الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المائدة:95]، وَقَالَ:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96]؛ وَلِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ، فَحُرِّمَتْ كَالْوَزَغِ، أَوْ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهَا؛ فَأَشْبَهَتْ الْوَزَغَ. اهـ
(1)
مسألة [3]: ضابط الاستخباث
.
• مذهب الحنابلة، والشافعية، والحنفية أنَّ ضابطه ما استخبثته النفس، وتعففت عن أكله.
• ثم قال الشافعية: يرجع ذلك إلى العرب الذين هم سكان القرى، والريف دون أجلاف البوادي الذين يأكلون ما دبَّ ودرج من غير تمييز، وتعتبر عادة أهل اليسار، والثروة دون المحتاجين، وتعتبر حالة الخصب والرفاهية دون الجدب والشدة.
• وقال الحنابلة: الذين تعتبر استتطابتهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار الذين نزل عليهم الكتاب، وخوطبوا به، وبالسنة، فرجع في مطلق ألفاظهما إلى عرفهم دون غيرهم، ولا يعتبر أهل البوادي؛ لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما وجدوا، ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون؟ فقال: ما دبَّ ودرج، إلا أم حبين. فقال: لتهن أم حبين العافية.
• وذهب مالك إلى أنَّ الطيبات هي ما أحل، والخبائث ما حُرِّمَ.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (17/ 178 - 181): وقد قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء:160]، فعلم أن
(1)
وانظر: «المجموع» (9/ 16).
الطيب وصف للعين، وأن الله قد يحرمها مع ذلك عقوبة للعباد كما قال تعالى لما ذكر ما حرمه على بني إسرائيل:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام:146]، وقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:4]، فلو كان معنى الطيب هو ما أحل؛ كان الكلام لا فائدة فيه، فَعُلم أن الطيب والخبيث وصف قائم بالأعيان.
قال: وليس المراد به مجرد التذاذ الأكل؛ فإن الإنسان قد يلتذ بما يضره من السموم، وما يحميه الطبيب منه، ولا المراد به التذاذ طائفة من الأمم كالعرب، ولا كون العرب تعودته؛ فإن مجرد كون أمة من الأمم تعودت أكله وطاب لها، أو كرهته لكونه ليس في بلادها؛ لا يوجب أن يحرم الله على جميع المؤمنين ما لم تعتده طباع هؤلاء، ولا أن يحل لجميع المؤمنين ما تعودوه، كيف وقد كانت العرب قد اعتادت أكل الدم، والميتة، وغير ذلك، وقد حرمه الله تعالى، وقد قيل لبعض العرب: ما تأكلون؟ قال: ما دَبَّ ودرج إلا أم حبين. فقال: ليهن أم حبين العافية. ونفس قريش كانوا يأكلون خبائث حرمها الله، وكانوا يعافون مطاعم لم يحرمها الله، وفي «الصحيحين» عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قدم له لحم ضب فرفع يده ولم يأكل، فقيل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»
(1)
، فعلم أن كراهة قريش وغيرها لطعام من الأطعمة لا يكون موجبًا لتحريمه على المؤمنين من سائر العرب والعجم، وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم
(1)
سيأتي تخريجه في «البلوغ» رقم (1329).
يحرم أحد منهم ما كرهته العرب، ولم يبح كل ما أكلته العرب، وقوله تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] إخبار عنه أنه سيفعل ذلك، فأحل النبي صلى الله عليه وسلم الطيبات وحرم الخبائث، مثل: كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير؛ فإنها عادية باغية، فإذا أكلها الناس، والغاذي شبيه بالمغتذي؛ صار في أخلاقهم شوب من أخلاق هذه البهائم، وهو البغي والعدوان، كما حرم الدم المسفوح؛ لأنه مجمع قوى النَّفْس الشهوية الغضبية، وزيادته توجب طغيان هذه القوى.
قال: فالطيبات التي أباحها هي المطاعم النافعة للعقول والأخلاق، والخبائث هي الضارة للعقول والأخلاق. انتهى المراد.
وقال رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (21/ 540): وهذا الوصف يعني ما كان نافعًا غير ضار فهو مباح قد دلَّ على تعلق الحكم به النص، وهو قوله:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ، فكل ما نفع؛ فهو طيب، وكل ما ضرَّ؛ فهو خبيث، والمناسبة الواضحة لكل ذي لب أنَّ النفع يناسب التحليل، والضرر يناسب التحريم. اهـ
فالصحيح في هذه المسألة أنَّ الاستخباث ليس إلى النفوس، وإنما ما عُلِم ضرره؛ حُرِّم وكان خبيثًا، والله أعلم.
(1)
(1)
وانظر: «الأطعمة» للفوزان (ص 78 - 79).
1324 -
وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: قُلْت لِجَابِرٍ رضي الله عنه: الضَّبُعُ صَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ البُخَارِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ.
(1)
الحكم المستفاد من هذا الحديث
دلَّ حديث الباب على أنَّ الضبع أكله حلال، وهو مُستثنًى من النهي عن كل ذي ناب من السباع.
وقد تقدم ذكر هذه المسألة في دراسة الحديث الأول من هذا الباب.
(1)
صحيح. رواه أحمد (3/ 297، 318)، وأبوداود (3801)، والنسائي (5/ 191)، والترمذي (851)، وابن ماجه (3236)، وابن حبان (3964)(3965)، وهو حديث صحيح، بعض أسانيده على شرط مسلم، واللفظ لغير أبي داود بزيادة:(آكلها؟ قال: نعم) واختصر الحافظ ولم يذكر هذا اللفظ.