الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وأجازها أبو حنيفة، وبعض الشافعية؛ إلحاقًا لها بما ذُكِر في الحديث.
والصحيح القول الأول.
(1)
مسألة [6]: الباذل للعوض
.
أمَّا إذا كان الباذل للعوض هو ثالث غير المتسابقين، كالإمام أو غيره؛ فهذا جائز عند عامَّة أهل العلم.
• وأما إذا كان الباذل أحدهما دون الآخر؛ فهو جائز عند جمهور العلماء، وهو قول أحمد، والشافعي، وإسحاق، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، ومالك في رواية.
واستدلوا بعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ» .
• وخالف القاسم بن محمد، ومالك في رواية، فلم يجيزوا بذل السبق من أحد المتسابقين؛ لأنه ربما أخذ ماله بغير طيب نفس منه، ولأنه دائر بين الغنم والغرم دون صاحبه.
ومالك رحمه الله له تفاصيل في المسألة. انظر: «الفروسية» (ص 154 - ).
وأُجيب بأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أطلق جواز السبق في الأشياء الثلاثة، ولم يخصه بباذلٍ خارج عنهما.
(1)
«الفروسية» (ص 56، 145).
قالوا: وقد التزم بذله عن كونه مغلوبًا، فيحل للغالب أكله بحكم التزامه الاختياري الذي لم يجبره عليه أحد؛ فهو كما لو نذر إن سلَّم الله غائبه أن يتصدق على فلان بكذا وكذا، فوجد الشرط؛ فإنه يلزمه إخراج ما التزمه، ويحل للآخر أكله، وإن كان عن غير طيب نفس منه.
قالوا: والذي حرمه الشارع أن يكون مكرهًا على إخراج ماله، فأما إذا كان بذله، والتزمه باختياره؛ لم يدخل في الحديث.
وقول الجمهور هو الصواب، وهو ترجيح شيخ الإسلام، وابن القيم.
(1)
• وأما إن كان العوض من المتسابقين كليهما، فذهب الجمهور إلى عدم جواز ذلك؛ إلا أن يدخل بينهما ثالث محلل، وهذا المحلل لا يخرج شيئًا؛ فإن سبقهما أخذ سبقهما، وإن سبقا معًا؛ أحرزا سبقهما، ولم يغرم المحلل شيئًا، وإن سبق المحلل مع أحدهما؛ اشترك هو والسابق في سبقه، وإن سبق أحد المتسابقين غير المحلل؛ أخذ العوض كاملًا.
وحجة الجمهور حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في الباب، وقد تقدم بيان ما فيه. واستدلوا بما أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (4689) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سابق بين الخيل، وجعل بينهما سبقًا، وجعل بينهما محللًا، وقال:«لَا سَبَقَ إلَّا فِي حَافِرٍ، أَوْ نَصْلٍ» ، وهو حديث ضعيف، في إسناده: عاصم ابن عمر العمري، وهو ضعيف، ومنهم من تركه.
(1)
انظر: «الفروسية» (ص 57 - 58، 150 - ).
قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال مرة: متروك. والحديث المذكور من جملة مناكيره كما في «الكامل» لابن عدي.
قال الجمهور: وإذا دفع كل واحد من المتسابقين جُعلًا؛ صارا بين الغنم والغرم، وهذا هو الميسر، ولكن إذا دخل المحلل وُجِدَ احتمال ثالث، وهو أن يسبق المحلل فيأخذ جعليهما معًا، ولا يغرم شيئًا.
• وذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز المسابقة على عوضٍ يبذله المتسابقان بدون اشتراط دخول المحلل. وهذا قول جابر بن زيد، وثبت عن أبي عبيدة بن الجراح بإسناد حسن كما في «مسند أحمد» (1/ 49) أنه قال: من يراهنني؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب. قال: فسابقه. قال: فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان، وهو على فرسٍ خلفه عربي.
قال ابن القيم رحمه الله (ص 58): والقول بالمحلل مذهبٌ تلقاه الناس عن سعيد ابن المسيب، وأما الصحابة فلا يُحفظ عن أحد منهم قط أنه اشترط المحلل، ولا راهن به مع كثرة تناضلهم ورهانهم، بل المحفوظ عنهم خلافه كما ذكر عن أبي عبيدة بن الجراح. وقال الجوزجاني رحمه الله في كتابه «المترجم»: حدثنا أبو صالح هو محبوب بن موسى الفراء، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن ابن عيينة، عن عمرو ابن دينار، قال: قال رجل عند جابر بن زيد: إنَّ أصحاب محمد كانوا لا يرون بالدخيل بأسًا. فقال: هم كانوا أعفَّ من ذلك. والدخيل عندهم هو المحلل، فينافيه ما نُقل عنهم أنهم لم يكونوا يرون به بأسًا، وفرق بين لا يرون به بأسًا، وبين
أن يكون شرطًا في صحة العقد وحِلِّه؛ فهذا لا يُعرف عن أحد منهم ألبتة.
قال: وقوله: (كانوا أعف من ذلك)، أي: كانوا أعف من أن يدخلوا بينهم في الرهان دخيلًا، كالمستعار؛ ولهذا قال جابر بن زيد رواي هذه القصة: إنه لا يحتاج المتراهنان إلى المحلل. حكاه الجوزجاني وغيره عنه. اهـ
والأثر المتقدم أخرجه ابن منصور في «سننه» (2959) عن ابن عيينة به.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «الفروسية» (ص 60): ما علمت بين الصحابة خلافًا في عدم اشتراط المحلل. اهـ
واستدل أصحاب هذا القول بعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في الباب: «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ
…
»، فأطلق النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الجواز ولم يشترط ذلك بكون البذل من غيرهما، أو من أحدهما.
واستدلوا بما أخرجه أحمد (3/ 160) بإسناد حسن عن أنس رضي الله عنه، أنه سئل: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، لقد راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس يُقال له: سبْحة، فسبق الناس، فهش لذلك، وأعجبه.
قالوا: ولو كان إخراج العوض من المتراهنين حرامًا، وهو قمار؛ لما حلَّ بالمحلل، كما لم يحل نكاح التحليل وبيع العينة؛ ولأنَّ العلة في التحريم التي ذكروها ما زالت موجودة مع دخول المحلل.
وقد توسع ابن القيم رحمه الله في تصويب القول بالجواز بدون محلل، وهو
ترجيح شيخ الإسلام، وهو الصواب، والله أعلم.
(1)
فائدة: تراهن أبو بكر الصديق مع المشركين عند نزول الآية: {غُلِبَتِ الرُّومُ} إلى قوله: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:3]. فقد أخرج أحمد (2769)، والترمذي (3191) بإسناد صحيح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا إِنَّهُمْ سَيَغلِبون» فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ، فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا، فَإِنْ ظَهَرُوا، كَانَ لَكَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنْ ظَهَرْنَا، كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا. فَجَعَلَ بَيْنَهُمْ أَجَلًا خَمْسَ سِنِينَ، فَلَمْ يَظْهَرُوا، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«أَلا جَعَلْتَهُ -أُرَاهُ قَالَ-: دُونَ الْعَشْرِ» -قَالَ: وَقَالَ سَعِيدٌ ابن جبير: الْبِضْعُ مَا دُونَ الْعَشْرِ - قَالَ: فَظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 2]، قَالَ: فَغُلِبَتِ الرُّومُ ثُمَّ غَلَبَتْ بَعْدُ، قَالَ:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4]، قَالَ: يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ.
• فذهب الجمهور إلى نسخ ذلك، فمنهم من قال بالآية:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة:90].
(1)
انظر: «الفروسية» (ص 58 - 140).
وأُجيب عن ذلك بأنَّ غلبة الروم على فارس كانت بعد نزول الآية المذكورة، ولم ينه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أبا بكر عن الرهان.
• ومنهم من قال: منسوخ بالحديث: «لا سبق إلا في خف
…
»، وهذا قول مالك، وأحمد، والشافعي، وأصحابهم.
• وذهب أبو حنيفة، وشيخ الإسلام إلى أنه حديث محكم، وقالوا: هذا رهان على ما فيه ظهور أعلام الإسلام، وأدلته، وبراهينه كما راهن عليه الصديق؛ فهو من أحق الحق، وهو أولى بالجواز من الرهان على النضال، وسباق الخيل والإبل أدنى، وأثر هذا في الدين أقوى؛ لِأَن الدّين قَامَ بِالْحجَّةِ والبرهان، وبالسيف والسنان، والمقصد الأول إِقَامَته بِالْحجَّةِ وَالسيف منفذ. وهو ترجيح ابن القيم رحمه الله.
(1)
فائدة: المسابقة على حفظ القرآن، والحديث، والفقه وغيرها من العلوم النافعة، والإصابة في الأحكام والمسائل، هل تجوز بعوض؟
• أجازه أبو حنيفة، وشيخ الإسلام، وابن القيم، واستدلوا على ذلك بقصة أبي بكر المتقدمة.
• ومنع من ذلك الجمهور؛ لما تقدم، وهذا أقرب لما في ذلك من توسع بدون دليل، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم، والله أعلم.
(2)
(1)
انظر: «الفروسية» (ص 145، 23).
(2)
انظر «الفروسية» (ص 145).