الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا قُرْبَ لها إذا قُطِعت وإن كانت قريبة»، وهو في «الصحيح المسند» (627) لشيخنا الوادعي رحمه الله.
مسألة [3]: تحريم قطيعة الرحم
.
دلَّ الحديث الثاني على أنَّ قطيعة الرحم محرمة، وأنه سبب لعدم دخول الجنة والعياذ بالله، والمقصود به في حق المؤمن: لا يدخلها دخولًا أوليًّا إن شاء الله تعذيبه، وقد جاء في الحديث الآخر:«إنَّ الله تعالى قال: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته» أخرجه البخاري (5988)، ومسلم (2554) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
مسألة [4]: بماذا تحصل الصلة والقطيعة
؟
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (5989): قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّحِم الَّتِي تُوصَل عَامَّة وَخَاصَّة، فَالْعَامَّة رَحِم الدِّين، وَتَجِب مُوَاصَلَتهَا بِالتَّوَادُدِ، وَالتَّنَاصُح، وَالْعَدْل، وَالْإِنْصَاف، وَالْقِيَام بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَة وَالْمُسْتَحَبَّة، وَأَمَّا الرَّحِم الْخَاصَّة فَتَزِيد لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيب، وَتَفَقُّد أَحْوَالهمْ، وَالتَّغَافُل عَنْ زَلَّاتهمْ، وَتَتَفَاوَت مَرَاتِب اِسْتِحْقَاقهمْ فِي ذَلِكَ. اهـ
قلتُ: ويدل على ذلك حديث جابر في «صحيح مسلم» (997)، مرفوعًا:«ابدأ بنفسك فتصدق عليها؛ فإن فضل شيء فلأهلك؛ فإن فضل شيءٌ فلِذي قرابتك» ، وكذلك حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدِّه المتقدم في (النفقات)، وفيه:«ثم أدناك أدناك» .
قال الحافظ رحمه الله: وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: تَكُون صِلَة الرَّحِم بِالْمَالِ، وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَة، وَبِدَفْعِ الضَّرَر، وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْه، وَبِالدُّعَاءِ. وَالْمَعْنَى الْجَامِع إِيصَال مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْر، وَدَفْع مَا أَمْكَن مِنْ الشَّرّ بِحَسَبِ الطَّاقَة، وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَمِرّ إِذَا كَانَ أَهْل الرَّحِم أَهْل اِسْتِقَامَة؛ فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُجَّارًا فَمُقَاطَعَتهمْ فِي الله هِيَ صِلَتهمْ، بِشَرْطِ بَذْل الْجَهْد فِي وَعْظهمْ، ثُمَّ إِعْلَامهمْ إِذَا أَصَرُّوا أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَخَلُّفهمْ عَنْ الْحَقّ، وَلَا يَسْقُط مَعَ ذَلِكَ صِلَتهمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْب أَنْ يَعُودُوا إِلَى الطَّرِيق الْمُثْلَى. اهـ
قال النووي رحمه الله (16/ 113): قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَلَا خِلَاف أَنَّ صِلَة الرَّحِم وَاجِبَة فِي الْجُمْلَة، وَقَطِيعَتهَا مَعْصِيَة كَبِيرَة. قَالَ: وَالْأَحَادِيث فِي الْبَاب تَشْهَد لِهَذَا، وَلَكِنَّ الصِّلَة دَرَجَات بَعْضهَا أَرْفَع مِنْ بَعْض، وَأَدْنَاهَا تَرْك المُهَاجَرَة، وَصِلَتهَا بِالْكَلَامِ وَلَوْ بِالسَّلَامِ، وَيَخْتَلِف ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْقُدْرَة وَالْحَاجَة، فَمِنْهَا وَاجِب، وَمِنْهَا مُسْتَحَبّ، وَلَوْ وَصَلَ بَعْض الصِّلَة ولَمْ يَصِل غَايَتهَا لَا يُسَمَّى قَاطِعًا، وَلَوْ قَصَّرَ عَمَّا يَقْدِر عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي لَهُ لَا يُسَمَّى وَاصِلًا. اهـ
قال المناوي رحمه الله في «فيض القدير» (9962): وقد ورد الحث فيما لا يُحصى من الأخبار على صلة الرحم، ولم يرد لها ضابط؛ فالمعول على العرف، ويختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والأزمنة، والواجب منها ما يعد به في العرف واصلًا، وما زاد تفضل ومكرمة. انتهى المراد.
قال أبو عبد الله غفر الله لهُ: الذي يظهر أنَّ القطيعة تحصل بترك ما هو واجبٌ عليه فيهم بدون عذر، والله أعلم.
1454 -
وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
في هذا الحديث تحريم عقوق الأمهات، وعقوق الوالدين من كبائر الذنوب، كما عدَّ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما في حديث أبي بكرة، وأنس رضي الله عنهما، أخرجهما الشيخان.
وفي الحديث تحريم وأد البنات، وذلك صنيع الجاهلية الذين كانوا يدفنون البنات وهُنَّ أحياء؛ مخافة العار.
ومعنى قوله في الحديث: «وَمَنْعًا وَهَاتِ» ، أي: يمنع ما يجب عليه، ويطلب ما لا يستحق طلبه.
ومعنى قوله: «وَكَرِهَ لَكُمْ» ، أي: كراهة تحريم، قال تعالى بعد أن ذكر عددًا من كبائر الذنوب:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38].
وقوله: «قِيلَ وَقَالَ» المراد به نقل الكلام بدون تثبت، وكذا الغيبة، والنميمة، قال تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].
(1)
أخرجه البخاري (5975)، ومسلم عقب حديث (1715).
وقوله: «وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» يشمل سؤال المال، ويشمل سؤال التعنت، وسؤال ما لا يجوز أن يسأل عنه.
وقوله: «وَإِضَاعَةَ المَالِ» هو صرفه في غير وجه شرعي بغير حق، وفي «البخاري» (3118)، من حديث خولة رضي الله عنها، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«إنَّ أُناسًا يتخوضون في مال الله بغير حقٍّ؛ فلهم النار يوم القيامة» .
1455 -
وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رِضَا اللهِ فِي رِضَا الوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللهِ فِي سَخَطِ الوَالِدَيْنِ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في الحديث أنَّ إرضاء الوالدين سبب لإرضاء الله، وأنَّ سخط الوالدين سبب لسخط الله، والأدلة تبلغ التواتر في طاعة الوالدين، وتحريم عقوقهم، بل قد قرن الله حقهما بحقه سبحانه وتعالى في أكثر من آية، من ذلك: قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23].
(1)
ضعيف. أخرجه الترمذي (1899)، وابن حبان (429)، والحاكم (4/ 151 - 152)، وفي إسناده عطاء العامري وهو مجهول، واختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي وقفه، والموقوف أيضًا فيه الرجل المذكور، وجاء هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ:«طاعة الله طاعة الوالد، ومعصية الله معصية الوالد» أخرجه الطبراني في «الأوسط» (2276) وفي إسناده أحمد بن إبراهيم بن كيسان الثقفي وإسماعيل بن عمرو كلاهما مترجم في «لسان الميزان» ، وكلاهما ضعيف.
1456 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ أَوْ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
دلَّ هذا الحديث على أنَّ إيمان المؤمن لا يكون كاملًا حتى يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، ولا سيما في أمور الدين؛ فلا يجوز لمسلم أن يحب لنفسه الاستقامة ولا يحب ذلك لأخيه المسلم.
ويشمل الحديث أيضًا أمورَ الدنيا، وقد قال ربنا جل وعلا في كتابه الكريم:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]، ولا يحصل ذلك إلا بأن ينقي الإنسان قلبه من الحسد، والحقد، والبغضاء، ويستعين بربه عزوجل على ذلك.
(1)
أخرجه البخاري (13)، ومسلم (45)(72). ولفظ البخاري «لأخيه» وهي عند مسلم أيضًا.
1457 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك» ، قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك» ، قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب والأحكام المستفادة من الحديث
أعظم ذنب يُعصى الله به هو الشرك بالله، قال تعالى عن لقمان:{يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].
ومن الذنوب العظيمة قتل الولد خشية الفقر، والزنى بحليلة الجار، قال الله عزوجل في كتابه الكريم:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا * وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:31 - 32].
وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر من أن يزني بامرأة جاره» أخرجه أحمد (6/ 8)، من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه، بإسناد حسن.
(1)
أخرجه البخاري (4477)، ومسلم (86).
1458 -
وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنَ الكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ» ، قِيلَ: وَهَلْ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
في هذا الحديث عِظَمُ ذنب من يشتم والديه، ويسبهما، ويلعنهما؛ لأنه إذا كان من الكبائر أن يكون سببًا في سب والديه، ولعنهما، فكيف بحال من يباشر السب، واللعن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا الحديث فيه شبه بقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108]؛ فالحديث مع الآية أصلٌ في سد الذرائع، وبالله التوفيق.
(1)
أخرجه البخاري (5973)، ومسلم (90). واللفظ لمسلم، وعند البخاري «من الكبائر أن يلعن الرجل والديه» قيل: وكيف يلعن الرجل والديه
…
فذكره.