مجهول، فالحديث ضعيف.
عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْته لِي خَيْرًا». أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ.
(1)
الأدب المستفاد من هذه الأحاديث
هذه الأحاديث التي تقدمت كلها من جوامع الدعاء، فينبغي للمسلم أن يحفظها، وأن يدعو الله بها؛ اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لأنَّ الدعاء سبب حصول الخير، والهدى، والرشاد، وعلى المسلم أن يُكثر من هذه الأدعية، ولا يتعجل استجابة الدعاء؛ فإنَّ ذلك سببٌ لعدم الإجابة، قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل» ، أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن تُعَجَّل له دعوته، وإما أن يُدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن تُدَّخَر له في الآخرة» ، أخرجه أحمد (3/ 18)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، بإسناد صحيح.
وعلى المسلم إذا دعا ربَّه أن يُحسِن الظن بالله، ويرجو منه الإجابة، ففي
(1)
صحيح. أخرجه ابن ماجه (3846)، وابن حبان (869)، والحاكم (1/ 521)، وكذلك أحمد (25019، 25137)، وإسحاق (1165)، والبخاري في الأدب المفرد (639)، وأبو يعلى (4473)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6023، و 6024) من طرق عن جبر بن حبيب، عن أم كلثوم بنت أبي بكر، عن عائشة به وإسناده صحيح، وفي إسناد ابن حبان بدل:(جبر بن حبيب)، (الجريري) عن أم كلثوم به.
ووقع في الأدب المفرد: (عن الجريري، عن جبر بن حبيب، عن أم كلثوم به)، ووقع عند أبي يعلى:(عن الجريري، وجبر بن حبيب، عن أم كلثوم به).
«الصحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي» .
وعلى المسلم أن يدعوَ بقلبٍ حاضرٍ، غير ساهٍ ولا لاهٍ، وأن يجتنب ما يمنع إجابة الدعاء، كالأكل الحرام، والملبس الحرام، وتَعَجُّل الإجابة، وقطيعة الرحم، والبغي، والاعتداء في الدعاء، وبالله التوفيق.
1566 -
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ» .
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
إنَّ من فضل الله على عباده أن يأجرهم، ويثيبهم الثواب الجزيل، والأجر العظيم على أعمال يسيرة، ففي هذا الحديث أنَّ من قال:«سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العَظِيمِ» ثقَّل الله بها موازينه يوم القيامة؛ فعلى المسلمين أن يحمدوا الله على هذا الخير، وأن يبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن يَفْنَى العمر، ويندم الإنسان حيث لا ينفع الندم.
وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100].
وقد ختم الحافظ رحمه الله هذا الكتاب المفيد بهذا الحديث؛ اقتداءً بالبخاري
(1)
أخرجه البخاري (7563)، ومسلم (2694).
-رحمه الله، ومن مقصود ذلك الختم بالتسبيح، والتحميد كما في كفارة المجلس.
فنسأل الله عزوجل أن يرحم الحافظ ابن حجر، وأن يغفر له، وأن يجزل له مثوبته، وأن يرفعه في عليين.
والحمد لله الذي بنعمته، وفضله، ومنته تتم الصالحات، أحمده حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأُصلي وأسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأسأل الله عزوجل ذا الجلال والإكرام أن ينفعني بهذا الكتاب، وأن ينفع به سائر المسلمين، وأن يتوفانا مسلمين، وأن يقينا فتنة المحيا والممات، والحمد لله رب العالمين.
كان الفراغ من هذا الكتاب في يوم الاثنين الموافق العشرين من ربيع الثاني من عام ثمان وعشرين
وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية في دار الحديث بدماج حفظها الله
ثم أتممت مراجعته وتهذيبه في يوم الجمعة الموافق السادس والعشرين
من جمادى الآخرة من عام ثلاثين وأربعمائة وألف،
فلله الحمد أولًا وآخرًا، سرًّاوجهارًا، ليلًا ونهارًا،
وبالله العصمة والتوفيق