الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1301 -
وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الكُرَاعِ
(1)
وَالسِّلَاحِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: معنى الفيء ومصرفه
.
هو ما أخذ على الكفار بحق بدون حرب، وقتال، والأصل فيه قوله تعالى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر:7].
ويُستفاد من الآية أنَّ الفيء لا تخميس فيه، وأنه يصرف لمن ذكر في هذه الآية، وكذا الآيات التي بعدها، وهي قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *
…
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا
(1)
الكُراع: اسم لجمع الخيل.
(2)
أخرجه البخاري (2904)، ومسلم (1757).
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:8 - 10].
وأخرج أبو عبيد في كتابه «الأموال» (ص 305) بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه، أنه قرأ الآيات السابقة، ثم قال: استوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له حقٌّ فيها، أو حظٌّ، إلا بعض من تملكون من أرقائكم، وإن عشت إن شاء الله؛ لَيُؤْتَيَنَّ كل مسلم حقه، أو قال: حظه، حتى يأتي الراعي بسرو حمير لم يعرق فيه جبينه. اهـ
قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (5/ 85 - 86) بعد أن ذكر الآيات السابقة: فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّ مَا أَفَاءَ عَلَى رَسُولِهِ بِجُمْلَتِهِ لِمَنْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَخُصّ مِنْهُ خُمُسَهُ بِالْمَذْكُورِينَ، بَلْ عَمّمَ وَأَطْلَقَ وَاسْتَوْعَبَ، وَيُصْرَفُ عَلَى الْمَصَارِفِ الْخَاصّةِ، وَهُمْ: أَهْلُ الْخُمُسِ، ثُمّ عَلَى الْمَصَارِفِ الْعَامّةِ وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَتْبَاعُهُمْ إلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، فَاَلّذِي عَمِلَ بِهِ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ الرّاشِدُونَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رضي الله عنه فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ رحمه الله وَغَيْرُهُ عَنْهُ: مَا أَحَدٌ أَحَقّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا أَنَا أَحَقّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، وَاَلله مَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إلّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ، إلّا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، وَلَكِنّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ الله، وَقَسَمِنَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَالرّجُلُ وَبَلَاؤُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالرّجُلُ وَقِدَمُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالرّجُلُ وَغِنَاؤُهُ
(1)
فِي الْإِسْلَامِ، وَالرّجُلُ وَحَاجَتُهُ، وَوَالله لَئِنْ بَقِيَتْ لَهُمْ لَيَأْتِيَنّ الرّاعِيَ بِجَبَلِ صَنْعَاءَ حَظّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ
(1)
الغَنَاء: بمعنى النفع.
وَهُوَ يَرْعَى مَكَانَهُ.
(1)
فَهَؤُلَاءِ الْمُسَمّوْنَ فِي آيَةِ الْفَيْءِ هُمْ الْمُسَمّوْنَ فِي آيَةِ الْخُمُسِ، وَلَمْ يَدْخُلْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَتْبَاعُهُمْ فِي آيَةِ الْخُمُسِ؛ لِأَنّهُمْ الْمُسْتَحَقّونَ لِجُمْلَةِ الْفَيْءِ، وَأَهْلُ الْخُمُسِ لَهُمْ اسْتِحْقَاقَانِ: اسْتِحْقَاقٌ خَاصّ مِنْ الْخُمُسِ، وَاسْتِحْقَاقٌ عَامّ مِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ؛ فَإِنّهُمْ دَاخِلُونَ فِي النّصِيبَيْنِ.
قال: وَكَمَا أَنّ قِسْمَتَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ بَيْنَ مَنْ جُعِلَ لَهُ لَيْسَ قِسْمَةَ الْأَمْلَاكِ الّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمَالِكُونَ كَقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، وَالْوَصَايَا، وَالْأَمْلَاكِ الْمُطْلَقَةِ، بَلْ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ، وَالنّفْعِ، وَالْغِنَاءِ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْبَلَاءِ فِيهِ، فَكَذَلِكَ قِسْمَةُ الْخُمُسِ فِي أَهْلِهِ؛ فَإِنّ مَخْرَجَهُمَا وَاحِدٌ فِي كِتَابِ الله وَالتّنْصِيصُ عَلَى الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ يُفِيدُ تَحْقِيقَ إدْخَالِهِمْ، وَأَنّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ بِحَالٍ، وَأَنّ الْخُمُسَ لَا يَعْدُوهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ، كَأَصْنَافِ الزّكَاةِ لَا تَعْدُوهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ، كَمَا أَنّ الْفَيْءَ الْعَامّ فِي آيَةِ الْحَشْرِ لِلْمَذْكُورِينَ فِيهَا لَا يَتَعَدّاهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ؛ وَلِهَذَا أَفْتَى أَئِمّةُ الْإِسْلَامِ كَمَالِكٍ، وَالْإِمَام أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا أَنّ الرّافِضَةَ لَا حَقّ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ؛ لِأَنّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَلَا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَا مِنْ الّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الّذِي سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَاخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيّةَ، وَعَلَيْهِ يَدُلّ الْقُرْآنُ، وَفِعْلُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ الرّاشِدِينَ. اهـ
(1)
أخرجه أحمد (292)، وأبو داود (2950)، ولم يخرج أبو داود قوله: «ووالله، لئن بقيت
…
»، وإسناده حسن؛ لولا عنعنة ابن إسحاق.