الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [3]: هجر المبتدع والمجاهر بالفسق
.
الهجر للمبتدع والمجاهر بالفسق نوعان:
أحدهما: هجر ترك وبعد عن المجالسة لهم، فهذا الهجر أمر به المسلمون؛ لقول الله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68]، وقوله تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:140]، وقال تعالى:{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم:29].
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» أخرجه البخاري (10) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وفي «الصحيحين» عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة» .
وفي «سنن أبي داود» (4833)، و «الترمذي» (2378)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرءُ على دِين خليله، فلينظرْ أحدُكُم مَن يُخَالِلْ» .
وأخرج البخاري (4547)، ومسلم (2665) عن عائشة، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» .
وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، بإسناد صحيح كما في «الشريعة» للآجري (133)، أنه قال: لا تجالس أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة للقلوب.
وأخرج الدارمي في «مقدمة سننه» (405) بإسناد صحيح عن أبي قلابة، قال:"لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون".
وأخرجه أيضًا بإسناد صحيح (415) عن الحسن، وابن سيرين قالا: لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم.
والثاني: هجر تأديب وزجر، بترك السلام، والكلام بالكلية، وبترك حقوق المسلم، من عيادة المريض، وشهود الجنازة، ونحو ذلك، فهذا الهجر متعلق بالمصلحة الشرعية، ولا يصنع إلا مع مصالح شرعية راجحة، فإن كانت المفاسد بهذا الهجر راجحة على المصالح ترك هذا الهجر، ويستدل لهذا الهجر بحديث
كعب بن مالك رضي الله عنه في «الصحيحين» أن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين هجروه مع بقية الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك خمسين ليلة.
ويستدل له أيضًا بحديث: «القدرية مجوس هذه الأمة: إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» . جاء عن جماعة من الصحابة، وهو حديث حسن بطرقه، كما بينا ذلك في «التوضيح المفيد على كتاب فتح المجيد» (ص 789).
وفي البخاري (5479)، ومسلم (1954) عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، أن قريبًا له حذف، فنهاه، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال:«إنها لا تصيد صيدا، ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين» ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم تخذف، لا أكلمك أبدا. واللفظ لمسلم.
وقد بين ما ذكرناه في هذا الموضع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فأحسن البيان كما في «مجموع الفتاوى» (28/ 204 - ) فراجعه فإنه مفيد.
1460 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (6021): قال ابن أبي جمرة: يطلق اسم المعروف على ما عُرف بأدلة الشرع أنه من أعمال البر، سواء جرت به العادة أم لا؟ قال: والمراد بالصدقة الثواب؛ فإن قارنته النية أُجِر صاحبه جزمًا وإلا ففيه احتمال. اهـ
(1)
أخرجه البخاري برقم (6021). وقد أخرجه مسلم برقم (1005) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
1461 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ طَلْقٍ» .
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
قال النووي رحمه الله (2626): رُوي «طلق» على ثلاثة أوجه: إسكان اللام وكسرها، وطليق بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط. فيه الحث على فضل المعروف وما تيسر منه وإن قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللقاء. اهـ
1462 -
وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا طَبَخْت مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَك» . أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ.
(2)
الأدب المستفاد من الحديث
قال النووي رحمه الله (2625): في الحديث الوصية بالجار، وبيان عظم حقه، وفضيلة الإحسان إليه، وفي الحديث:«فأصبهم منه بمعروف» ، أي: أعطهم منه شيئًا.
(1)
أخرجه مسلم برقم (2626).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2625)(142).
1463 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
الآداب المستفادة من الحديث
في الحديث فضيلة عظيمة لمن نفس عن أخيه المؤمن كربة من كُرب الدنيا، سواء كان بمال، أو إعانة ببدن، أو بمشاورة، أو ما أشبه ذلك، وفيه فضيلة أيضًا لمن يسر على المعسر بأن ينظره، أو يضع عنه المال، وذلك أيضًا من تنفيس الكربات.
وفيه فضيلة لمن ستر مسلمًا فلا ينشر عيبه، ولا يفضحه، وذلك فيما إذا لم يكن في ذلك ضرر بغيره. وفيه فضيلة التعاون على البر والتقوى، وأنَّ ذلك سبب لمعونة الله للعبد.
(1)
أخرجه مسلم برقم (2699). في ضمن حديث طويل.
1464 -
وَعَنِ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
الأدب المستفاد من الحديث
قال النووي رحمه الله (1893): فِيهِ: فَضِيلَة الدَّلَالَة عَلَى الْخَيْر، وَالتَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَالْمُسَاعَدَة لِفَاعِلِهِ، وَفِيهِ: فَضِيلَة تَعْلِيم الْعِلْم، وَوَظَائِف الْعِبَادَات، لَا سِيَّمَا لِمَنْ يَعْمَل بِهَا مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ وَغَيْرهمْ، وَالْمُرَاد بِمِثْلِ أَجْر فَاعِله: أَنَّ لَهُ ثَوَابًا بِذَلِكَ الْفِعْل كَمَا أَنَّ لِفَاعِلِهِ ثَوَابًا، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون قَدْر ثَوَابهمَا سَوَاء. اهـ
1465 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ أَتَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ» . أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ.
(2)
الآداب المستفادة من الحديث
في الحديث دلالة على أنَّ المسلم ينبغي له إذا استعاذ إنسان بالله أن يعيذه مما استعاذ منه، وإذا سأله إنسان بالله أن يعطيه، وذلك حيث لا مشقة عليه.
وكذلك على الإنسان أن يكافئ من صنع إليه المعروف بمعروف مثله، أو بالدعاء، وفي الحديث الآخر:«لا يشكر الله من لا يشكر الناس» ، أخرجه أبوداود (4811)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، بإسناد صحيح.
(1)
أخرجه مسلم برقم (1893).
(2)
صحيح. أخرجه البيهقي (4/ 199)، وهو عند أبي داود (1672)، والنسائي (5/ 82)، وغيرهم من طرق عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر به. وإسناده صحيح رجاله ثقات.